رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ثمة إعلاميون يتعاملون مع المقاومة بمثالية مرضية تجور عليها كثيرا وتجعل منها هدفا للاتهام والإدانة والريبة والشك.
تحتاج المقاومة إلى نقد متواصل لكنها تستدعي أولا التفهم والتعامل من قلب الحالة المقاومة لا من خارجها ابتداء.
هذه المادة تقف على صور من المواقف السلبية التي وسمت تعامل عديد من إعلاميي الثورة والقادمين من قلب الساحات والميادين الثورية الصاخبة
يدرك زملاء الكلمة وصناع الرأي أننا نتحدث عن العمل الصحفي والإعلامي في سياق استثنائي وخاص، وأن أداءنا الآن مرتبط بالثورة والمقاومة أو يفترض أن يكون هكذا إعلاما يتجاوز الأداء المهني المجرد إلى مهام تعبوية تنويرية وتثويرية مقاومة ذات طابع سياسي في المقام الأول.
بعض الزملاء للأسف تماهوا مع موقف "مناصفينا" المفروضين والذين حاولوا تعويض خسرانهم نصف الحكومة وهم في الواقع أكثر من ذلك بكثير حاولوا التعويض باحتلالهم المعارضة على نحو مبكر بالطبع
بعض زملائنا دخلوا مع هذا النصف الفاسد في تنافس على معارضة المرحلة بمكوناتها الحاكمة وتناسوا أنهم يدفعون لتعرية قوى التغيير التي انخرطت مضطرة في التسوية وتحملت الكثير من أعباء الفساد من أجل إنجاز ما اتفق على إنجاز اندفع الكثيرون لإثبات تجردهم المهني قبل أن نجرد قوى الاستبداد من قوتها وسلطتها ونفوذها الراسخ في بنية النظام ومفاصل الدولة والمجتمع.
وبدا الأداء الصحفي المعارض متجها صوب تعرية هذه المشاركة الجزئية لقوى الثورة وتكريس الوعي بفشلها وبخيانتها وتواطئها وصمتها على نحو أضعفها وأفقدها ثقة الشارع وجردها من كل شيء.
ظل البعض يلح على عدم التماهي مع الحكومة والنظام وكأن هذه المنظومة الطارئة قد صارت حالة ناجزة يمكن معارضتها من أي موقع كان.
أدخلنا إعلام صالح والحوثيين في معركة ليست معركتنا واستجبنا لتحدي إثبات المصداقية وعدم التحيز من قبل كائنات موصومة بلا شرف عاشت تطبل للاستبداد والفساد عقودا مديدة.
وتناسينا أننا قبلنا بالتعامل مع فساد هو ليس فسادنا وأعباء هي ليست أعباؤنا وفشل عميق قديم لا يسهل نبشه وتحريكه بما لدينا من إمكانات وحضور يكاد يكون هامشيا إذا قورن بحضور المنظومة العتيقة،
وتورط البعض في مثالية ساذجة ترى الأخطاء الإجرائية جرائم كبرى
تستوجب اللعن متناسين أن كل هؤلاء الذين يشنون الحملات على بعض وزراء المشترك لأتفه الأسباب هم سبب رئيس في كل هذه الأزمات التي خنقتنا وأعاقت المسار عموما.
نريد عملا صحفيا وإعلاميا يستبطن تحديات المرحلة الراهنة
عملا لا يقطع صلته بالثورة ومفاعيلها ولا يتخلى عن مواصلة دوره التغييري بتحوله إلى معارضة قبل أن تصل الثورة والمقاومة إلى القليل مما تؤمل.
نريد عملا لا يستهدف تعرية الأحزاب التي مثلت الحامل الحقيقي للثورة والضامن الأكبر للتسوية السياسية. والحامل الأساس للمقاومة المجتمعية
ما كان يقوينا بالأمس كصحف معارضة وإعلام هو وجود الأحزاب
كنا نحن مصدر قوتها في القول وكانت هي ترجمان قوتنا في فضاء الفعل. وحين نستهدف الإجهاز على هذه الأحزاب وهي تؤدي مهمة استثنائية فرضتها الضرورة ولا تصلح معيارا للحكم عليها ولا مختبرا حقيقيا لها على صعيد الحكم. عندما نجهز على أدوات الفعل هذه ونحن مكشوفون أساسا وننطلق من فراغ هائل فمن نخدم يا ترى؟ غير الإنقلابيين ومن ياترى. غير المجموعات البدائية الرثة المستفيدة من تخلخل الثقة بالأحزاب السياسية التي ندبناها لمهمة تستدعي الإسناد والتعزيز؟
دافع إعلام صالح عن أخطاء وخطايا ثلاثة عقود من الحكم ولم نكن مستعدين للدفاع عن أحزاب معارضة التشارك جزئيا في إدارة بعض المؤسسات ضمن مرحلة هشة صعبة وخطيرة.
الثورات وحركات المقاومة تستدعي إعلاما مؤازرا مساندا داعما يكشف الحقائق بما يقوي فعل التغيير لا بما يضعف المسار برمته. إن النظر إلى هذه الظروف بمثالية أمر يجافي العقل والمنطق وسذاجة مضرة لا تنتصر إلا للفوضى ولا تقوي غير العبث واليأس العام.
أنا أسأل هل يمكننا أن نقدم أداء صحفيا وإعلاميا ناقدا وكاشفا يدافع عن الحياة السياسية بمكوناتها الرئيسية الفاعلة والمناهضة للانقلاب ويحاذر تقديم روافع التغيير هذه كحالات خيانية تواطئية وبما يوسع الهوة بينها وبين الجماهير ويضعف الثقة بها تمامًا؟
هل يمكننا أن نقدم عملا متناغما ومتوازنا نؤدي فيه أدوارا تصب في صالح تقوية المسار وإضعاف وإسقاط الانقلاب وإحباط كل المؤامرات المضادة؟
هل يمكننا وقد ضحينا بالعدالة مقابل الحل السياسي أن نضحي بقليل من المثالية الضارة؟
كان المشترك في أدبياته وخطابه العام يحذر على الدوام من المشاريع الصغيرة وأصحابها والمقلق اليوم أن نشهد عودة المشاريع الصغيرة والحقيرة والمدمرة إلى الواجهة بكل صلف وعنفوان مستغلة حالة الفراغ التي تبدو عليها الساحة حيث يخلي المشترك مكانه على صعيد المعارضة لتقفز تلك المشاريع إلى الواجهة وتراها فرصة سانحة للصعود يساعدها المزاج الحاد الناتج عن هذا المخاض العسير والمضني، يعينها كذلك الأداء السياسي المشلول والضعيف غير المستوعب للتحديات الكبرى كما يسندها إعلام هزيل يغرق في الجزئيات ويرى أنه ربما يشكل المعادل الموضوعي للمعارضة المنتقلة قسرا إلى مربع الشرعية في مواجهة انقلاب غاشم على الأرض وهنا يبدأ الإشكال. إذ نقف إزاء معادلة مختلة ضمن ظروف صعبة وركام من المشكلات العصية وانقسام مجتمعي حاد وارتهانات خارجية وبقايا نظام وخرائب دولة ومنظومة قديمة تتحكم في العمق بصورة تستعصي على الفهم في كثير من الأحيان
هنا على إعلام الثورة والمقاومة ألا يتخلى عن مهماته الوطنية عليه أن يحمي خيارات التغيير وأدوات الفعل، قوانا الوطنية يجب ألا تتحول إلى هدف لم يحن الوقت لكي تدركها لعنة الحكم، هي الآن لا تزال في مسار التضحية تعاني من تبعات الدور الذي قبلته بمبررات وطنية محضة
وهي الآن في هذا المربع قابلة للاستضعاف حيث تتقلص خياراتها في الرد والدفاع عن ذاتها بمقتضى الضرورة. وهي الآن أقل قدرة من أن تعطي وتمنح الناس كل ما يأملونه، وهي الآن في اختناق شديد تبعا للاختناق العام وكل استهداف لها أو لشركائها الفاعلين إنما يصب في صالح إنعاش المشروعات المدمرة الناقمة وتسويقها لشارع يائس وجاهز للارتكاس المعادلة صعبة.
حلف الانقلاب والمشاريع الانفصالية الفوضوية داعش والقاعدة والوسائل الإعلامية المضادة والأخرى الممولة من دول وجهات خارجية والانحيازات المجتمعية الفادحة، جبهات حرب مفتوحة ومخاطر تحوم حول وطن مثخن ينتظر عداته فقط إزاحة حراسه وحماته الحقيقيين كي يتم الإجهاز عليه بالكامل.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
1470
| 20 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم القرآنية، حتى جعله الله مقرونًا بعبادته في قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، فجمع بين التوحيد والإحسان إليهما في آية واحدة، ليؤكد أن البرّ بهما ليس مجرّد خُلقٍ اجتماعي، بل عبادة روحية عظيمة لا تقلّ شأنًا عن أركان الإيمان. القرآن الكريم يقدّم برّ الوالدين باعتباره جهادًا لا شوكة فيه، لأن مجاهد النفس في الصبر عليهما، ورعاية شيخوختهما، واحتمال تقلب مزاجهما في الكبر، هو صورة من صور الجهاد الحقيقي الذي يتطلّب ثباتًا ومجاهدة للنفس. قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، فحتى في حال اختلاف العقيدة، يبقى البرّ حقًا لا يسقط. وفي الآية الأخرى ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، يربط القرآن مشاعر الإنسان بذاكرته العاطفية، ليعيده إلى لحظات الضعف الأولى حين كان هو المحتاج، وهما السند. فالبرّ ليس ردّ جميلٍ فحسب، بل هو اعتراف دائم بفضلٍ لا يُقاس، ورحمة متجددة تستلهم روحها من الرحمة الإلهية نفسها. ومن المنظور القرآني، لا يتوقف البرّ عند الحياة، بل يمتدّ بعد الموت في الدعاء والعمل الصالح، كما قال النبي ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... « وذكر منها «ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم). فالبرّ استمرارية للقيم التي غرساها، وجسر يصل الدنيا بالآخرة. في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتبهت فيه العواطف، يعيدنا القرآن إلى الأصل: أن الوالدين بابان من أبواب الجنة، لا يُفتحان مرتين. فبرّهما ليس ترفًا عاطفيًا ولا مجاملة اجتماعية، بل هو امتحان للإيمان وميزان للوفاء، به تُقاس إنسانية الإنسان وصدق علاقته بربه. البرّ بالوالدين هو الجهاد الهادئ الذي يُزهر رضا، ويورث نورًا لا يخبو.
1383
| 14 نوفمبر 2025