رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

صالحة أحمد

مساحة إعلانية

مقالات

129

صالحة أحمد

سيظل صوتي وإن غابت صورتي

21 أكتوبر 2025 , 01:39ص

حين تفر مني الكلمات، وتغيب عني المعاني، التي أحتاجها؛ كي يُمارس قلمي أبسط حقوقه بين هذه السطور؛ لتبدو ومن بعد (رحلة البحث) غير مُجدية وإن كانت جدية فعلا، فلا شك أن ما يدور من حولي ليس بالهين بتاتا، وكيف يكون كذلك وما يُفرَض علينا من أحداث يَفرِض علينا حالة من الخرس المؤقت؟! ربما لصعوبة ما نمر به، أو لبشاعته، أو لأي سبب يهضم حقوقنا ويجبرنا على ابتلاعه (وإن كان ذلك على مضض)، والحق أن كل ذلك لا يمكنه نسف الأحداث التي تبث من المشاعر ما يجعلنا نفرح وإن كان ذلك للحظات يحكمها الخجل، الذي لا يملك حق التحكم بها بشكل قاطع، والدليل أننا نشعر بوجودها، وتحديدا حين تصلنا (تركة) من ترك هذه الدنيا، ولم يبخل بترك ما يكفي من الأعمال المُشرفة، التي تؤكد رحيله، وفي المقابل تؤكد على ضرورة متابعة عمله، الذي سعى من خلاله إلى نقل صورة ما يحدث فعلا بصوته الخالد. 

الحقيقة التي يُنادي بها كل حر

الحياة كدائرة تُجبرنا على تغيير أدوارنا، فمن كان بالأمس يقوم بدور المُرسل سيصبح اليوم هو المُتلقي، ومن كان يُحرر الخبر سيصبح اليوم هو الخبر ذاته، وبين ما كنا وما سنكون عليه تظل الرسالة المُشرفة هي ضالة البوصلة، وهي الحقيقة التي يُنادي بها (الحُر) فقط، فعن أي حر أتحدث؟ 

   أتحدث عن كل حُر يُطالب بحقه ممن سلبه حقه دون أي وجه حق، ويصرخ عاليا؛ كي يصل صوته للعالم، على أمل أن يجد من يسمعه، يُسانده، ويُسند إليه مهمة إنقاذه، والحق أن صوت ذاك الحُر سيظل طليقا وإن لم يُطلق سراح صاحبه؛ لأنه وبكل بساطة صاحب حق لا يُطالب إلا بما هو له من الأصل، ونسأل الله له الفوز بمطلبه (اللهم آمين). وعن هذا الأخير فإليكم ما هو لكم أصلا: منذ أيام تلقينا خبر استشهاد الصحفي صالح الجعفراوي، الذي عمل على تغطية القصف والمجازر التي خلفها الكيان الغاصب في (غزة العزة)، ونقل الصورة الحقيقية إلى العالم كله؛ ليرى بشاعة ما يُرتكب بحق شعبها، وهو ما تَطَلب تواجده على أرض الحدث دون أن يردعه الخوف أو يُقيده التردد، وكل ذلك تلبية لأصول المهنة ومن قبلها حب الوطن، والحق أنه قد نجح في ذلك عن طريق استخدام حسابه على (إنستغرام)؛ لنشر كل ما تلتقطه كاميرته من قتل ودمار. وأخيرا: لقد أبدى ذاك الشاب شجاعة كبيرة في نقل الحدث تماما كما كان يحدث؛ متجاوزا كل التهديدات التي تعرض لها، ومُتمسكا بهدفه الذي خرج في أثره، فإما الشهادة وإما الشهادة في سبيل الله وفي سبيل تحرير تلك الأرض. 

في القلب غصة

لن أنكر كمّ الحزن الذي تملكني لمجرد سماع خبر استشهاد الجعفراوي كما هو الحال مع أبناء جلدته ممن تعلم معنى الصمود رغم كمّ الجلد الذي يتعرض له، ولكن ما ضاعف حجم الحزن مؤخرا هو غياب صورة صاحب ناقل الصورة، الذي وإن رحل فسيظل صوته عالقا في ذاكرة الزمن على أمل أن يتولى مهمة الإمساك برايته من يدرك عِظم هذه المهمة، التي تُغرس في النفوس من لحظة الولادة. رحل ذاك الصحفي الباسل مُخلفا العديد من المقاطع، التي تُصر على تذكيرنا به حتى هذه اللحظة، ومنها ما يمسح على رأس كل موجوع، ويربت على ظهر كل مهموم، ويأخذ بيد كل من تخلت عنه الدنيا، وكأنه يقول لنا من خلال تلك المقاطع (سيظل صوتي وإن غابت صورتي).

ثم ماذا؟

إن التفكير برحلة هذا الصحفي، وكيف تحدى كل الظروف في سبيل توثيق كل ما كان يحدث على أرضه حتى لحظاته الأخيرة، يُجبرنا على مراجعة حساباتنا؛ للتأكد من أهدافنا التي نسعى إلى تحقيقها، ومن كيفية الاستفادة منها؛ ليعم خيرها على أكبر قدر ممكن من الأفراد، ولا عيب في ذلك بتاتا، ولكن العيب كل العيب في التفكير بالمصالح الشخصية على حساب غيرنا في زمن نحتاج فيه إلى مساحات شاسعة من العطاء، وعليه راجع حساباتك، وفَكِّر ملياً بما هو لك وما هو عليك.

مساحة إعلانية