رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منى الجهني

Munaaljehani1@gmail.com 

مساحة إعلانية

مقالات

288

منى الجهني

المدينة الإنسانية نكبة في ثوب جديد

15 يوليو 2025 , 05:21ص

تعمد إسرائيل دائما إلى إعادة استخدام المصطلحات وتطويعها لخدمة مشروعها الاستيطاني والاحتلالي في فلسطين، فتُلبِس أفعالها غطاءً قانونيًا وإنسانيًا زائفًا. من أجل تلميع صورتها أمام العالم، وتبرير ممارساتها اللاإنسانية تحت غطاء قانوني. كما أنها توظف لنفسها كلمات مثل «حق الدفاع عن النفس» لتبرير العدوان، و»المنطقة العازلة» لتكريس السيطرة وتهجير السكان، وها هي اليوم تقدم مفهوم «المدينة الإنسانية» كواجهة جديدة تخبئ خلفها واقعًا لا صلة له بالإنسانية الحقة. 

ففي الحروب التقليدية، يُطلق الرصاص والصواريخ وتقصف المدن وتُسفك الدماء. أما في الحروب الأيديولوجية، فإن الكلمات تصبح سلاحا أكثر فتكاً. بذلك لا تكتفي إسرائيل باحتلال الأرض، بل تسعى إلى احتلال المعاني أيضًا، مستخدمةً قاموسًا خاصًا بها يعيد تعريف الواقع، ويبرّر العدوان، ويعيد تشكيل الرأي العام العالمي.  واليوم يأتي مصطلح «المدينة الإنسانية»، بتكرار النمط نفسه. مصطلحات تقف وراءها سياسة منهجية من السيطرة والعنف والإقصاء.

هذه المدينة ليست مشروعًا إغاثيًا، انما تسعى لفصل السكان عن جذورهم وعن المقاومة، 

تعتبر المدينة الإنسانية هي من أحد الخطط التي أعلنها كاتس التي تتضمن دفع حوالي 600 ألف فلسطيني نازح من جنوب غزة على التهجير القسري الى رفح المدمرة التي ستكون مغلقة ومحاطة بسياج أمنى ولا يسمح بالمغادرة الا الى البحر او الى مصر.

وتعد تلك الخطة في جوهرها هي بداية تهجير قسري للفلسطينيين وتمنع العودة الى غزة نحو نصف مليون فلسطيني. في غلاف بيئة إنسانية مصطنعة على أطراف غزة توفر من خلالها المساعدات للنازحين. وهذه المدينة التي تسعى إسرائيل لإقامتها هي كقناع تلبسه لدفع الفلسطينيين للنزوح طوعا. كما ستركز إسرائيل على دفع المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة من أجل الفلسطيني الذي عليه ان يختار بين الموت أو المغادرة كما حدث في نكبة 1948.

فهو يعتبر معسكرا ضخما بخيام كبيرة لاستيعاب مليون شخص ومنع العودة الى شمال غزة وهي عبارة سياسة تجويع وتعطيش. انها مدينة إنسانية بلا إنسانية وكل هذه الخطة تعتبر جريمة حرب. ومن ناحية أخرى توصف هذه الخطة بأنها عقبة امام المفاوضات من أجل الرهائن.

وقد أشعلت هذه الخطة الإسرائيلية المتداولة لنقل سكان غزة الى «المدينة الإنسانية» موجة غضب وانتقادات كبيرة لأنها من الواضح انها خطة كبيرة لصرف الانتباه، وهي في أسوأ الأحوال معتقل كبير يخلو من أي بنية تحتية. 

المدينة الإنسانية ام النكبة الثالثة كلها نسخة واحدة من مخيمات اللجوء. وفي هذا السياق لا توجد مدينة إنسانية على أنقاض وطن، فالمكان لا يصبح إنسانيا بلا أهله، غزة لا تحتاج الى مدينة إنسانية، بل إنسانية العالم كله تجاهها لإيقاف هذه الإبادة. 

وبالرغم من التحذيرات الإسرائيلية من مخطط هذه «المدينة الإنسانية». حذر مقال في صحيفة يديعوت احرنوت من الترويج لفكرة المدينة الإنسانية، لأنه سيتسبب بتزايد الاتهامات بتورط إسرائيل في معسكر اعتقال للفلسطينيين. وهذا ما قاله أولمرت في أحد تعليقاته.

لا توجد مدينة إنسانية تبنى والتاريخ لا يرحم أبدا انما هي سياسة تهجير بمسميات حديثة. هذا المخطط الذي لا يقتصر على البعد الجغرافي، بل في عمق الانتماء والهوية فيحول الانسان الى شخص بلا هوية ولا وطن في مهب الرياح بين الخيام.

في فلسطين تحارب حتى بالكلمات فان معركة الوعي لا تقل أهمية عن معركة الأرض.

لذا، فإن استيعاب المعنى جزء من استرداد الوطن. والمقاومة تبدأ حين نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية الاحتلال احتلال، والعدوان عدوان، والإنسانية ليست أداة فصل… بل قيمة تجمع الوطن ولا تقسمه. وفي معركة البقاء غزة تقاوم لأنها لا تغادر...كل هذا وبيني وبينكم.

مساحة إعلانية