رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

طارق الهاشمي

● سياسي من العراق

مساحة إعلانية

مقالات

2790

طارق الهاشمي

قصتي مع الإنتربول

20 يناير 2014 , 12:43ص

في الثامن من أكتوبر من العام الماضي 2013 وبعد أن فشلت الحكومة العراقية في تقديم أدلة جنائية كافية ووثائق على مستوى من المقبولية الدولية قررت سكرتارية منظمة الإنتربول شطب (النشرة الحمراء) ذات الرقم 297774/2012 التي كانت أصدرتها بحقي وعممتها على الدول 190 الأعضاء في المنظمة وذلك في مارس من عام 2012، وهكذا أسدل الستار على محاولة يائسة من جانب نوري المالكي للتضييق علي والحد من حرية تحركي عالميا.

خلال سبعة عشر شهرا وهي الفترة الفاصلة مابين 7/5/2012 و8/10/2013 قصة، هكذا بدأت.

على غير المألوف وفي صباح يوم السابع من مارس في عام 2012 تزاحمت وكالات الأنباء على مكتبي تلتمس تعليقاً على (نشرة حمراء)، أصدرتها بحقي منظمة الإنتربول، وكانت مفاجئة، لم أتحسب لها ولم أتوقعها إطلاقاً أولا لثقتي بمهنية المنظمة وثانيا لأن دستور المنظمة يمنعها من الانخراط في متابعة الجرائم ذات الطبيعة السياسية أو الدينية أو العشائرية القبلية.. كان فهمي هكذا أن المنظمة لن تورط نفسها في ضوء ذلك بخلاف سياسي جمع قطبي السلطة في العراق نائب رئيس جمهورية وهو يمثل مكوناً رئيسا من مكونات المجتمع العراقي ورئيس الوزراء يمثل مكون رئيس آخر، لم أتوقع أن منظمة رصينة كمنظمة الإنتربول سوف تتعامل مع أي طلب يصلها من الداخلية العراقية بهذه البساطة وبهذه السرعة، دون تحرٍ أو تدقيق، رغم الانحطاط في سمعة حكومة نوري المالكي على الصعيد الدولي طال جميع مجالات الحياة وعلى وجه الخصوص ملف حقوق الإنسان.. لكن حصل ما لم يكن في الحسبان. ومع ذلك لم أجزع ولم اقلق بعد أن كنت فوضت أمري إلى الله سبحانه.

وبعد أن تأكد الخبر أصدرت بياناً أحدهما بالعربية والآخر مترجم للإنكليزية وعبرت عن أسفي واستعدادي للطعن بقرار الإنتربول. نظرت من نافذة شقتي في إسطنبول ورأيت حشداً كبيراً من الصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء، وكنت في يومها مدعواً للقاء شخصية سياسية في أنقرة، حيث غادرت اليها وعقدت هناك مؤتمراً صحفياً قرأت فيه البيان باللغتين وأجبت على أسئلة الصحفيين وكلفت مكتب محاماة متخصص لمتابعة الموضوع مع المنظمة ثم تبرع محامي فرنسي اخرفي وقت لاحق وهو متمرس في قضايا الإنتربول قدم طعناً رائعاً سلط الضوء على المخالفات التي ارتكبتها المنظمة في تعاطيها مع مذكرة وزارة الداخلية العراقية.

حكومة بغداد لم تكتف بذلك بل خاطبت الدول التي أقيم على أراضيها برسائل عن طرق الخارجية تطالبها بإلقاء القبض علي وتسليمي إليها؟! وهو ما تجاهلته تلك الدول جملة وتفصيلاً، ليقينها بان جميع التهم مفبركة ليس إلا.

لماذا تحركت حكومة نوري المالكي وفاتحت منظمة الإنتربول وطالبت بتسليمي إليها بعد أن كان المالكي حريصاً على إبعادي من العراق باي ثمن بل حتى إخراجي حتى من كردستان!! الم يطلب من السيد مسعود البارزاني تهريبي؟ وهو ما كان السيد البارزاني قد استهجنه ورد عليه بقوة قائلاً (هل يحسب نوري المالكي إقليم كردستان مجموعة من المهربين؟) لقد تحقق لنوري المالكي ما أراد ورغم ذلك لجأ إلى منظمة الإنتربول بعد أن أغضبها استقبال الدوحة لي بتاريخ 16 مارس 2012 بشكل رسمي ومقابلتي في اليوم التالي أمير دولة قطر في حينه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ونشر المقابلة في وسائل الإعلام تأكيدا بان وضعي القانوني وموقعي الوظيفي لم يتغيرا، إيمانا من دولة قطر ببراءتي ونظافة سيرتي من جميع التهم التي فبركها نوري المالكي، التقيت فيما بعد أيضاً بولي العهد في حينه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وكذلك بالشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء آنذاك وكانت لقاءات طيبة كالعادة تأكد لدي من خلالها أن دولة قطر كانت متفهمة لاستهدافي، شكرتهم على موقفهم ثم زرت بعد قطر المملكة العربية السعودية والتقيت بالأمراء ومن بينهم الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، ونشر خبر اللقاء في الإعلام.

لكن موقف التحدي جاء من تركيا حيث صرح الأخ رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء في رده على موقف الحكومة العراقية التي أرعدت وأزبدت حنقا وغضبا، أن تركيا سوف تفتح أبوابها لضيافتي للفترة التي أشاء وأنها ستدافع عني لثقتها ببراءتي منتقدة بمرارة نهج المالكي الطائفي من سنة العراق. ربما فوجئت حكومة المالكي بموقف تركيا وكانت تتوقع أنها اشترت موقفها ببضعة عقود، وحقيقة العراق وليست تركيا بحاجة إليها.

جن جنون المالكي، وحرك ماكينته الإعلامية الرديئة في النيل من دولة قطر ومن تركيا، وهدد بملاحقتي عن طريق منظمة الإنتربول وهذا هو ما فعله.

تجاهلت تركيا ودولة قطر النشرة الحمراء التي أصدرها الإنتربول لأسباب موضوعية وليقينها بان القضية مسيسة من ألفها إلى يائها وبالمناسبة النشرة لاتستدعي القبض بل تحديد التنقل بين الدول والإخبار عن المكان. وهذه ليست المرة الأولى بل سبق لهاتين الدولتين أن تحفظتا على ملاحقة الانتربول لشخصيات عربية معارضة، دولتان أصبحتا بحق ملاذا للمظلومين.

لم أتقدم بطلب زيارة أي دولة أخرى، ولم أكن بحاجة لذلك، وجاءت زيارتي لبروكسل بتاريخ 17 تشرين ثاني 2013 استثناءً حيث وجهت لي دعوة من لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي، لبيت الدعوة، قابلت وحاورت وألقيت محاضرات.. أنجزت المهمة وغادرت بروكسيل ولم أكن اعلم في حينها أن الإنتربول كان ألغى النشرة الحمراء قبل أيام. وأبلغت بذلك فيما بعد لكني لم احصل على الوثيقة الرسمية إلا مؤخرا عندما اطلعت بنفسي على محضر اجتماع السكرتارية العامة للمنظمة والتي قررت إلغاء النشرة الحمراء في اجتماعها يوم 8 أكتوبر 2013 للأسباب التي وردت أنفا.

إضافة لجهود المحامين فإن دولة شقيقة وفت بما وعدت به، وبذلت ما في استطاعتها لإثبات أن قضية الهاشمي (سياسية بامتياز) وبالتالي لا ينبغي أن تكون المنظمة طرفا فيها طبقا لدستورها. نجحت المساعي بحمد الله، فلها ولكل من أسهم في هذا النجاح شكري وخالص دعائي.

قرار الإنتربول بإلغاء النشرة الحمراء سابقة محمودة آمل انها ستدفع المنظمة إلى إعادة النظر بقائمة الشخصيات التي طلبت الحكومة العراقية ملاحقتها لأسباب مختلفة وستكتشف المنظمة أن هناك الكثير من القضايا التي لا تختلف كثيرا عن قضيتي حيث يقتضي العدل مراجعتها. أصبحت الآن أتمتع بهامش لا حدود له في التحرك على الصعيد العالمي وهو ما سأوظفه بإذن الله تعالى من أجل نقل معاناة أبناء شعبي للعالم اجمع من المسلوبين حقهم في الحريات العامة والخاصة، الراقدين خلف القضبان وهم أبرياء كانوا أخذوا بالشبهة، المهمشين والجياع والمشردين والمحرومين من ثروات بلدهم.. سأكون لهم المنبر والصوت والموقف.. حتى يبرأ بلدي مما أصابه من ضر ونؤسس بتوفيق الله لدولة القانون والمؤسسات والعدل.

هذه صفحة من صفحات الصراع بين الحق والباطل، بين الظلم والعدل، انتصر فيها الحق والعدل، ولابد أن هذه الحادثة ستثير انتباه المعنيين بالعدالة وحقوق الإنسان في العالم اجمع وتلفت أنظارهم إلى الوضع الحقوقي والإنساني الذي تراجع بشكل حاد منذ أن ابتلي العراق برئيس حكومة لا يحترم قانونا ولا دستورا ولا عرفا ولا تقليداً بل جعل الشيطان له قرينا فساء قرينا.

في سجون المالكي اليوم السرية والعلنية الآلاف من الأبرياء من العرب السنة اخذوا بالشبهة وحرموا من حقهم بالحرية ومضى على الكثيرين منهم سنوات دون إذن بالقبض، ودون تحقيق أو محاكمة، أما الناشطين منهم فإن المادة 4 إرهاب لهم بالمرصاد، ولدى الحكومة الظالمة مشروع كامل للظلم ابتداء من المخبر السري، إلى انتزاع الاعترافات الكاذبة بالإكراه، إلى شهود الزور، إلى الجرائم المقيدة ضد مجهول، إلى القضاة الفاسدين، إلى إصدار أحكام الإعدام إلى تنفيذها... من لهؤلاء المظلومين بعد الله سبحانه وتعالى غير ناشطين شجعان من شرفاء العالم يتصدون معنا لهذا الظلم ويعينونا في إقامة دولة المؤسسات والعدل.

لقد كانت مفارقة تدعو للاستغراب أن يرد الظالم نوري المالكي بالرفض على طلب الأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارته الأخيرة لبغداد بإيقاف تنفيذ أحكام الإعدام بعد أن ثبت للامين العام من خلال المنظمات المتخصصة بحقوق الإنسان أن حكومة نوري المالكي بذريعة الاتهام الباطل بالإرهاب إنما تسوغ لقتل شباب العرب السنة في إطار حملة التطهير المذهبي التي لم تتوقف منذ 2005، لكن ماذا بعد؟ فهل ستتحرك المنظمة الدولية وتدافع عن القيم التي انبثقت من اجلها منظمة الأمم المتحدة أم ستغض النظر عن انتهاكات حكومة نوري المالكي وتكتفي بإصدار بيانات لاتغني ولاتسمن من جوع؟ لننتظر ونرى.

لقد هيمن نوري المالكي على القضاء بالتواطؤ مع رئيسه مدحت المحمود وفقد استقلاليته وحياده، ولهذا لابد أن يعوض القضاء الدولي ما فقده المواطن العراقي من مؤسسات عدلية حرفية كان يلجا اليها وهو مطمئن أن حقه لن يضيع.

هذه قضيتي مع الإنتربول عززت إيماني بنصر الله سبحانه للصابرين ولو بعد حين.

بسم الله الرحمن الرحيم (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) الآية 39 - الشورى

مساحة إعلانية