رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إن عملية انتاج الأخبار تخضع في غالب الأحيان إلى ما يسمى بتحديد الأجندة حيث تنتقي وسائل الإعلام عددا معينا من الأحداث والأخبار وتقصي المئات بناءً على ما تراه أخبارا تنسجم مع أولوياتها وأهدافها ومصالحها الاقتصادية. من جهة أخرى تخضع عملية صناعة الأخبار كذلك إلى ما يسمى بعملية التأطير التي ما هي في حقيقة الأمر إلا عملية بناء الواقع الاجتماعي. عملية التأطير إذن هي عملية وضع أطر معينة لإعطاء دلالة معينة وإطار محدد وسياق يرى الصحافي والمؤسسة الإعلامية أنه ضروري لبناء الواقع الاجتماعي وليس لتصوير هذا الواقع. فالتأطير الإعلامي هو عملية مستمرة ومتواصلة لصناعة الواقع اليومي للجمهور وإمداده بالمعلومات الضرورية التي يحتاجها في حياته اليومية. من جهة أخرى تسمح عملية التأطير للصحافيين اكتشاف وتحديد المادة الإعلامية وتعليبها بسرعة فائقة لتقديمها للجمهور.
تقوم نظرية تحديد الأجندة أساسا على عملية "التأطير" framing حيث إن التركيز على قضايا وإهمال قضايا أخرى يعني وضع هذه الأحداث وهذه القضايا في سياق معين وخلفية محددة وفق أطر يراها صانع الرسالة الإعلامية – الصحافي- والمؤسسة الإعلامية والبيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ملائمة لفهم الحدث والقضية. فالتأطير هو "انتقاء وتسليط الضوء على جوانب معينة من الأحداث والقضايا وإبراز الترابط بينها بهدف خلق وتطوير تفسير وتقييم وتقديم حل للقضايا المطروحة". فالأخبار ليست بريئة وليست سلعة مجردة وإنما هي منتج فكري ومعنوي تُقدم للجمهور من الزاوية التي يراها الصحافي صحيحة وملائمة وتفي بالغرض، وعلى حد قول الصحافي الأمريكي دون شابمان "الأخبار هي ما أقرر أنا أنها أخبار". فبالنسبة لغوفمان عملية التأطير هي عملية بناء محدد للتوقعات التي تراها المؤسسة الإعلامية ضرورية ليدرك الجمهور الحدث. فهي عملية مقصودة وجزء من عملية صناعة الخبر يقوم بها القائم بالاتصال من أجل تقديم الحدث وفق إدراكات وأحاسيس الناس وفهمهم لما يحيط بها محليا ودوليا.
تمر عملية التأطير بعدة مراحل لتقديم المنتج الإعلامي النهائي للجمهور. فالخطوة الأولى تتمثل في حكم الصحافي وتقييمه للحدث حيث إنه يصدر أحكاما واعية أو غير واعية، إرادية أو غير إرادية انطلاقا من البناءات الإدراكية والمعرفية وإطاره المرجعي ومعتقداته وقناعاته التي تراكمت لديه من خلال عقود من الزمن من الممارسة الإعلامية ومن خلال تفاعله مع البيئة التي يعيش فيها. أما المرحلة الثانية فتتمثل في وضع الحدث وفق الأطر المهنية والقيم الخبرية والخط الافتتاحي للمؤسسة الإعلامية ونظمها الظاهرة والخفية. أما المرحلة الثالثة فهي قراءة في الأطر الخاصة بالجمهور حيث يأخذها القائم بالاتصال بعين الاعتبار في تأطير الحدث. أما المرحلة الأخيرة فهي حصيلة تشابك وتداخل السياسات والممارسات المهنية وخلفية القائم بالاتصال ونوعية الحدث وخلفياته الثقافية والسياسية والأيديولوجية وموقعه في اهتمامات الجمهور فتكون عملية التأطير من القائم بالاتصال والنص والمتلقي والثقافة.
تبدأ عملية التأطير بثقافة المجتمع ونظرته للإرهاب وهنا نلاحظ بصمة الإطار الذي تحدده الحكومة من خلال مواقفها وبياناتها وتصريحات كبار السياسيين والمسؤولين. من جهة أخرى قد تكون هناك جماعات مختلفة في المجتمع المدني قد تؤثر في صناعة الأطر التي تتبناها وتعتمدها وسائل الإعلام. إطار الأخبار إذن يتشكل من خلال ثقافة المجتمع والإطار الذي تشكله الحكومة حول الحدث الإرهابي والمنظمات الفاعلة في المجتمع ولو أن تأثيرها يكون محدودا في غالب الأحيان. الإطار الذي تتبناه وسائل الإعلام في تغطية الحدث الإرهابي يشكل الرأي العام بالإضافة إلى التجربة الشخصية للفرد وتواصله مع الآخرين ومؤشرات العالم الحقيقي. فعملية التأطير لحدث إرهابي في أي مجتمع تتم عبر ثلاثة عوامل رئيسية تتمثل في الرهانات والقضايا التي تحيط بالحدث الإرهابي نفسه، والطريقة التي تُقدم وتُفسر وتُحلل بها هذه الأحداث من قبل المصادر الرسمية في الحكومة (بيانات صحفية، خطب، مؤتمرات صحفية من قبل قادة سياسيين، ناطقين رسميين باسم الجيش، الأمن، المخابرات، وكذلك خبراء ومحللين. وأخيرا من خلال البيانات والتصريحات والمقابلات الصحفية مع المختصين الذين يقدمون التحاليل والتفسيرات لدوافع الإرهابيين ومطالبهم".
فالتغطية الإعلامية للتطرف والإرهاب ليست بريئة، بل هي مركب من الآليات المهنية والأيديولوجية والاجتماعية والثقافية يجب فهمها جيدا لفهم كيف تشكل وتحدد وسائل الإعلام فهمنا للواقع. فمن خلال استعراض تغطية حادثة شارلي إبدو وشابل هيل وكذلك الحرب على غزة وحادثة 11 سبتمبر 2001 و11 سبتمبر 1973 في شيلي وكذلك ظاهرة الإسلاموفوبيا وتناولها من قبل الإعلام الغربي تم شرح الأطر المختلفة التي يستعملها الإعلام أثناء تغطيته للتطرف والإرهاب. ففي حادثة شارلي إبدو ركزت وسائل الإعلام على عملية اقتراف الجريمة من قبل الإرهابيين لكنها أهملت جوانب عدة من الحادثة ولم تضعها في سياقها الصحيح ولم تحاول الإجابة على عدة أسئلة مهمة. علقت الصحافية الأمريكية سالي كوهين، وهي كاتبة رأي بموقع "ديلي بوست" ومعلقة سياسية في شبكة "CNN" على حادثة شارلي إبدو، في سلسلة تغريدات، "لقد غطت وسائل الإعلام الأمريكية خبر قيام مسلمين بقتل آخرين في فرنسا بشكل متواصل لعدة أيام، لكن لا تغطية مماثلة لمقتل مسلمين هنا في أمريكا". وتابعت كوهين، "مهاجم إسلامي يساوي إرهابي، مهاجم أسود يساوي بلطجي، مهاجم أبيض يساوي مجرد خلاف على مكان ركن السيارة"، متسائلة بغضب عن سبب غياب التغطية الواسعة في أمريكا لما يجري قائلة، "لو أن مسلماً قتل 3 طلاب من أصحاب البشرة البيضاء لكانت القضية اليوم تهيمن على التغطية الإعلامية". أما بالنسبة للحرب على غزة وانطلاقا من نظرية التأطير فلقد أصبح الجانب الفلسطيني هو المعتدي بينما الجانب الإسرائيلي هو الطرف الحريص على الأمن وهو الضحية والمعتدى عليه كما نسبت وسائل إعلام غربية مشاهد من الدمار الذي لحق بالمواطنين العزل في غزة جراء القصف الإسرائيلي لبيوتهم وتقديمه للمشاهد على أنه لضحايا إسرائيليين طالتهم صواريخ المقاومة الفلسطينية. أما بالنسبة ل 11 سبتمبر الشيلي والأمريكي فالتأطير الإعلامي جعل من 9/11 والذي راح ضحيته 4000 شخص على لسان العام والخاص في العالم بأسره أما 11 سبتمبر 1973 والذي راح ضحيته 40 ألف شخص فلقد صنفته وسائل الإعلام في خزائن النسيان. أما بالنسبة لظاهرة الإسلاموفوبيا فأصبحت كلمة العرب والمسلمين مرادفة للإرهاب والجهل والتعصب وإقصاء الآخر وأصبحت وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها تنسج وتبني صورا نمطية وأنظمة فكرية ومعتقدات وادراكات تجعل من العربي ومن المسلم معادي للإنسانية وللبشرية وللأخلاق وللقيم السامية. فالعالم يشاهد تناميا كبيرا لهذه الظاهرة في ظل تشويه وتزييف وتضليل منهجي ومنظم.
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
78
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
147
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
192
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4104
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1740
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1587
| 02 ديسمبر 2025