رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

1320

سعدية مفرح

غواصة الموت بالإثارة.. هل من مزيد؟

26 يونيو 2023 , 02:00ص

مرة أخرى يواجه العالم اختبارا إنسانيا بسيطا، على فداحة النتيجة. هذه المرة كان الحادث عبارة عن رحلة مثيرة في غواصة فريدة من نوعها اسمها تايتان يستقلها خمسة من أثرياء العام متوجهين الى أعماق المحيط لاكتشاف حطام سفينة تايتانك الشهيرة والتي تحولت إلى ما يشبه الأسطورة، فينتهي بهم الأمر الى مصير من المتوقع أنه سيتحول لاحقا إلى ما يشبه الأسطورة أيضا.

خبر نهاية الرحلة، التي بدأت مع بداية الأسبوع الماضي وانتهت قبيل نهايته، أصبح الآن معروفا بعد أن أعلن عن موت جميع من كان في الغواصة التي لم تصل الى هدفها، بل «انبجرت»، وهذه مفردة تشير إلى مصطلح لغوي انتشر للتو ويعني الانفجار إلى الداخل!

طبعا لا أحد حتى الآن يعرف ماذا حدث داخل الغواصة قبل أن ينتهي بها الأمر الى هذه النهاية المأساوية، ورغم أن كثيرين نظروا للحادثة باعتبارها نموذجا للترف بعدة مستويات مقارنة لها بحادثة أخرى كان أبطالها سبعمائة من المهاجرين من أوطانهم إلى بلاد كانوا يعتقدون أنها ستوفر لهم فرصا أفضل للحياة عبر خيار اللجوء.

لقد تزامن خبر فقدان ومن ثم انبجار غواصة تايتان بركابها الخمسة الأثرياء مع خبر غرق سفينة اللجوء بركابها الفقراء. ولأن معظم وسائل الاعلام وجمهورها قد انشغلوا بغواصة الأثرياء على حساب سفينة الفقراء، فقد بدا الأمر وكأنه انحياز عالمي للثراء على حساب الفقر، تواطأ فيه الجميع، بقصد ومن غير قصد، فحتى من رصد هذا السلوك وانتقده ساهم فيه من حيث لا يدري. لكن قراءة الخبرين بهدوء بعيدا عن العاطفة المنحازة لمن يشبه صاحبها، تشير إلى زوايا أخرى لفهم ما حدث!.

فهناك مستويات كثيرة يمكن أن يقرأ فيها الاهتمام الذي حظيت به الغواصة على حساب السفينة بغض النظر عن مستوى ركابهما ماديا. إن غرق سفينة اللجوء أصبح، للأسف الشديد، من الأخبار المتكررة بين آونة وأخرى، ما جعله يفقد الكثير من جاذبيته الخبرية، فالقصص على تلك السفينة تكاد تكون قصة واحدة تكررت تفاصيلها في السنوات الأخيرة عندما اكتشف كثيرون أن طرق النجاة مما يعانونه في بلدانهم المنكوبة بالحروب الأهلية والخارجية والفقر والظلم تؤدي كلها الى الهجرة، ولأن معظم هجرات المهاجرين غير شعرية وفقا للمفهوم القانوني الحديث، فإن ظروفها غالبا ما تكون غير آمنة، وهو ما يجعلها عرضة لتلك النهايات المأساوية قبل وصول الوجهة النهائية.

لقد تكررت حوادث غرق سفن اللاجئين حتى أصبحت صور جثث الأطفال منهم وهي ملقاة على شواطئ اللجوء من صور العام الشهيرة في السنوات الأخيرة.

أما أن يبادر خمسة من أثرى أثرياء العالم لركوب غواصة في رحلة لم يؤكد أحد درجة الأمان فيها، كما يبدو، وأن يدفعوا مقابل ذلك ربع مليون دولار لكل منهم، وأن يحشروا أجسادهم في تلك الغواصة حشرا لعدة ساعات بهدف استكشاف، عبر شاشة صغيرة بمقدمة الغواصة، حطام سفينة غارقة قبل ما يقرب من قرن من الزمان وهي تقبع منذ ذلك الحين في قاع المحيط، فهذا هو الخبر الحقيقي في عالم الصحافة، خاصة وأن ذلك الحادث بتلك التفاصيل المثيرة فيها من الحوادث النادرة في عوالم البحر والأثرياء والإعلام والموت أيضا.

أما وقد فقد الاتصال بتلك الغواصة قبل أن تصل الى وجهتها بقليل، وبقي مصيرها ومصير من فيها مجهولا لعدة أيام، وبقيت عيون العالم كله على عداد الأوكسجين المتبقي افتراضيا في الغواصة والمثبت على شاشات التلفزيونات والهواتف الذكي، والخيالات العجائبية لقصص الأثرياء الخمسة، وتخيل ما الذي يجري لهم بانتظار الموت أمام بعضهم البعض في تلك العلبة الحديدية المقفلة عليهم من الخارج، وتفاصيل أخرى كثيرة، فهي الإثارة بعينها في عالم كلما التهم المزيد من الإثارة صاح؛ هل من مزيد؟.

مساحة إعلانية