رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. بثينة محمد الجناحي

مساحة إعلانية

مقالات

0

د. بثينة محمد الجناحي

صناعة الفارق!

21 أكتوبر 2025 , 02:33ص

أتذكر التعريف الذي يبرز النخبة عن بقية الفئات، بأنها السلعة ذات النوعية الممتازة، وأقف عندها مرات عديدة كي أستيقن ان كان التميز في السلعة أو من هو وراء صناعة هذه السلعة. لربما مسألة النخبة وبحكم أبعادها الثقافية والفكرية والبيروقراطية، قد تكون أكثر عمومية في الوصف في هذه الحال، ولكن إن نظرنا أكثر في سمة التميز فلربما سنجد أن وراء جودة السلع أو الصورة والمشهد الراسخ تكمن الصناعة بشرية، خاصة عندما تتجرد من الاعتياد في بناء الأمور وتخطي الروتين في رسم تصور يتشابه مع صور كثيرة وموجودة.

في المقدمة أعلاه وبين الأسطر، لربما نستطيع أن نستيقن سمة الابداع، عندما يستفرد المرء في الشيء، ويصنع منه صورة غير اعتيادية، راسخة في الذاكرة ومحركة لوسائل التعبير. هذا المنظور الذي ترغب أولاً أن تطوره في مرحلة صناعة الابداع، التجرد في الفكرة وبنائها بحسب نظرة فردية تجسد الفن من تعابير خالصة، وترسم التفاصيل بخطوط غير عادية. بل وتصنع الفارق في المبادرات، من خلال صوت جديد يخرج من وسط عمل فني أو مشهد درامي مؤثر او حتى مشروع تكاملي يجسد فكرة شكلت الفارق في مستوى التمثيل، فالمسألة في النهاية لا ترى بالشكل، إنما ينظر لها من خلال تفاصيلها العميقة التي تجسد المعنى المغاير. فكل الصناعات الثقافية باختلاف سبل التعبير عنها واسقاطها فنياً وثقافياً تقف عند مبدأ واحد: التجرد. فكلما أصبحت هناك فكرة ولدت من تراكمات حسية عميقة ومشاعر ترتبط برسائل محددة، سيكون لديك عمل يعبر بصوت ويؤثر على المدى البعيد.

الإشكالية في الصناعة الابداعية أنها لا تخرج من باب الاعتياد الثقافي، وليس لها وقفة للحد من التقليد. بل أصبح المجال أكثر استهلاكاُ من ولادته الخاصة في كينونته التي تخرج بهدوء إلى حين استيعابها كفكرة ورسالة حتى تنطلق بقوة. إذ إن المسألة تظل أيضاً وقتية بحكم ظهورها المتجرد والذي يتطلب هضما زمنيا لفكرة لا تحاكي اليوم، بل تعبر إما عن الأمس أو تتقدم معك لتحاكي واقعا لم يحدث للغد بعد. لذلك، فإن الصناعة الإبداعية تظل مسألة زمانكية، يحددها المكان وتعكس الزمان في آن واحد، تخلق الصورة وفي نفس الوقت تجعلك تقرأها من باب أعمق، فتقرأ التفاصيل وترتبط بأبسط المشاهد وتقف عن حقبة الزمان كي ترتبط حتى ولو كنت جيلا لم يتعايش مع نفس الحدث. وحتى على المستوى الحديث، فقراءاتك لمشروع جديد لا يعني تجردك من أطر ثقافية معينة، إنما قدرتك الإبداعية في بناء أبعاد ثقافية جديدة، تواكب أساليب التعبير المعاصرة، وتحاكي أجيالا لها تفضيلات مختلفة مقارنة بالصور والمشاريع التقليدية. فالانطلاقات لمشاريع متجددة، تتطلب عنصرا بشريا يبني تلك السلع ذات النوعية الممتازة والتي تواكب زمانكية المشهد.

فلنعد مرة أخرى لتعريف النخبة بأنهم السلعة ذات النوعية الممتازة، لربما قد ندرك وأخيرا أن الصناعة الإبداعية هي ولادة وتجسيد للنخب في هذه الحال باعتبارهم الناتج الذي يعمل على تشكيل السلع، فالهدف صقل الإمكانيات التي تصنع في النهاية التميز الفارق!.

مساحة إعلانية