رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. عبدالله العمادي

د. عـبــدالله العـمـادي

 

مساحة إعلانية

مقالات

261

د. عبدالله العمادي

اتق الله..

21 أغسطس 2025 , 03:48ص

ماذا لو أن شخصاً، صديقاً كان أم أبعد في العلاقة من الصداقة والزمالة، جاء ناصحاً لك ومشفقاً أميناً في نصحه وقال: اتق الله؟ كيف هو رد فعلك الفوري؟ في العادة، إن كنتَ صاحب سريرة ونية طيبة، ستعتبر ذلك نصحاً منه لوجه الله، لا يريد منك جزاءً ولا شكورا.. لكن هل كل الناس مثلك، أو من نفس طينتك، كما تقول العامة؟ 

 بالطبع لا.. لأن الناس أمزجة وأذواق وعقليات متنوعة، وبالتالي إن كنت أنت من النوعية التي تتقبل النصيحة، مهما كانت شكلها ومعانيها وشدتها وثقلها، فهناك نوعية أخرى تختلف عنك، تكون بواطنها مليئة بالشكوك والتوترتات والقلق، وليس من السهل عندهم تمرير نصيحة أحد هكذا بالسهولة التي تعاملت أنت معها.

 تجده لا يقبل النصح غالباً، حتى وإن كان مقتنعاً تمام القناعة أن من ينصحه لا يبتغي منه جميلاً، ولا يقصد إهانته، أو إحراجه، أو أي شيء من ذلكم القبيل. لكن هكذا هي نفسيته ومزاجه. وليته يكره النصيحة ويمضى في حال سبيله لهان الأمر، لكنه يزيد الأمر سوءاً بالنقاش الذي قد يتطور عنده ليكون حاداً مريباً، ويبدأ النقاش ينعطف نحو تطورات تكون غالباً غير محمودة العواقب ! مثل هذا يقول عنه القرآن في مواقف النصيحة والموعظة (أخذته العـزةُ بالإثم). 

 لا يدرك مثل هذا أن الذي نصحه أو قدم له النصح في موقف ما، إنما غايته تذكيره بخشية الله والحياء منه والتحرج من غضبه - كما جاء في ظلال القرآن - حيث أنكر أن يُقال له هذا القول؛ واستكبر أن يوجّه إلى التقوى؛ وتعاظمَ أن يُؤخذ عليه خطأ، وأن يُوجّه إلى صواب، وأخذته العزةُ لا بالحق ولا بالعدل ولا بالخير، ولكن بالإثم، فاستعـز بالإجرام والذنب والخطيئة، ورفع رأسه في وجه الحق الذي يُذكّر به، وأمام الله بلا حياء منه؛ وهو الذي كان يشهد الله على ما في قلبه؛ ويتظاهر بالخير والبر والإخلاص والتجرد والاستحياء «. نفوس خبيثة قميئة في باطنها، وإن بدا عليها الجمال والحُسن وحب الخير في ظاهرها. 

نفوسٌ تستوجب منك حذراً متواصلا.

الناصح الحذر 

 اليوم ترى كثيرين من هذا الصنف حولك في بيئة العمل أو خارجه أو حتى بيئتك الاجتماعية القريبة كالبيئة العائلية، حتى صار المرء منا دقيقاً حذراً في مسألة إسداء النصح، أو إن شئت أكثر وضوحاً، في مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى صار أحدنا إن أقدم اليوم على النصيحة، يكون حذراً محتاطاً للمسألة، دقيقاً في ألفاظه ومصطلحاته، لئلا تُفهم بصورة غير مرغوبة ولا مقصودة بالأساس، وعلى وجه أخص عبارات أو كلمات قد توحي لمن تُوجّه إليه تلكم الكلمات، أنها تقليل من شأنه، ومحاولة لإحراجه أو نوعاً من الشماتة فيه، كقولك له (اتق الله) أو (خاف الله) كأبرز العبارات التي تُقال في المجالس والمنتديات العامة، حيث يعتقد كثير من المنصوحين أن من يستخدم تلك العبارات آنفة الذكر، إنما يريد إظهارهم أمام الآخرين بقلة العلم الشرعي، أو ضعف إيمان أو غيرها من توهمات وتصورات لا أساس لها. 

 من هنا يمكن القول بأنه مثلما نطالب الناصح دوماً اختيار ألفاظ ومصطلحات وتوقيتات مناسبة للنصح، أو الأمر بمعروف أو نهي عن منكر، فإنه كذلك مطلوب من المنصوح عدم إساءة الفهم فور تلقيه نصيحة ما، وعدم الارتياب من الموقف، أو إساءة الظن في الناصح، وإنما عليه ضبط النفس قدر المستطاع أولاً، ومن ثم محاولة الاستزادة في توضيح ما يمكن أن يكون قد اختلط عليه، أو استشكل عليه، قبل أن يرتاب أو يسيء الفهم، ويزيد المسألة تعقيداً وهي في الأساس سهلة يسيرة، وما حدثت ووقعت إلا لمنفعته ومصلحته هو قبل غيره.

إهداء العـيوب 

 ليكن شعارنا إذن، ونحن في سياق الحديث عن آداب النصيحة، قول الفاروق عمر حين كان يردد:» رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي». وقد يقول أحدكم: وأين نحن من الفاروق عمر؟ نعم، هو تساؤل معقول. فأين نحن من عمر رضي الله عنه؟ لكن مع ذلك، هو وبقية الصحابة، قدوة حسنة للأمة إلى يوم الدين، ومن قبلهم بالطبع، رسولنا الحبيب، عليه الصلاة والسلام. فلا نتعذر بمسألة المقامات، فإنما أولئك العظام من البشر هم قدوات صالحات لنا، نتعلم منهم ونقتدي بهم. 

إن شخصاً في مقام أمير المؤمنين حين يسأل أصحابه عن عيوبه، هو أمر نادر الحدوث قديماً وحديثاً. لاحظ هاهنا تواضع الفاروق، وهو رئيس دولة عظمى حينها، وأحد العشر المبشرين بالجنة، والوزير الثاني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك كان دوم البحث عمن ينصحه ويبين له عيوبه إن كانت له أو ظهرت منه دون أن يدركها، حتى سأل ودعا بالرحمة لمن يقوم بنصحه، واستخدم كلمة لطيفة عميقة هي (أهدى) كما لو أنه يريد القول بأن من ينصحه فكأنما يقدم له هدية..

وهكذا في ختام هذا الحديث، أدعو نفسي وإياكم لبذل ما نستطيع إليه سبيلاً من جهد، للاقتداء برسولنا الحبيب، عليه الصلاة والسلام أولاً، ومن ثم سلفنا الصالح الراشد، رضي الله عنهم وأرضاهم.

اقرأ المزيد

alsharq 29 عاماً من الصدارة

احتفلت شبكة قنوات الجزيرة والتي تُبث من قطر في الأول من نوفمبر الجاري بمرور ذكرى 29 سنة على... اقرأ المزيد

129

| 03 نوفمبر 2025

alsharq التبصير الطبي.. ميثاق ثقة لا ورقة موقعة

عندما يُجري المريض جراحة طبية، يُثار التساؤل حول من يقع عليه الالتزام بتبصير المريض: هل يلتزم بذلك الطبيب... اقرأ المزيد

141

| 03 نوفمبر 2025

alsharq معنى أن تكون شاعراً!

كل شاعر، مهما بدا هادئًا أو مطمئنًا في موقعه، يحمل في داخله جناحين قلقين، لا يطيقان البقاء طويلًا... اقرأ المزيد

168

| 03 نوفمبر 2025

مساحة إعلانية