رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

639

سعدية مفرح

حين يحتضن المرء طفولته!

22 سبتمبر 2025 , 02:38ص

ليستْ مجرد صورةٍ عابرةٍ تلك التي يُنتجها الذكاء الصناعي لتُظهر المرء وهو يعانق طفولته. للوهلة الأولى تبدو اللعبة بريئة، ظريفة، وربما مثيرة للعاطفة؛ لكن ما إن يطيل المرء النظر حتى تتكشف طبقات من الرعب المختبئ في هذه التقنية التي تُعيد تركيب الأرشيف الشخصي على نحو يتجاوز الحقيقة.

ما الذي يعنيه أن ترى نفسك جالساً إلى جانب طفلٍ كنتَه ذات يوم؟ أهو استدعاء للذاكرة أم اقتحامٌ لها؟ هل نحن أمام لحظة حنينٍ حميمة أم أمام تزويرٍ صامت للتاريخ الشخصي؟ الفارق بين تأمُّل صورةٍ قديمةٍ لك محفوظةٍ في صندوق العائلة، وبين رؤية صورةٍ أُقحِمت قسراً في سياقٍ جديد لم يحدث أبداً، هو الفارق ذاته بين شهادةٍ صادقةٍ وروايةٍ مُختلقة.

صنعت لي إحدى المتابعات صورةً من هذا النوع. رأيت فيها نفسي أحتضنُ ذاتي الصغيرة، فارتجفت. لم يكن الخوف من فرط الغرابة بقدر ما كان من فرط الحقيقة المزوَّرة. بدت الصورة كما لو أنّها التقطت فعلاً في زمنٍ بعيد، كأنها أرشيفٌ مهمل عُثر عليه فجأة، مع أني أعلم يقيناً أنني لم أكنها يوماً. لحظة الارتباك تلك كافية ليفتح المرءُ أبواباً واسعة من الأسئلة حول علاقتنا بالذاكرة وبالصور.

في الصور القديمة يبقى الأرشيف شاهداً صادقاً، حتى حين يفضح هشاشتنا ويكشف آثار الزمن على ملامحنا. أما في صور الذكاء الاصطناعي، فيُستدعى الأرشيف ليخضع لسيناريو جديد لا وجود له في السيرة. هنا لا نُستعاد ذواتنا بل نؤلّف نسخةً هجينة عنها، نصفها حلم ونصفها تزوير.

إنها محاولةٌ لخلق «مصالحةٍ بصرية» مع الذات الطفلة، لكنها مصالحةٌ مشبوهة. كأن المرءَ يحتاج إلى برهانٍ ملموس على أنه ما يزال يحتفظ بصلته بالطفولة، في حين أن هذه الصلة الحقيقية تعيش في القلب والذاكرة، تلمع بلا إنذار، لا في صورةٍ مصطنعة.

والمخيف أن هذه الصور قد تتحوّل بمرور الوقت إلى جزءٍ من أرشيفنا الفعلي، فيختلط الحقيقي بالوهمي، ويصبح تاريخُ المرء عرضةً للتلاعب الجمالي. فإذا ضاعَت الحدود بين ما كان حقاً وما كان مجرد تركيبٍ ذكي، فلن نعرف بعد سنواتٍ أيُّ الصور توثّق حياتنا حقّاً وأيها اختراع بارد.

ولا يتوقف الأمر عند الذاكرة الفردية فحسب، بل قد يتسع ليطال الذاكرة الجماعية أيضاً. تخيّلوا أن يُعاد تركيب صورٍ لأحداث كبرى، أو أن تُزرع في الأرشيف البصري لشعبٍ ما مشاهدُ لم تقع أصلاً. عندها لا تكون القضية مجرد لعبةٍ عاطفيةٍ شخصية، بل مشروعاً خطيراً لإعادة كتابة التاريخ على مقاس الخيال المصطنع.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار جاذبية هذه الصور الغامضة. تستفز فينا حلماً دفيناً باللقاء المستحيل؛ أن يلتقي المرء بنفسه قبل أن يبتلعه العمر، أن يضع ذراعيه حول طفولته ليحميها من قسوة ما سيأتي. وربما لهذا السبب لا نقدر على تجاهلها سريعاً، رغم شعورنا بالقلق منها. إنها تجمع بين الرغبة في الاطمئنان والرهبة من الاصطناع، بين الحنين إلى الأصل والفضول تجاه النسخة.

هكذا تتحول الصورة المولّدة بالذكاء الاصطناعي إلى اختبارٍ فلسفي لعلاقتنا بالذاكرة. هل نحتاج فعلاً أن نزور طفولتنا كي نتصالح مع حاضرنا؟ أم أن الأرشيف، بما فيه من فجواتٍ وندوبٍ ونقصان، أجمل حين يظلّ على حاله؛ صادقاً، هشّاً، وغير مكتمل؟

كأن الذكاء الاصطناعي حين يصنع لنا هذه الصور لا يُقدّم مجرد لعبةٍ بصرية، بل يضعنا أمام سؤالٍ وجودي ملحّ؛ هل نحن بحاجة إلى اختلاق صورةٍ لنشعر أننا ما زلنا نملك طفولتنا؟ أم أن الطفولة الحقيقية لا تُستعاد إلا بما تركته فينا من دهشةٍ وجرحٍ وحنين؟ 

ربما يكمن الجمال في أن تبقى تلك المسافة قائمة بيننا وبين صغارنا الذين كناهم يوماً، مسافة تجعل اللقاء مستحيلاً لكنه حاضرٌ أبداً في الذاكرة؛ لتبقى الطفولة حية لأنها ضاعت، لا لأنها استُعيدت في صورة مستعارة.

اقرأ المزيد

alsharq تأهيل ذوي الإعاقة مسؤولية مجتمع

لم يعد الحديث عن تأهيل ذوي الإعاقة مجرد شأن إنساني أو اجتماعي بحت، بل أصبح قضية تنموية شاملة... اقرأ المزيد

201

| 24 أكتوبر 2025

alsharq منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز بالتّجدّد وتظهر دائما من خلال المشاريع الجديدة العملاقة المعتمدة على... اقرأ المزيد

633

| 24 أكتوبر 2025

alsharq لا تنتظر الآخرين لتحقيق النجاح

في حياتنا اليومية، نجد أنفسنا غالبا ما نعتمد على الآخرين لتحقيق النجاح والسعادة. نعتمد على أصدقائنا وعائلتنا وزملائنا... اقرأ المزيد

90

| 24 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية