رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فاطمة العتوم

كاتبة قطرية - مستشار الصحة البيئية
falotoum@hotmail.com
@faalotoum

مساحة إعلانية

مقالات

159

فاطمة العتوم

معجم الدوحة التاريخي للغة العربية: ذاكرة أمة برؤية قائد

26 ديسمبر 2025 , 12:02ص

يأتي اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية ليجسد رؤية قيادية تؤمن بأن الاستثمار في الثقافة والمعرفة لا يقل أهمية عن الاستثمار في الاقتصاد والتنمية، وهي رؤية يقودها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، الذي أضفى على هذا المشروع بعداً يتجاوز الإطار اللغوي إلى أفق حضاري وإنساني أشمل. فقد شكّل دعم سموه لهذا المعجم دلالة واضحة على إيمانه العميق بدور اللغة العربية في صون الهوية وتعزيز مكانة الأمة في عالم متغير، مؤكداً أن القيادة الواعية هي التي تبني الإنسان من خلال المعرفة كما تبني الأوطان بالقرار والرؤية.

وقد جاء حفل اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية ليكون أكثر من مناسبة احتفالية بإنجاز لغوي كبير، بل محطة فارقة في الوعي العربي المعاصر، تتجسد فيها قيمة العمل المعرفي الجاد حين يحظى برؤية سياسية واعية، وإرادة مؤسسية صلبة، وإيمان عميق بدور اللغة في بناء الإنسان وصون الهوية. فقد مثّل هذا الحفل تتويجاً لمسار علمي طويل امتد لسنوات، ونجح في إنجاز أحد أضخم المشروعات اللغوية العربية في العصر الحديث، مشروع لم يكتف بتجميع الألفاظ، بل أعاد كتابة سيرة الكلمة العربية عبر أكثر من عشرين قرناً من التحولات الدلالية والحضارية.

وحضور حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، لهذا الحدث، أضفى عليه بعداً استثنائياً، مؤكداً أن هذا المشروع ليس عملاً ثقافياً معزولاً، بل جزء من رؤية شاملة تؤمن بأن النهضة تبدأ من المعرفة، وأن اللغة هي عمودها الفقري. فدعم سموه لمعجم الدوحة التاريخي يعكس إدراكاً عميقاً بأن الاستثمار في اللغة العربية هو استثمار في الأمن الثقافي، وفي مستقبل أمة تواجه تحديات العولمة وتآكل الهويات، وتبحث عن أدوات علمية راسخة تعيد لها الثقة بذاتها وقدراتها الحضارية.

وقد عكس الحضور العربي والدولي الواسع للحفل المكانة العلمية التي بلغها المعجم، إذ اجتمع مثقفون وباحثون وأكاديميون، ورؤساء مجامع لغوية، وممثلو منظمات إقليمية ودولية، إلى جانب نخبة من المستشرقين المهتمين بالدرس اللغوي العربي. هذا الزخم العلمي أكد أن معجم الدوحة التاريخي لم يعد مشروعاً محلياً أو قطرياً فحسب، بل بات مشروعاً عربياً ذا إشعاع عالمي، يضع اللغة العربية في قلب النقاشات اللسانية المعاصرة، ويعيد تقديمها بوصفها لغة قادرة على الإسهام في البحث العلمي الدولي.

وفي هذا السياق، جاءت كلمة سعادة السيدة لولوة بنت راشد الخاطر، وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي، لتمنح المشروع بعده التربوي والنهضوي الأعمق، حين أكدت أن أهمية المعجم لا تكمن فقط في كونه منجزاً لغوياً رائداً، بل في كونه ركيزة أساسية لدعم تعليم اللغة العربية، وبناء المعرفة، وصون الهوية الثقافية في الحاضر والمستقبل. وقد لامست كلمتها جوهر التحدي الثقافي العربي، حين شددت على أن اكتمال المعجم يجب أن يكون استهلالاً لمشروع نهضوي أشمل، لا محطة ختام، في ظل معاناة العمل الفكري العربي من الموسمية وغياب الاستمرارية.

وأبرزت الوزيرة القيمة الاستثنائية للمعجم في جديته وطبيعته التراكمية، وفي المؤسسة الحاضنة له، بما تمتلكه من زخم في الإنتاج العلمي، والتأليف، والترجمة، والبرامج الأكاديمية. كما توقفت عند أحد أهم إنجازاته غير المرئية، والمتمثل في قدرته على صهر التباينات الفكرية والمنهجية بين العاملين عليه، رغم اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، ليجتمعوا لأكثر من عقد من الزمن حول مشروع علمي جامع، في مشهد نادر في فضاء عربي يعاني من الاستقطاب وتراجع الحوار المعرفي.

ومن جانبه، جاء حديث الدكتور عز الدين البوشيخي، المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي، ليكشف حجم الجهد العلمي والمنهجي الذي انطوى عليه هذا العمل الجبار، مؤكداً أن المعجم ثمرة عمل مؤسسي تراكمي، واجه تحديات علمية كبيرة، تتعلق بتعدد المصادر، وتنوع الاستعمالات، ودقة التحقق من المصطلحات في مختلف الحقول المعرفية. وقد أوضح أن المعجم لم يكن مشروعاً تقنياً أو لغوياً تقليدياً، بل رؤية معرفية شاملة تهدف إلى حفظ الهوية اللغوية، وإعادة الثقة للأمة بقدرتها على إنجاز مشروعات علمية كبرى ذات نفس طويل.

وفي المحصلة، فإن حفل اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية لم يكن احتفاءً بكتاب أو منصة رقمية، بل احتفاءً بفكرة النهضة ذاتها، حين تتوافر لها القيادة الراعية، والمؤسسة الجادة، والعقل العلمي المنفتح. وهو إنجاز يضاف إلى سجل الأعمال الحضارية لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ويؤكد أن قيادته لا تقتصر على إدارة الحاضر، بل تمتد إلى بناء الوعي وصناعة المستقبل. فبدعمه لمشروع بحجم معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، يرسخ سموه نموذج القائد الذي يدرك أن اللغة هي روح الأمة، وأن صونها وتطويرها هو أحد أنبل أشكال العمل الوطني والعربي المشترك. كما يؤكد أن قطر لا تنظر إلى الثقافة بوصفها ترفاً، بل باعتبارها ركيزة استراتيجية لبناء الإنسان، وجسراً للتلاقي العربي، وأداة فاعلة لصناعة مستقبل أكثر وعياً، وعدلاً، وإنسانية.

مساحة إعلانية