رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

1266

د. فاتن الدوسري

تحديات المشهد السوري بعد الأسد

20 ديسمبر 2024 , 02:00ص

تواجه الدول التي تشهد مراحل انتقالية ناجمة عن تغير جذري في نظم الحكم الكثير من التحديات الصعبة التي قد تدوم في بعض التجارب حتى التخلص منها عقودا، ولنا في ليبيا عبرة التي بالكاد تسير على خطى استقرار هش بعد مخاض طويل من العنف وتدخلات دولية جماعية للاستقرار والمصالحة وإعادة البناء.

 والحالة السورية قطعاً لن تكون استثناء عن مثيلتها من تجارب الانتقال السياسي، بل يمكن القول دون أدنى تهويل إن الحالة السورية تتوازى في حجم التحديات المعقدة مع أصعب تجارب الانتقال السياسي خاصة في أفريقيا، وربما تفوق. وذلك من حيث اقتصاد مدمر بالكلية، وبنية تحتية عبارة عن ركام، غياب تام لمؤسسات خاصة الصلبة، إرث من الصراعات والعداءات الطائفية، أكثر من 20 مليون نازح خارجي، والأخطر من كل ذلك جهات خارجية عديدة متغلغلة في سوريا طامعة في اقتطاع مساحات أوسع من النفوذ.

 هيئة تحرير الشام بقيادة «أحمد الشرع» أو الجولانى هي من تتحكم في زمام الأمور في سوريا حاليا وسط توافق دولي على شرعيتها. وسرعان ما شكلت الهيئة حكومة انتقالية وسط تعهدات بأولوية إعادة الإعمار وحماية الأقليات وعودة اللاجئين السوريين ونزع سلاح الفصائل.

 ونظن أن الهيئة بقيادة الجولانى-الذى تحول فكرياً بنسبة 360 درجة- لديها نوايا طيبة في تنفيذ الوعود التي قطعتها على نفسها وتأسيس نظام ديمقراطي تعددي يمثل جميع الأطياف السورية. لكن تلك النوايا الحسنة تواجه بكم من التحديات الأساسية، لعل من أهمها هل ستعمل الهيئة على تأسيس حكومة إسلامية متشددة يعكس التوجه العام لجميع الفصائل المسلحة المنضمة لتحالف الجولانى، أم معتدلة تلامس واقع المشهد السياسي والاجتماعي لسوريا. والتحدي الثاني الأخطر، هل ستتمكن الهيئة بالفعل من نزع سلاح الفصائل وضمهم في جيش وطني.

 والحقيقة من واقع تجارب هيمنة الفصائل المتشددة على الحكم من الصعب مواجهة هذه التحديات، بل في الأغلب الأعم سرعان ما تتناحر هذه الفصائل في صراعات دموية لا تنتهى. والحالة السورية على وجه الخصوص التي تتشكل من قوميات عديدة بعضها يتمتع بقوة مسلحة ودعم خارجي كالأكراد، تحتاج إرساء سريع مدعوم بقوة خارجياً لقوانين ومؤسسات رادعة لنشر السلاح والتمرد خارج مؤسسات الدولة.

 تحتاج سوريا وفقا للتقديرات الدولية قرابة الـ 400 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولية، والسرعة في ضخ هذه الأموال الباهظة ضروري لإرساء حالة الاستقرار وعودة اللاجئين، وبث روح الأمل في سوريا جديدة ما بعد الأسد. بيد أن توفير حتى ربع هذه المبلغ يكاد يكون شبه مستحيل، بل إن حتى بعض المانحين الخارجيين سيكون دعمهم لسوريا مشروطا بأطماع وصفقات سرية متضاربة.

في أغلب تجارب الانتقال السياسي، كان للعامل الخارجي دور رئيسي في سرعة هذا الانتقال وضمان استقراره، والعكس صحيح فالعامل الخارجي كان مفسداً في كثير من التجارب الأخرى. فالدور الأمريكي «البناء» كان عاملاً رئيسيا في تجارب الانتقال السياسي والديمقراطي في شرق أوروبا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وعلى نحو مماثل الدور الفرنسي في بعض تجارب الانتقال الديمقراطي في أفريقيا.

ومن المفترض في الحالة السورية شديدة التعقيد، أن العامل الخارجي سيلعب دوراً رئيسياً في التغلب على تلك التعقيدات والتحديات بما في ذلك التحديات المالية. بيد أن جميع معطيات وملابسات الوضع الخارجي لسوريا منذ اندلاع الثورة في 2011 حتى الإطاحة ببشار الأسد؛ لا تشير لدور خارجي «بناء» مرتقب في سوريا. بل تشير بجلاء إلى أدوار خارجية مفسدة.

 تعد الولايات المتحدة-وتلك حقيقة لا يمكن دحضها- المحرك الرئيسي للأحداث على الأقل في المنطقة. فالقوى الغربية برمتها تتحرك خلف واشنطن. ودور قوى لواشنطن في سوريا يعنى حشد الدعم الدولي لسوريا الجديدة ماليا ودبلوماسيا، وردع تدخلات الأدوار الخارجية المفسدة.

 والحقيقة أنه قد تبدى منذ اندلاع الثورة السورية وذلك على خلفية الانغماس التام في آسيا، أن واشنطن لا تعنيها سوريا تماما عدا محاربة داعش ومساعدة إسرائيل في القضاء على النفوذ الإيراني. وسوريا الجديدة في ضوء ولاية ترامب ستتداعى تماما من جدول الأولويات الأمريكية. بل ستتحول إلى داعم للقوى الخارجية المفسدة وعلى رأسها إسرائيل التي لم تتوانى عن تنفيذ مخططها الجديد في سوريا بالتوغل التام في الجولان كمقدمة لتأسيس منطقة عازلة حتى أطراف دمشق.

 وفى ضوء المخاوف الكبيرة المفهومة لبعض أقليات سوريا من حكم سنى متشدد؛ سيكون المجال متاحا لمعظم القوى الخارجية الدولية والإقليمية لتقطيع أواصر سوريا إلى دويلات نفوذ.

مساحة إعلانية