رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
"لا تتدخل أبداً عندما يقوم خصمك بممارسات تؤدي به إلى تدمير نفسه".
جديرٌ جداً بالمعارضة السورية أن تتذكر المقولة التي تُنسب إلى نابليون بونابرت. فالمؤكد أن السياسة السعودية، ومعها الأشقاء السوريون من العرب، يُدركون تماماً دلالاتها في معرض تحليل الوقائع.
يوم الخميس الماضي، أعلن دبلوماسي روسي أن بلاده ستدعم وفداً بديلاً من المعارضة السورية للتفاوض مع الحكومة في محادثات السلام في جنيف، في وقتٍ لاحق هذا الشهر، إذا لم يتم تعديل فريق المعارضة الحالي أو إذا قاطع المحادثات. وقال الدبلوماسي "ما نحاول تحقيقه هو إما توسيع وفد الرياض ليضم المعارضة المعتدلة، أو أن يكون هناك وفدٌ معارض منفصل". وأضاف أنه في حال مقاطعة المعارضة للمحادثات "فسوف يأتي الوفد الثاني، سيتفاوضون مع الحكومة".
غرور القوة قاتلٌ على الدوام، إن لم يكن عاجلاً فبعد حين. يصدقُ هذا على الدول والأفراد رغم كل ما يعتقدونه حسابات مضبوطة. يصدق هذا على القيادة الروسية، التي تصر بعناد على إظهار صدقية تلك الحقيقة في سياستها المتعلقة بوفد المعارضة السورية للمفاوضات. والذي كانت آخر مشاهده التصريح المذكور.
إلى ما قبل التصريح الوارد أعلاه، كان ممكناً الاستمرار في وصف التصريحات والمواقف الروسية بـ (العنجهية). بمعنى أنها صادرةٌ عن شيءٍ من الثقة بقوة الموقف. لكن تدهور الفكر السياسي الروسي، بسقوطٍ عامودي مذهل، وصولاً إلى هذا التصريح (السوريالي)، يربطه بطريقةٍ في التفكير، لا يمكن إلا أن تُذكر كثيراً بالطريقة (الداعشية) في التفكير السياسي. وإذا كان بعض المراقبين هنا وهناك لا يزالون غافلين عن هذه الحقيقة، فإن لدى السعوديين والإماراتيين والقطريين، وغيرهم من أشقاء وأصدقاء، من الخبرة والمعرفة ما يُمكنهم من رؤية هذه الحقيقة، مهما كانت صادمة، ورغم كل إدراكهم للتوازنات والحسابات الدولية في معرض العلاقة بين السياسة والقوة.. الأرجح، بالتالي، أن ثمة عملية إعادة حسابات للتعامل مع الموضوع بناءً على هذا المُعطى الجديد.
روسيا لم تعد تمارس السياسة بطريقة أنها (فن الممكن)، وهي باتت تحت ضغطٍ نفسي، ناتجٍ عن غرور القوة، بحيث تمارسها على طريقة (فن المستحيل) [المصطلح مُستعار من مقالٍ للزميل وليد أبي مرشد في معرض حديثه عن الواقع اللبناني]. ويبلغ الأمر حد الهزل حين يُنقل عن مبعوث روسي أن المندوب الأممي الخاص ستيفان دي مستورا لم يختر 25 يناير موعداً لعقد المؤتمر من قبيل الصدفة، فهذا الموعد يصادف عيد ميلاده. وكان بوده أن يحتفل به يوم بدء المفاوضات وإطلاق عملية التسوية السياسية في سوريا!.
ما من شكٍ أن تعقيدات الوضع الدولي الراهن سمحت لروسيا، لأسباب عديدة، باحتلال موقعٍ متقدم في الساحة السورية.. لكن هذا لم يكن يعني، ولن يعني، قدرة روسيا على السيطرة والتحكم بغض النظر عن كل منطقٍ سياسي، فهذه درجةٌ من المبالغة والتهويل. وإذا سُمحَ لها بالقيام بدورٍ (تشبيحي) مرحلي في سوريا لأسباب سياسية وأمنية، إقليمية ودولية.. فإن هذا لا يعني أن (تُصدق نفسها) وتعتقد أنها باتت الأمر الناهي في كل صغيرةٍ وكبيرة.
بوضوحٍ أكبر، ربما سمحت تطورات الواقع الدولي بطرح الدور الروسي على أنه مهم، ثم تكبيره بشكلٍ مدروس، وعلى أساس أنه (كِذبةٌ صغيرة) لها وظيفتها.. لكن الظاهر أن روسيا صدﱠقت الكذبة.. و(لَبِسَت) الدور.. وأنها تتصرفُ في الأسابيع الأخيرة بناءً على ذلك. قد يكون هذا ما اضطر الوزير كيري إلى التنبيه للموضوع برسالةٍ غير مباشرة، بعدما رفض الظهور مع لافروف في المؤتمر الصحفي بعد لقاء جنيف الأسبوع الماضي. ويبدو أن الأخير فهم الرسالة، مؤقتاً، حين ظهرَ في المؤتمر وحيداً ومُتجهماً وأقلﱠ عنجهيةً بكثير في تصريحاته بخصوص سوريا.
لكن هيمنة منطق القوة، وتحديداً عندما تغيب المؤسسات وتنحصر صناعة السياسة في الأفراد، تبدو مُطلقةً من ناحية، وقصيرة الذاكرة من ناحيةٍ ثانية. وهذا ما يُفسر عودة الموقف الروسي إلى مسرح (اللامعقول) فيما يخص المسألة السورية.
ثمة منطقٌ خاصٌ لمنطق القوة يجب اتّباعُ الحكمة في التعامل معه، لأن هناك كموناً فيه يكون تدميرياً للذات. لكن ثمة قوةً للمنطق يجب، أيضاً، استذكارُها، وتوظيفُها، في التعامل مع ذلك المنطق وأهله. وهو ما يُذكرنا بمقولةٍ أخرى، ذات علاقة، لنابليون نفسه، يقول فيها: "عندما يكون الخصم في معرض القيام بحركات خاطئة، فإن عليك أن تكون حذراً جداً من أن تُقاطِعه"..
يمكن لأمريكا وغيرها التعاملُ مع القضية بطريقتها وحساباتها لمصالحها. لكن مصالح السعودية، وأشقاء السوريين معها، تنبع من رؤيتها الخاصة لمصالحهم، وحساباتهم النابعة من ذلك في نهاية المطاف.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
 
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6609
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6483
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3252
| 23 أكتوبر 2025
