رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حينما قيل لي في الماضي القريب بعض الشيء أن وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون) 65 عاماً قد أصيبت بجلطة دموية ومكثت في العناية المركزة تحت عناية طبية مشددة تحرص على سلامة هذه المسؤولة المهمة في حكومة أوباما والناطق الرسمي لسياسة أمريكا في العالم الخارجي لم يكن إهمالاً مني في تتبع سير صحة الوزيرة (هيلاري) آنذاك باعتبار أنها كانت شخصية مؤثرة عالمياً لكنني أعترف بأنني تمهلت لحين انبلاج خبر أكثر تأثيراً يمكنني بعده أن أحدد ردة فعل مناسبة حياله!..فالمرأة وإن كانت قد سقطت فجأة ولا يمكن لأي أحد أن يشمت بها لأن ما تعرضت له يمكن أن يتعرض له أي شخص وقد يُبتلى من يعيب إلا أنها ذهبت وجاء خليفتها جون كيري مكبلين بسلسلة من ملايين الدعوات الكارهة لهما ولبلادهما وهي دعوات من تعرضت لظلم واستبداد الولايات المتحدة الأمريكية التي لاتزال ماضية في سياسة يختلف عليها الكثيرون لكنها تتفق حول استراتيجيتها وجديتها وأبجديتها للتعامل مع المشاكل التي تحشر واشنطن أنفها الكبير فيه أو تدخل كأحد الأطراف المهمة فيها لا سيما قضيتي أفغانستان والعراق وما يعنيني حقيقة وأجد نفسي مائلة للتحدث فيه هو التعرض لتاريخ هذا البلد منذ حرب الخليج التي أحالت هذا البلد في غمضة عين إلى موطن للتناحر الطائفي ومكب لزهق الأرواح وتراب بات أكثره مقابر وليس منابر كما كانت عليه عاصمة الرشيد!..فهيلاري كلينتون تمثل أسوأ ممثلة لبلد قتل في العراق هويته وروحه وجماله ومكانته !..وربما يخرج لي من يقول وكيف كان العراق قبل الحرب لتتحسري عليه اليوم؟!..كيف كان بعصر صدام حسين لتأسفي عليه وهو بعصر معصوم والعبادي وطبعاً في عهد المجرم المالكي ؟!.يكفي أن العراق كان مرتعاً للعقول المبدعة في العلم والطب ولم يكن استهدافهم بالتجنيد أو الإبادة كما جرى ويجري حتى الآن !..يكفي أن الطائفية التي تكتوي منها كل مدن ومحافظات العراق اليوم لم تكن قبيل حرب الخليج حتى وإن كان صدام بالقسوة التي قيلت فيه لكنه كان يمسك الدولة من جهاتها الأربع وليس من رأسها لضمان الحكم والسلطة تاركاً الذيل يلعب به من أراد التسلل إلى قلب العراق!.. يكفي أن العراق كان يسمى (روسيا العرب) على النحو الذي كانت عليه روسيا أيضاً في الماضي وهذا لم يكن لمجرد الدعاية اليوم لتاريخ هذا البلد العربي الملاصق لبحر الخليج العربي لكنه حسرة على اللعبة القذرة التي شبكت خيوطها الولايات المتحدة ممثلة في السفارة الأمريكية بوسط بغداد وأودت بالعراق محتلاً لدولة الكويت الشقيقة وتمضي حروب الخليج التي تعاقبت معلنة أن العراق حتى اليوم يمثل بلداً محتلاً فكرياً وميدانياً وسياسياً وعسكرياً وموجهاً من الإدارة الأمريكية التي حتى وإن أعلنت انسحاب قواتها فإنها قد أبقت على آثار نتنة لها لا يمكن أن تزول حتى وإن حاول العراقيون أنفسهم محوها !..آثار تثبت بأن هناك من باع عاصمة الرشيد لأمريكا وبريطانيا وقوات التحالف وإن الجنود الذين اصطدموا في بادئ الأمر من الحرب بصقور الجيش العراقي كانوا متأهبين لدخول بغداد على منابر من ذهب وإن كل ما ينتظرهم حينها هو مشاهد لراقصات عراقيات بعيون سوداء واسعة وعري وشراب والكثير من الأوهام التي باعتها حكومة بوش آنذاك لجنودها لتحفيزهم على المضي ودخول العراق على أسنة الرماح التي غدرت منهم الكثير وجعلتهم يعودون إلى بلادهم ولكن على توابيت مغطاة بعلمهم الأنيق!.. واليوم فالعراق قد تحولت إلى مدينة موقوتة يخشى ساكنوها من أن يخرجوا ليلاً أو يركبوا مركبة يتوجسون أنها ستنفجر بهم في أي لحظة أو يتعرضوا لقتل أو سرقة ونهب ولم يتركها الأمريكيون إلا ليقضي أصحابها عليها وليس للبناء وما يزيد الطين بلة وقهراً هو أن يكون حكم العراق بيد الذين لا يبدو أنهم على قدر وعوده التي أطلقوها قبيل ترؤسهم للحكومات المتعاقبة لكنهم أشبه بديكتاتوريين أشد فظاعة وبشاعة ليحكموا بلداً مثل العراق التي نأسف أن يكون حاضرها على أتون نار محرقة ومستقبلها لا يؤذن بالبشائر!.. نأسف أن تكون العراق بعد أن كانت داراً للحكمة والثقافة أن تغدو مقراً للفساد الحكومي الذي حرك الحشود للحاق بركب (الربيع العربي) حينما هتف الشعب سنة وشيعة في حكم المالكي بأن حكمه يجب أن يسقط كما سقطت عروش الطغاة في مصر وتونس واليمن وما يوشك عليه في سوريا بإذن الله وهذا ما أتمناه والله لبلد أحبها وأن يزيد الغضب الشعبي حتى يشمل كل محافظات العراق ومدنه وألا يموت الأمر قبل أن يبدأ فالموت الذي سيدفع ثمنه العراقيون في غضبتهم هذه ليس جديداً على أفراد يذوقونه كل يوم وكل لحظة حتى يبدو الخارج من منزله مشروع شهيد قائم حتى يعود إلى بيته سليماً معافى !.. نريد لهذا البلد أن ينال نصيبه من الحرية التي حُرم منها عقوداً وتقاسمت بعض الشعوب (المحررة) خيراتها وآن للعراق أن يلحق بما يجب أن يكون له خصوصاً وإن حكوماته قد ظلمته واستبدت وقتلت من أنصار السنة ممن لم يخجل من نسائهم وصغيرهم اليافع وكبيرهم العاجز وأودى بالبلاد والعباد إلى هاوية لا يمكن أن نطلق عليها اسم العراق !...ولذا لا يمكن أن تحصل الولايات المتحدة على دعوات لها بالتوفيق والنجاح لأنها وإن كانت لم تشهد البداية الفعلية لتدمير بلاد الرافدين فإنها بلاشك قد كانت القنبلة الموقوتة التي فجرت الأوضاع هناك نحو مأساة نجهل كم سيحتاج العراق لمعالجتها وهذا بحد ذاته دية ثمينة على أمريكا أن تدفعها بجانب دية باهظة الثمن من أفغانستان المسلمة التي لاتزال أمريكا تساهم في جرها لعصور الجاهلية وشغلها بالحروب وإشعال جذوة حركة طالبان من جديد لتكون طرفاً مع حكومة صنعتها الولايات المتحدة متمثلة في حكومات أفغانستان التي تشبه إلى حد بعيد حكومات العراق بخلاف واحد وهو أن الأولى حكمت دولة كانت ولا زالت من تراب والثانية تحكم أرضاً كانت حاضنة الخلافة العباسية وحضارة مهيبة من الثقافة والفكر والتنوير وباتت أيضاً من تراب !..لا بارك الله في الحكومتين !
فاصلة أخيرة:
يا أبناء العراق.. لو كان بيدنا شيء لجئناكم زحفاً.. ولو كان بهذه الأيدي شيء آخر لاستنفرت الأقدام ونصبت الظهور ورفعت الرؤوس وأنطقت الألسن وأحيت القلوب وهتفت أوّاهُ يا عراق!
اليوم الوطني.. تجديد الولاء وتعزيز الهوية الوطنية
يحل اليوم الوطني لدولة قطر في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، بوصفه مناسبة تتجاوز حدود الاحتفال... اقرأ المزيد
96
| 14 ديسمبر 2025
التوازن السكاني.. ودوره في ارتفاع نسبة المواطنة
لم نضع أقدامنا في أي موقع خدماتي أو في المجمعات التجارية أو الأماكن السياحية الا ونجد أفواجًا بشرية... اقرأ المزيد
195
| 14 ديسمبر 2025
جائزة سمو الشيخ تميم .. نحو عالم أكثر نزاهة وعدلاً
تمثل جائزة «سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد» نموذجاً رائداً على المستوى... اقرأ المزيد
126
| 14 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2292
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
786
| 10 ديسمبر 2025