رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

1155

سعدية مفرح

حكاية بوراك.. رفاهية النقاش وأهمية القضية!

24 يوليو 2023 , 02:00ص

فوجئت ببعض الردود المسفهة لتغريدة كتبتها ونشرتها في حسابي على منصة تويتر قبل أيام تعليقا على خبر يتعلق بالطاهي التركي الشهير بوراك.

صحيح أنني أتلقى الكثير من الردود الخارجة أحيانا عن منطق التعليق السريع في تويتر منذ أن عرفت عالم وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنني لا أكف عن الدهشة من شغف بعض المتابعين بمحاولة تسفيه كل ما لا يعجبه أو ما لا يفهمه أو حتى ما لا يهمه. لكنه على أية حال عالم وسائل التواصل الاجتماعي الغريب، والذي يمكننا أن نعتبره بيئة لدراسة السلوك البشري بأسرع الطرق وأيسرها!.

يقول الخبر الذي تناقلته بعض الصحف ووكالات الأنباء إن بوراك رفع قضية على والده يتهمه فيها ببيع جميع المطاعم التي يمتلكها الابن في تركيا وخارج تركيا، وانه بوراك لم يعد يملك ولو مطعما واحدا يحمل اسمه الشهير في عالم المطاعم العالمية.

تساءلت في تغريدتي إن كان الأمر يبدو طبيعيا وأن من المقبول أن يرفع الابن قضية على والده، متهما إياه بالاحتيال عليه وسلبه ممتلكاته من المطاعم، أم إن سلوكا كهذا من الابن يمكننا إدراجه في باب العقوق، من دون أن أبدي رأيي الشخصي، لأنني أردت أن أكون محايدة وموضوعية لضمان الحصول على آراء غير متأثرة بصيغة السؤال.

ورغم أن معظم الردود انحازت الى بوراك وتعاطفت معه، باعتبار ان الأب المحتال هو العاق في هذه الحالة، مع أننا جميعا لا نعرف تفاصيل الخبر على وجه اليقين، وأن ما نشر لا يكاد يشي إلا بالقليل من المعلومات، إلا أن هناك فئة فضلت أن تلوم الابن على موقفه وتصفه بالعقوق، مستندة الى مكانة الوالدين العليا وفقا لتعاليم الدين الإسلامي، وأن الابن في الإسلام هو وماله لأبيه، فما قيمة مطاعم أو محلات أمام رضا الوالدين؟ وما تساوي مثل هذه الأمور الدنيوية مقارنة لها بالحالة الإيمانية التي وضعها الإسلام معيارا لعلاقة الآباء بالأبناء، بل إنه يفرض على الابن وفقا لهذه المعيارية الإيمانية أن يعامل الأبناء آباءهم بالحسنى حتى وإن كانوا مشركين!.

من الواضح أنني اردت أن أتخذ من ذلك الخبر، الذي قد يبدو عابرا في مسار الاخبار الكبيرة الكثيرة التي تحيط بنا أفرادا ودولا هذه الأيام، مثالا على ما يحيط بعلاقة الأبناء بالآباء من تحديات كبيرة، تستحق أن نعيد النظر فيها بين فترة وأخرى، وأن نحاول أن نعيد ترتيب الأولويات في تلك العلاقة وفقا لمعطيات كثيرة، إلا أن هناك من رأى في الموضوع كله مجرد تفاهة لا تليق أن ينشغل بها أحد يدعي أنه مهتم بالقضايا الكبرى. وفي هذا التسفيه لقضايا من هذا النوع يكمن جانب كبير من سبب المشكلة أو المشاكل العائلية، وهو تجاهلها بحجة أنها تافهة أو أنها محسومة مسبقا. وهذا غير دقيق. صحيح أننا ننتمي لثقافة إنسانية وإسلامية تجل مكانة الوالدين وتضعهما في المقام الأعلى في سلم العلاقات الإنسانية التي يملكها المرء إلا أن هذا غير كاف في ظل واقع معقد أضفى على العلاقات بين البشر المزيد من التعقيد، ولا بد من نقاشات مستمرة تستثمر فيها كل النماذج الحية في علاقات الآباء بالأبناء.

ورغم أننا لن نصل لنتائج حاسمة على هذا الصعيد ككل مرة نناقش فيها قضايا إنسانية تبدو فيها كل حالة مختلفة عن الأخرى، إلا أن النقاشات المستمرة ستصل بنا الى مساحة من التفاهم والتوافق على أن لكل حالة خصوصيتها، وأننا لا يمكن أن نخضعها للنتائج الجماعية النهائية، وأن تلك النتائج النهائية التي وصلتنا عبر الزمن بهيئة نصائح أو تعاليم دينية أو غيرها يمكن كسرها في تلك الحالات الخاصة.

الموضوع كله نقاش يبدأ ولا ينتهي، لأنه يتجدد مع كل حالة جديدة يمكن أن نتخذها نموذجا جيدا للنقاش. وبالتالي لا ينبغي لأحد أن يصفه بالتفاهة لمجرد أنه يتعلق بطاهٍ شهير تنتشر مطاعمه الفخمة في مدن كثيرة وسط ملايين الجياع حول العالم.

مساحة إعلانية