رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
فوجئت ببعض الردود المسفهة لتغريدة كتبتها ونشرتها في حسابي على منصة تويتر قبل أيام تعليقا على خبر يتعلق بالطاهي التركي الشهير بوراك.
صحيح أنني أتلقى الكثير من الردود الخارجة أحيانا عن منطق التعليق السريع في تويتر منذ أن عرفت عالم وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنني لا أكف عن الدهشة من شغف بعض المتابعين بمحاولة تسفيه كل ما لا يعجبه أو ما لا يفهمه أو حتى ما لا يهمه. لكنه على أية حال عالم وسائل التواصل الاجتماعي الغريب، والذي يمكننا أن نعتبره بيئة لدراسة السلوك البشري بأسرع الطرق وأيسرها!.
يقول الخبر الذي تناقلته بعض الصحف ووكالات الأنباء إن بوراك رفع قضية على والده يتهمه فيها ببيع جميع المطاعم التي يمتلكها الابن في تركيا وخارج تركيا، وانه بوراك لم يعد يملك ولو مطعما واحدا يحمل اسمه الشهير في عالم المطاعم العالمية.
تساءلت في تغريدتي إن كان الأمر يبدو طبيعيا وأن من المقبول أن يرفع الابن قضية على والده، متهما إياه بالاحتيال عليه وسلبه ممتلكاته من المطاعم، أم إن سلوكا كهذا من الابن يمكننا إدراجه في باب العقوق، من دون أن أبدي رأيي الشخصي، لأنني أردت أن أكون محايدة وموضوعية لضمان الحصول على آراء غير متأثرة بصيغة السؤال.
ورغم أن معظم الردود انحازت الى بوراك وتعاطفت معه، باعتبار ان الأب المحتال هو العاق في هذه الحالة، مع أننا جميعا لا نعرف تفاصيل الخبر على وجه اليقين، وأن ما نشر لا يكاد يشي إلا بالقليل من المعلومات، إلا أن هناك فئة فضلت أن تلوم الابن على موقفه وتصفه بالعقوق، مستندة الى مكانة الوالدين العليا وفقا لتعاليم الدين الإسلامي، وأن الابن في الإسلام هو وماله لأبيه، فما قيمة مطاعم أو محلات أمام رضا الوالدين؟ وما تساوي مثل هذه الأمور الدنيوية مقارنة لها بالحالة الإيمانية التي وضعها الإسلام معيارا لعلاقة الآباء بالأبناء، بل إنه يفرض على الابن وفقا لهذه المعيارية الإيمانية أن يعامل الأبناء آباءهم بالحسنى حتى وإن كانوا مشركين!.
من الواضح أنني اردت أن أتخذ من ذلك الخبر، الذي قد يبدو عابرا في مسار الاخبار الكبيرة الكثيرة التي تحيط بنا أفرادا ودولا هذه الأيام، مثالا على ما يحيط بعلاقة الأبناء بالآباء من تحديات كبيرة، تستحق أن نعيد النظر فيها بين فترة وأخرى، وأن نحاول أن نعيد ترتيب الأولويات في تلك العلاقة وفقا لمعطيات كثيرة، إلا أن هناك من رأى في الموضوع كله مجرد تفاهة لا تليق أن ينشغل بها أحد يدعي أنه مهتم بالقضايا الكبرى. وفي هذا التسفيه لقضايا من هذا النوع يكمن جانب كبير من سبب المشكلة أو المشاكل العائلية، وهو تجاهلها بحجة أنها تافهة أو أنها محسومة مسبقا. وهذا غير دقيق. صحيح أننا ننتمي لثقافة إنسانية وإسلامية تجل مكانة الوالدين وتضعهما في المقام الأعلى في سلم العلاقات الإنسانية التي يملكها المرء إلا أن هذا غير كاف في ظل واقع معقد أضفى على العلاقات بين البشر المزيد من التعقيد، ولا بد من نقاشات مستمرة تستثمر فيها كل النماذج الحية في علاقات الآباء بالأبناء.
ورغم أننا لن نصل لنتائج حاسمة على هذا الصعيد ككل مرة نناقش فيها قضايا إنسانية تبدو فيها كل حالة مختلفة عن الأخرى، إلا أن النقاشات المستمرة ستصل بنا الى مساحة من التفاهم والتوافق على أن لكل حالة خصوصيتها، وأننا لا يمكن أن نخضعها للنتائج الجماعية النهائية، وأن تلك النتائج النهائية التي وصلتنا عبر الزمن بهيئة نصائح أو تعاليم دينية أو غيرها يمكن كسرها في تلك الحالات الخاصة.
الموضوع كله نقاش يبدأ ولا ينتهي، لأنه يتجدد مع كل حالة جديدة يمكن أن نتخذها نموذجا جيدا للنقاش. وبالتالي لا ينبغي لأحد أن يصفه بالتفاهة لمجرد أنه يتعلق بطاهٍ شهير تنتشر مطاعمه الفخمة في مدن كثيرة وسط ملايين الجياع حول العالم.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كاتبة كويتية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6609
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6483
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3252
| 23 أكتوبر 2025