رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، انصرف معظم التركيز في علاقة المجتمع الدولي بإيران على القضايا المرتبطة ببرنامج هذه الأخيرة النووي، وما إذا كانت استخداماته مدنية أم عسكرية. ورغم أن بعض الأطراف الإقليمية، خاصة منها دول الخليج العربية، كانت تشكو باستمرار من وجود مشاكل أخرى مع إيران مثل تدخلاتها في الشؤون الداخلية لهذه الدول ومحاولة زعزعة الاستقرار في بعضها، إلا أن الموضوع النووي ظل مع ذلك المحدد الأساسي في علاقة إيران بدول المنطقة والعالم.
الآن ومع ظهور مؤشرات قوية على قرب التوصل إلى اتفاق بين القوى الكبرى (5+1) وايران لحل أزمة الملف النووي، قد يتضح للجميع أن وضع هذا الملف في صدارة الاهتمام الإقليمي والدولي لأكثر من عشر سنوات لم يكن في الأصل إلا ذرا للرماد في العيون، وانه ومنذ الكشف عن وجود هذه البرنامج أواخر العام 2003، جرى التركيز على الوسيلة على حساب الغاية، وهي تحول إيران إلى قوة إقليمية مهيمنة في عموم منطقة الخليج والشرق الأوسط.
تعد إيران - إلى جانب الصين وروسيا - أكثر المستفيدين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة، إذ قامت واشنطن على أثرها بإزالة اثنين من ألد خصوم إيران الإقليميين، في الشرق حيث أطاحت إدارة بوش الابن بحكم طالبان، وفي الغرب قامت بغزو العراق وتحطيم آلته العسكرية، التي طالما شكلت التهديد الأمني الإقليمي الأبرز لإيران منذ ما قبل سقوط حكم الشاه عام 1979.
خلال العقد التالي انصرفت إيران بدأب لبناء مقومات قوة إقليمية مهيمنة مستفيدة من الارتفاع الكبير في أسعار النفط ومن بيئة جيوبولتيكية تغيرت لصالحها بشدة بفعل التدخل العسكري الأمريكي المباشر، فتحول العراق تدريجيا من خصم إلى منطقة نفوذ مع وصول حلفاء طهران من الأحزاب والتيارات السياسية و الدينية إلى السلطة وسيطرتها على مقدرات الدولة العراقية. بالمثل استفادت ايران من ظروف العزلة الإقليمية والدولية التي فرضت على النظام السوري عقب اتهامه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، لزيادة تأثيرها و نفوذها في دمشق بتحولها إلى داعم رئيس لنظام بشار الأسد. كما استغلت إيران العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وعلى غزة مطلع العام 2009 لتجعل من نفسها قائدا لمحور المقاومة في المنطقة، و لاعباً لا غنى عنه في ميزان الصراع العربي-الإسرائيلي.
مع مجيء إدارة أوباما إلى الحكم كانت طهران تعد نفسها للحصاد الأكبر – أي ربط مناطق النفوذ التي بنتها بجد خلال العقد الماضي في المنطقة الممتدة من هيرات غرب أفغانستان، حيث تقطن قبائل شيعية قريبة الى ايران، و حتى ساحل المتوسط في بيروت و غزة، مرورا ببغداد و دمشق.
جاء أوباما على خلفية أزمة اقتصادية و مالية طاحنة، كان لا بد من احتواء تداعياتها من خلال لملمة القوة الأمريكية المبعثرة في أرجاء العالم الإسلامي، والتي شكلت النزف الاقتصادي و المالي الاكبر في جسد العملاق الأمريكي. تضرعت طهران أملا بفوز أوباما الذي كان وعد بسحب القوات الأمريكية من العراق بنهاية عام 2011، و من أفغانستان بحلول منتصف عام 2014. شكلت هذه الوعود طلائع الانكفاء الأمريكي في المنطقة، و كانت إيران تتحرق شوقاً لملأ الفراغ. لكن الربيع العربي حل مبكرا مطلع العام 2011 و لما يكن الأمريكيون قد انهوا انسحابهم بعد، ولم تكن إيران قد انتهت بعد من تنفيذ مشروعها، فانقلبت حساباتها رأسا على عقب. صحيح أن الربيع ضرب خصوم إيران (نظام مبارك و القذافي مثلا) لكنه ضرب حلفاءها أيضا (في سورية و انتقلت بعض آثاره إلى العراق).
وهكذا وفي الوقت الذي كانت تنسحب فيه القوات الأمريكية من العراق، و تتسلم إيران مواقعها، بالمعنى السياسي، كانت قواعد النفوذ الإيراني في سوريا تتآكل و تنهار. و ما كان بدا و كأنه لحظة إعلان قيام الامبراطورية، تحول إلى كابوس يمكن أن تضيع بسببه استثمارات عقد من التخطيط والتفكير والعمل. وبالتوازي مع ترنح النفوذ الإيراني في سورية، وانفلات الوضع الأمني في العراق الذي يحكمه حلفاء طهران، بدأت العقوبات الاقتصادية الأشد التي تفرض في التاريخ على أي دولة، تشل الاقتصاد الإيراني. هنا فقط بدأ الملف النووي - الذي برز كوسيلة لجعل إيران دولة إقليمية مهيمنة - يتحول إلى عبء يمكن أن يهدد ليس فقط مشروع إيران الإقليمي، بل نظام ولاية الفقيه نفسه.
وفي هذه اللحظة التي بلغت فيها الضغوط الاقتصادية و السياسية مداها، حصل التحول في تفكير مرشد الثورة و النخبة الحاكمة المحيطة به، فكان قرار التخلص من رموز التيار القومي المتشدد الذي مثله احمدي نجاد و تياره الشوفيني والمجيء برئيس "واقعي" لإنقاذ ليس المشروع فقط بل النظام نفسه، أما الثمن فهو التخلي عن الأداة التي تحولت من مصدر قوة إلى نقطة ضعف قاتلة، البرنامج النووي.
خلال الجولة القادمة من المفاوضات يتوقع أن تعلن إيران تخليها عن معظم خططها النووية، ووضع منشآتها تحت الرقابة الدولية، والاكتفاء بجائرة رمزية تحفظ بها ماء الوجه، وهو استمرار التخصيب بنسبة 3.5 (ثلاثة و نصف) بالمائة التي تحتاجها لأغراض طبية، كل ذلك سيكون في مقابل رفع العقوبات وتطبيع العلاقات مع واشنطن و اعتراف بنظامها وربما ببعض نفوذ لها في المنطقة.
بالنسبة لدول الخليج العربية، لن يغير تخلي طهران عن برنامجها النووي الكثير، فهذا البرنامج أعد أصلا ليتم التفاوض عليه وتلقي ثمن التخلي عنه بعد استنزاف الغرض منه ".
من المهم ان يبدأ الحديث ومن الآن عن الحد من إنتاج واستخدام الأسلحة التقليدية التي تشكل الخطر الأكبر على المنطقة، وما يجب ان يقلق دول الخليج فعلا هو أن تتمكن إيران من تطبيع علاقاتها مع الغرب ورفع العقوبات الاقتصادية في حين تستمر فيه في تعظيم قدراتها العسكرية التقليدية. أن تغيرا حقيقا في علاقة إيران بالمنطقة لن ينتج عن تخلي ايران عن برنامجها النووي، بل سيكون فقط عندما تقبل ايران ان تكون دولة طبيعية في المنطقة، و ان تتوقف عن التطلع إلى ماوراء حدودها للعب دور مهيمن على حساب الجيران و محاولة التدخل في شؤونهم و فرض رؤيتها عليهم. فقط التغيير في الرؤية و السياسة هو ما يسمح بالتقارب و ليس التخلي عن أدوات للهيمنة و استبدالها بأخرى.
الدوحة مركز عالمي لدعم جهود مكافحة الفساد
جاءت استضافة الدوحة لأعمال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في دورته الحادية عشرة، بحضور... اقرأ المزيد
96
| 16 ديسمبر 2025
القوة الناعمة للصين.. التطور والتحديات
مع بداية الصحوة القوية لما يسمى (الصعود الصيني) في أوائل الألفينات، بدأت الصين في إيلاء مزيد من الاهتمام... اقرأ المزيد
183
| 16 ديسمبر 2025
الفجوة الصامتة بين التعليم والمستقبل
لا يزال التعليم في كثير من مدارسنا وجامعاتنا قائمًا على نموذج قديم، جوهره الحفظ واسترجاع المعلومة، لا فهمها... اقرأ المزيد
342
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1245
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
804
| 10 ديسمبر 2025