رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فاطمة العتوم

كاتبة قطرية - مستشار الصحة البيئية
falotoum@hotmail.com
@faalotoum

مساحة إعلانية

مقالات

387

فاطمة العتوم

سرطان النساء وعوامل بيئية صامتة

23 ديسمبر 2025 , 12:00ص

لم يعد ارتفاع معدلات السرطان بين الفتيات والنساء في قطر مجرد مؤشر صحي يمكن تجاوزه، بل أصبح ظاهرة تستدعي البحث الجاد والتفكير العميق. وبرغم ما تشهده الدولة من تطور طبي وتقدّم في خدمات الكشف والعلاج، تبقى الأسباب الحقيقية وراء هذا الارتفاع غير واضحة تمامًا، مما يعزز الشكوك حول دور عوامل بيئية صامتة لا نراها، لكنها تترك أثرًا متراكمًا على صحة النساء.

لقد تغيّر نمط الحياة في البيوت والمجتمع خلال السنوات الأخيرة بصورة سريعة. منازل مغلقة معظم العام، استخدام يومي كثيف للعطور والبخور ومواد العناية الشخصية، انتشار البلاستيك في أغلب أدوات الطعام والشراب، واعتماد متزايد على الأغذية المحضرة خارج المنزل وكذلك الوجبات الجاهزة. ومع ذلك، ما يزال التعرض للمواد الكيميائية والملوثات الدقيقة غير مدروس بشكل كافٍ في البيئة المحلية، رغم الدور المحتمل لهذه المواد في اضطرابات الغدد والسرطان بحسب الأدبيات العلمية العالمية.

ولا يمكن تجاهل جانب آخر بدأ يظهر بوضوح في حياة الفتيات والنساء، وهو سلامة الغذاء. فالكثير من الفتيات يشتركن في مراكز دايت تقدم وجبات جاهزة يوميًا دون وجود رقابة كافية على مكوّناتها، أو جودة المواد المستخدمة فيها، أو طرق تحضيرها وتخزينها. ومع غياب الفحص الدقيق، تصبح احتمالات التلوث الكيميائي أو سوء الجودة أو الاستخدام غير المنضبط للمواد المضافة أمرًا واردًا، ما يجعل الغذاء عاملًا بيئيًا لا يمكن استبعاده عند مناقشة أسباب المرض.

وفي السياق ذاته، تبرز الصالات الرياضية المغلقة كبيئة أخرى لا تحظى بالاهتمام المطلوب. فرغم الإقبال الكبير للفتيات على الاشتراك فيها، إلا أن العديد من هذه الصالات تعاني من سوء جودة الهواء الداخلي نتيجة ضعف التهوية والازدحام، بينما يُستخدم العطر الصناعي بكثافة لإخفاء الروائح بدلاً من معالجة المشكلة من أساسها. هذا يحدث غالبًا دون رقابة صحية بيئية منتظمة من الجهات المختصة، ما يجعل التعرض للملوثات الجوية في هذه الأماكن أحد العوامل التي يجب التوقف عندها.

وهنا تبرز الحاجة الملحّة إلى دراسة وطنية واسعة النطاق تعيد رسم الصورة الحقيقية لتأثير البيئة على صحة النساء في قطر. فبدون بيانات دقيقة ومسوحات منهجية، يبقى الحديث عن الأسباب مجرد تخمينات. هذه الدراسة لا بد أن تشمل قياس جودة الهواء الداخلي والخارجي، فحص المواد الكيميائية في مستحضرات التجميل والعطور، تقييم سلامة الغذاء بما في ذلك مراكز الدايت، وتحليل المواد البلاستيكية والملدنات المنتشرة في حياتنا اليومية، إضافة إلى دراسة أنماط السلوك الصحي والرياضي للفتيات والنساء.

ولأن الصحة البيئية ليست مسؤولية جهة واحدة، فإن التعاون بين الجهات الحكومية والبحثية يصبح حجر الأساس لأي جهد ناجح. فوزارة الصحة العامة تمتلك البيانات الوبائية وبعض بيانات الهواء، ووزارة البيئة والتغير المناخي مسؤولة عن قياس واستلام جميع بيانات الملوثات الهوائية عبر شبكة كبيرة من المحطات المرتبطة، ومؤسسة حمد الطبية تمتلك الخبرة السريرية، بينما توفر جامعة قطر ومؤسسة كيري والمختبرات الوطنية القدرة البحثية والفحص العلمي. إن جمع هذه الأطراف في مشروع بحثي واحد سيُنتج للمرة الأولى قاعدة بيانات وطنية دقيقة تربط بين التعرض البيئي والنتائج الصحية، وتسمح بوضع سياسات وقاية مبنية على الأدلة لا على التوقعات.

فهناك أسئلة تحتاج إلى علم يجيب عنها:

هل تُسهم الملوثات غير المرئية داخل البيوت في زيادة خطر الإصابة؟

هل للغذاء غير المراقَب دور في تغيير الهرمونات أو تعزيز الالتهابات؟

هل الصالات الرياضية المغلقة بيئة صحية بالفعل أم مصدر جديد للتعرض للملوثات؟

وما حجم تأثير المواد الكيميائية في مستحضرات التجميل والبلاستيك والعطور على صحة المرأة؟

إن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست رفاهية، بل ضرورة لحماية صحة بنات قطر ونسائها. فالعوامل البيئية الصامتة قد لا تُرى، لكنها تترك أثرًا لا يمكن تجاهله. وحان الوقت لتحويلها من مخاطر خفية إلى معرفة علمية واضحة تقود إلى سياسات وقاية حقيقية تحفظ صحة المرأة اليوم… وغدًا.

مساحة إعلانية