رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كان الفجر، بالكاد قد تنفس، عندما تصاعدت ألسنة اللهب، في سماء قطاع غزة، بفعل الصواريخ التي أطلقتها إسرائيل، مثل زخات الشهب، التي تسببت في احتراق الأبرياء، كاشتعال الحطب، وسط نيران الحرب، ليسقط ويتزايد على إثرها الكثير من الضحايا الضعفاء.
وفي أتون ذلك الصخب، الحارق، المخضب بلون الصهب، تتحرك أمواج تلو أخرى، من مشاعر الغضب، ويتواصل سقوط الشهداء، من الفلسطينيين الضعفاء، بين أنقاض المنازل المدمرة، وركام البيوت المحطمة، والمساكن المهشمة، التي تشهد، على ارتقاء أرواح أصحابها، إلى السماء.
أما الأحياء المكلومون، الملكومون، المقهورون، المحرومون، فأوضاعهم، تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، فلا ماء صالح للشرب يروي العطش، ولا غذاء صالح للأكل يقوي الأجساد التي أنهكها التعب والترحال، ولا وقود يسيّر الحياة، ولا كهرباء تنير الطرق وتشغل أجهزة المستشفيات، ولا كساء يستر الأجساد التي مزقتها القنابل واستهدفتها الصواريخ والمسيرات، ولا دواء يعالج الأمراض المزمنة، والمستحدثة بسبب هذا العدوان.
ولا شبكة صرف صحي، صالحة لقضاء الحاجة، ولا شعور، بالأمن والأمان، في كل زاوية، وكل مكان.
وكل يوم لهم موعد جديد، مع التهديد، والتشريد، والترهيب، والتعذيب، وأوامر النزوح، والإخلاء، إلى الخلاء.
إنها الحرب الصهيونية الغادرة، بكل أوجاعها الغائرة، التي تشنها إسرائيل على أهالي غزة، بهدف إخضاع «حماس» لشروطها، وإجبارها بالقوة العسكرية، على الإفراج عن المحتجزين لديها، وبعدها القضاء النهائي عليها.
ومع تواصل غارتها المدمرة، عبر استهدافها العشوائي المتعمد، وهجومها الوحشي المتعدد، على المدنيين الأبرياء، يتم توسيع مساحات القتل، وزيادة رقعة الموت.
هناك في غزة، الصابرة، ينشب الخوف في النفوس أظافره، وينتشر الحزن اللامتناهي في القلوب، ويكبر البؤس، الذي لا ينتهي، إلى ما لا نهاية، ويتضاعف حجم المعاناة التي تولد من رحم المأساة.
هناك، في بلد الفلسطينيين «البؤساء»، الذين لا يعرفهم «فيكتور هوجو»، ولم يكتب عنهم، روايته الشهيرة، التي نشرها عام 1862، وتناول فيها الحياة البائسة، التي عاشها الفرنسيون، بعد سقوط نابليون.
هناك في قطاع غزة، يتم قتل الأطفال والنساء، بلا رحمة، في سياق تسلسل، مسلسل سفك الدماء.
ومنذ فجر الثلاثاء، الثامن عشر من مارس الجاري، تواصل إسرائيل، فجورها العسكري، وجورها الاستبدادي من خلال فرض الظلم، والظلام، والضلال، عن طريق السلام، والاعتداء على حقوق الآخرين، والانحراف عن مقاصد وأهداف اتفاق الهدنة، التي تثبت الأحداث، وتؤكد التطورات وتوضح المستجدات، أنها هشة، أكثر منها هشاشة «الرهش»!
وسط هذا الواقع الهش، استأنفت إسرائيل عدوانها الهمجي، وما زالت تشن موجات تلو موجات، من الهجمات والغارات، بالطائرات والمسيرات، ضد الفلسطينيين، في كل الجهات، في سلوك غادر، وانتهاك سافر، لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه، برعاية أمريكية، وجهود قطرية، ومساعٍ مصرية.
وفي هذه اللحظات المصيرية، يحق لي أن أتساءل، لإثبات حقيقة مفصلية:
أي حضاره إنسانية، التي يتشدقون بها، وهم ينتهكون الاتفاقيات الموقعة، ويخرقون التعهدات الموثقة، والمواثيق المؤكدة، والتفاهمات الملزمة؟
وأي سلوك إنساني سليم، وتعامل سياسي قويم، يسمح لهم بقتل الآمنين، الصائمين، وبينهم المئات من المسنين؟
وأي ديمقراطية التي يتباهى بها نتانياهو، ورفاقه المتطرفون، وهم يمنعون دخول المساعدات الإنسانية، والاحتياجات الإغاثية الضرورية، التي يحرمونها عن المدنيين، ولا أقول المدانين؟
وأي نوع من الأنفس الصهيونية المريضة، التي تستخدم التجويع، والتعطيش، والتطفيش، والتهميش، سلاحاً ضد الآخرين يشهرونه، في وجوه المقهورين، المستضعفين، كوسيلة للعقاب الجماعي، والابتزاز السياسي؟
ثم يلومون «هتلر»، على حرقهم!
وهم بأفعالهم الإرهابية، وجرائمهم الوحشية، واعتداءاتهم الهمجية، على الفلسطينيين، يثبتون أنهم أكثر «هتلرية»، وأشد «نازية»، وأبشع «فاشية»، من ذلك المعتوه النازي.
ولا أنسى توغلهم البري، وتغولهم البربري، وتغلغلهم العسكري، الذي يطبقونه على طريقة الألماني الغازي، بامتداد محور «نتساريم»، مما يشكل خرقا خطيرا، لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي أشعلوا فيه النار، فأصبحت محتوياته كتلة من النار، وبات يحتاج لمن يبادر، بإطفاء النار، المشتعلة في ذلك الاتفاق المنهار.
وما من شك، في أن هذا الانهيار، وذلك الدمار، يعكس النية الإسرائيلية المبيتة، والخبيثة، والخسيسة، لاستكمال جريمة الإبادة الجماعية، وإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، والتنفيذ التدريجي، لمخطط تهجير الفلسطينيين، خارج قطاعهم المدمر.
وفي خضم هذا الدمار، نشهد نوعا آخر من الانهيار، حيث يتواصل الفشل الدولي المخزي، والعجز العربي المخجل، عن وقف الحرب!
ومع هذا الانحدار، تترسخ الحقيقة المحزنة، المتمثلة في ضعف العرب، وعدم قدرتهم على مواجهة إسرائيل، إلا في إصدار بيانات الشجب، دون القدرة حتى على إلزامها، بالالتزام بتطبيق قواعد «الضرب»، التي يحددها القانون الدولي الإنساني.
ولعل ما يزيد من وطأة الكارثة، تواطؤ الغرب مع الطغيان، وتورط الولايات المتحدة، في دعم العدوان.
ومن المؤكد، إنني لا أخطئ العنوان، عندما أقول إن البجاحة، وصلت لدى الإدارة الأمريكية إلى درجة الإعلان، أن رئيسها، يدعم استئناف إسرائيل عملياتها العسكرية، الجوية والبرية، في غزة.
وهذا أعلنته، بكل صفاقة، المتحدثة باسم «البيت الأسود»، الملطخة جدران مكتبه البيضاوي، بدماء أطفال فلسطين.
ووسط هذا الموقف المشين، أقول بكل اليقين، وأنظر بعين اليقين، وأكشف بنور اليقين، أن المسؤول الأول، عن الواقع الحزين، الذي يعيشه حاليا أهالي غزة المسحوقون، هو «فخامة» الرئيس «الأفخم» دونالد ترامب!
وأستطيع أن أجزم ولا أزعم، أنه يتحمل المسؤولية الكاملة، عن قتل كل طفل فلسطيني، وكل أم غزاوية، وكل سيدة فقدت زوجها، أو ابنها، أو عائلتها أو معيلها، بعدما أعطى حكومة نتانياهو الإرهابية، الضوء الأخضر لشن عملياتها العسكرية، واعتداءاتها الهمجية، وممارساتها النازية، التي فتحت أبواب الجحيم وأشعلت النيران، في الاتفاق الهشيم.
وأقولها بصراحة، بل بمنتهى الصراحة، ينبغي على ترامب، أن يطأطئ رأسه خجلاً، لتورطه الفعلي والعلني في استئناف الحرب على غزة.
كما ينبغي على المجتمع الدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة، وتحديداً ما يسمونه «مجلس الأمن» أن يقوم بطباعة جميع القرارات الصادرة منه، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والتي لم يتم تنفيذها، وتحويلها إلى مناديل ورقية، لتجفيف دموع المنكوبين في غزة.
والمؤسف، أن «ترامب»، الذي يسوّق نفسه على أنه داعية سلام عالمي، وأنه «سوبرمان»، الذي يحرص على إنهاء الحروب في العالم..
■ وأنه «باتمان» الذي يسعى، لترسيخ العدالة، في كامل استدارة الكرة الأرضية.
■ وأنه «سبايدرمان» الذي يملك قوة خارقة، تمكنه من الانتصار على خصومه وامتلاك قدرة فائقة، على استشعار مكامن الخطر، والتصدي لزعماء الشر.
■ وأنه البطل الخيالي الخارق، المسمى «كابتن أميركا»، الذي يمكنه هزيمة كل مارق، مرتديا بدلته المزينة بألوان العلم الأمريكي، وهو يحمل درعا غير قابل للتدمير، أو التكسير، أو التقشير أو التشطير.
ورغم كل هذه الشخصيات الكرتونية، التي تروجها ثقافة الخيال الأمريكي، التي يتقمصها رئيس الإدارة الأمريكية، من خلال تضخيم قدراته، وإظهار أنه البطل القاهر، والزعيم القادر على إحداث التغيير..
نجده لا يجرؤ، خلال تعامله مع إسرائيل، ورئيس حكومتها الشرير، حتى في إثبات أنه «بلوتو»، الذي يحاول القضاء، على «باباي» قبل أن يتناول السبانخ!
ولهذا نجده يتجاهل، أن هناك اتفاقاً ملزماً، تم توقيعه، بين «حماس» وإسرائيل، برعاية أمريكية، يتضمن إطلاق سراح الأسرى، على (3) ثلاث مراحل، دون الحاجة إلى استخدام العنف، وإطلاق الصواريخ، وإسالة دماء الأبرياء.
وأستطيع القول إن كل صاحب ضمير حي، يمكن أن يشهد بكل حماس، أن حركة «حماس» نفذت كل الالتزامات الواجبة عليها، وفقا للمرحلة الأولى من الاتفاق.
ثم فوجئت بمماطلة إسرائيل، وتنصل رئيس حكومتها، عن الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، واختلاق الذرائع وتسويق المبررات، والتهرب من تنفيذ التعهدات، بدعم وتشجيع وتأييد وإسناد من الوسيط الأمريكي!
وكان مفروضا من رئيس الولايات المتحدة، الاضطلاع بمسؤولياته الإنسانية والأخلاقية والقانونية، والضغط على إسرائيل - كما يفعل مع الأنظمة العربية - لإجبارها على الجلوس على طاولة التفاوض، من أجل الإفراج، عن بقية المحتجزين، دفعه واحدة..
بدلا من تحريضها على العدوان، وانتهاك حقوق الإنسان، وتشجيعها على توجيه جيشها لقصف الفلسطينيين، دون مراعاة صيامهم في شهر رمضان.
ومن الواضح، بل الفاضح أن ترامب بموقفه الفادح، أسقط عن وجهة قناع داعية السلام، ووضع على رأسه القلنسوة اليهودية، لتتربع فوق شعيراته الصفراء، وبات يتصرف وكأنه «تيودور هرتزل»، مؤسس الحركة الصهيونية.
وبات أسيراً لمعتقدات إسرائيلية، مليئة بالهراء، عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، دون أدنى اعتبار، إلى حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، وحقهم في تحرير أرضهم، وحقهم في نيل استقلالهم، وحقهم في الحصول على استقرارهم، كما فعل الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الذين وحدوا المستعمرات الثلاث عشرة، وقادوا حرب التحرير عن التاج البريطاني في أواخر القرن الثامن عشر ونالوا حريتهم واستقلالهم باستخدام القوة ضد السلطة البريطانية المتسلطة وبنوا إطاراً حكومياً حامياً لدولتهم الجديدة على أسس جمهورية وأبرزهم جون آدمز وبنجامين فرانكلين وتوماس جيفرسن وجيمس ماديسون وجورج واشنطن، وكل هؤلاء لعبوا أدواراً وطنية أمريكية مهمة في مقاومة ومحاربة الاستعمار البريطاني، لا تختلف عن الأدوار البطولية التي يقوم بها قادة المقاومة الفلسطينية، ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومنهم على سبيل المثال الشهداء إسماعيل هنية والسنوار والضيف وغيرهم من قيادات النضال الفلسطيني.
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
45
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
51
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
57
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4041
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1731
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1575
| 02 ديسمبر 2025