رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

771

د. فاتن الدوسري

تجدد عمليات إسرائيل على غزة.. الأسباب والمآلات

25 مارس 2025 , 02:00ص

بعد هدنة يمكن اعتبارها هشة دامت نحو شهرين، عاودت إسرائيل حملتها العسكرية العنيفة على قطاع غزة في الثامن عشر من شهر مارس. ومن حيث المبدأ لا يستبعد عن إسرائيل النكوص عن تعهداتها واختراق الاتفاقات؛ ومع ذلك يحمل اختراق الهدنة الراهنة قدراً كبيراً من المفاجأة في ظل التقدم الواسع في عمليات تسليم الرهائن وجهود الوساطة الجبارة التي تقودها قطر ومصر.

 جددت إسرائيل العمليات على القطاع تحت ذريعة رئيسية وهي عدم جدية حماس في مفاوضات تسليم الرهائن، والتي جرت المرحلة الثانية لها بصورة مباشرة بين إدارة ترامب وحماس، ويتبدى من تفاصيلها المحدودة شروط إذعان قاسية فرضها ترامب على حماس. والثانية هي عدم احترام حماس لاتفاق الهدنة من خلال استئناف العمليات العسكرية ضد إسرائيل.

 وتلك هي الذرائع التي لا تبرر بالقطع استئناف العمليات بالصورة الوحشية التي راح ضحيتها حتى الآن ما يربو من ألف شهيد فلسطيني.

* ومن ثم، ثمة أسباب قوية دافعة لتجدد العمليات تندرج في مستويين:

 - الأول-قصيرة الأمد أو التكتيكية وعلى رأسها: الضغوط الداخلية الشديدة التي يواجهها نتنياهو، ونرى أنها الباعث الأساسي المحرك لتجدد العمليات. يواجه نتنياهو مشكلتين كبيرتين: الأولى وهى الملاحقات القضائية بشان تهم فساد شبه مؤكدة، كذلك وهى الأخطر ملاحقات قضائية متوقعة حول التقصير الأمني الذي أدى إلى «طوفان الأقصى». والثانية تتعلق بضغوط أقصى اليمين المتطرف عليه سواء داخل حكومته أو خارجها.

 مما يعني أنه في جميع الحالات يواجه نتنياهو تهديداً خطيراً بانهيار حكومته في أي وقت-وسيكون انهيارا تاما لحياته السياسية- ومن ثم البقاء ما تبقى له في الحياة في غياهب أروقة القضاء. وبالتالي، فاستمرار الحرب العنيفة في غزة تمثل طوق النجاة له لتمديد بقائه في السلطة إلى أطول فترة ممكنة خاصة مع إمكانية تمديد الحرب على جنوب لبنان وعلى الحوثيين. فقبل تجديد العمليات في غزة بخمسة أيام فقط، طلب نتنياهو من النيابة العامة الإسرائيلية تأجيل محاكمته بسبب استئناف العمليات في غزة، وقد وافقت النيابة على طلبه.

 والذي لا يقل أهمية على هذا وبات أمر ماسا لاستمرار بقائه في السلطة، وتقوية حكومته هو إرضاء أقصى اليمين المتطرف الرافض لتوقف العمليات في غزة وصفقة تبادل الرهائن مع حماس. فمع بداية المرحلة الأولى للمفاوضات مع حماس، استقال المتعصب «بن غفير» من حكومة نتنياهو احتجاجا على وقف إطلاق النار في غزة، والتفاوض مع حماس. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل هدد باقي أفراد اليمين المتطرف في حكومته بالاستقالة أكثر من مرة، كان آخرها تهديد «سومتريتش» الأكثر تعصباً وزير المالية بالاستقالة إذا لم يتم توقيف المفاوضات مع حماس مع شرط تجدد الحرب في غزة. وعلى إثر ذلك، لم يأت رضوخ نتنياهو في تجدد العمليات فحسب، بل في عودة «بن غفير» للحكومة مجددا، لتعاد إلى حكومته التماسك القوي المطلوب لبقائها أطول فترة ممكنة.

- الثانية-طويلة الأجل: الفعلية الحاسمة.

 يدرك الجميع تمام الإدراك بما في ذلك بالقطع الوسطاء الرئيسيون قطر ومصر ؛ أن مرمى إسرائيل الفعلي النهائي هو تنفيذ مخطط التهجير الذي أصبح مطلبا واضحا علنيا بدعم الولايات المتحدة. وبقطع النظر عن صعوبة تحقيق المخطط؛ فإسرائيل ماضية فيه بصورة عبثة حتى ولو امتد التنفيذ لسنوات. والحقيقة أن المرحلة الأولى الرئيسية لتنفيذ المخطط حتى على المد الطويل هو القضاء على حكم حماس في القطاع جنبا إلى جنب استمرار الضغط على سكان القطاع للقبول طوعا أو ارغاما بالمخطط. وبالتالي، فمن البديهي أن حرب الإبادة الصهيونية على القطاع لن تتوقف في ظل وجود نتنياهو من عدمه. ويبقى هدف الوسطاء الرئيسي أولاً الحد من قتل المدنيين في القطاع إلى اقصى قدر ممكن، ثانيا استمرار الضغط على الأطراف المتداخلة خاصة واشنطن لعودة المفاوضات على أساس حل الدولتين أملاً في إثناء إسرائيل عن المخطط، أو إضعافه وإرجائه إلى أقصى حد ممكن.

 * والأمر الهام في هذا الصدد أيضا، أن تجدد العمليات ليست بمعزل عن مرمى إسرائيل الثاني الأهم وهو تقويض إيران. إذ ترى إسرائيل في حماس ذرائع إيرانية لابد من تدميرها بالتوازي مع باقي الأذرع الأخرى خاصة الحوثيين، تمهيدا للضغط عليها في صفقة إذعان يقودها ترامب تتمحور حول القبول بالتفكيك الطوعي للبرنامج النووي أو تحطيمه عسكرياً.

 وفي التقدير الأخير، وإن كان تجدد العمليات على غزة كان مفاجئا بعض الشيء، إلا أنه متوقعاً على أية حال. ومع العودة القوية لليمين المتطرف لحكومة نتنياهو جنبا إلى جنب أهداف إسرائيل بعيدة المدى الحاسمة؛ فمن المرجح على نحو كبير استمرار العمليات في غزة وربما بصورة أقوى، وقد تتخللها فترات قصيرة من الهدن الهشة.

مساحة إعلانية