رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

795

د. فاتن الدوسري

ترامب وتدمير إرث بايدن في الإندو- باسيفيك

26 ديسمبر 2024 , 02:00ص

كانت سياسة حشد أو بناء التحالفات السمة الأبرز على الإطلاق لسياسة بايدن الخارجية. ومنطق بايدن أو الديمقراطيين عموما في بناء التحالفات يتلخص في أمرين: إن الحفاظ على الهيمنة الأمريكية يقتضى بناء هذه التحالفات الداعمة لكى لا تتحمل الولايات المتحدة وحدها عبء القيادة. والثاني، أن الولايات المتحدة لا تستطيع مواجهة الصين وحدها، فالحلفاء والشركاء ضروريون لمواجهة خصم قوى عنيد كالصين.

 وتركزت معظم تحالفات بايدن في منطقة الإندو-باسيفيك أو المحيطين الهندي-الهادئ؛ فحسبان أن تلك المنطقة تعد الركيزة الأساسية في سياق الحرب الباردة بين الصين وواشنطن على الهيمنة الدولية. وعلى أساس ذلك، قامت إدارة بايدن بإعادة تصنيف وضعها في المنطقة كجزء أساسي منها «أمريكا دولة إندو- باسيفك». كما قامت بعملية إحياء موسعة للتحالف الأمني الرباعي «كواد»، وتأسيس تحالف «أوكوس» الأمني. والتحالفان كانا نواة لتأسيس ما يسمى «الناتو» الآسيوي. فضلا عن ذلك، انخرطت في شراكات موسعة مع الهند والفلبين وفيتنام وتجمع الآسيان. وقدمت للأخير مساعدات مالية تقدر بأكثر بمائة مليون دولار.

 ومن هذا المنطلق، نجح بايدن في تكوين إرث صلب من التحالفات والشراكات مدعوم بانغماس أمريكي سياسي واقتصادي ومالي في المنطقة غير مسبوق. مطويا بذلك صفحة سوداء من الجفاء الأمريكي تجاه المنطقة في ولاية ترامب الأولى.

 لا يختلف ترامب عن بايدن في مسألة حتمية تقويض الصين فهي من المسائل المحدودة للغاية التي يتوافق عليها الحزبان الديمقراطي والجمهوري. بل إن بايدن قد واصل بعنف ما ابتدعه ترامب من سياسات لمواجهة الصين وتحديداً الحرب التجارية والتكنولوجية.  لكن مكمن الاختلاف الرئيسي بين الجمهوريين والديمقراطيين يكمن في سياسات مواجهة الصين، فالجمهوريون لا يفضلون سياسة بناء التحالفات. وزد على ذلك أن ترامب لديه نهجه الخاص أيضا في مواجهة الصين يستند بالأساس على الحرب التجارية.

 فمن غير المتوقع أن شخصا مثل ترامب لاسيما بعد انتصاره الكاسح أن يعدل عن نهجه المعتاد عدا بعض التغيرات التكتيكية أو الحيوية. ومع ذلك أيضا، قد بادر ببعض الأمور التي تعكس بؤرة أولويته الرئيسية في سياق نهجه التقليدي وهى الاقتصاد وسلاح الحرب التجارية. حيث صرح علانية بفرض تعريفات جمركية عالية ليس على الصين فحسب، بل على بعض الشركاء مثل كندا والمكسيك. كما هدد دول البريكس المتطلعة للتخلي عن الدولار.

 يضاف إلى ذلك، أولوية ترامب لمواجهة اخطر تحد يواجه الولايات المتحدة وهو التدني الاقتصادي الحاد خاصة التضخم ومن الإجراءات اللازمة كما أعلن لمواجهة هذا التحدي إعادة توطين الصناعات الأمريكية. ويليها تحدي الهجرة أو خطة ترحيل المهاجرين. ناهيك عن ذلك، كرد ترامب أكثر من مرة مقولته المشهودة المتعلقة بضرورة دفع الحلفاء مقابل الحماية خاصة الأوروبيين.

 وعلى هدى ذلك، يرسم ترامب معالم سياسة إهمال شديد للإندو-باسيفيك خاصة لإرث التحالفات القوى الذى أسسه سلفه. فابايدن قد رسخ هذه التحالفات على أساس القيم المشتركة أو الديمقراطية تحديدا، والالتزام بالدعم الكامل خاصة المادي لتلك التحالفات ودولها. فإدارة بايدن قد دعمت أوكرانيا بما يقرب من 60 مليار دولار في إطار الحفاظ على الالتزام الأمريكي بدعم الحلفاء.

 وهذا الأمر أو الدعم تحديدا لا يمكن تصوره في ظل قيادة ترامب، بل على عكس ذلك سيعمل ترامب جاهداً على استنزاف الحلفاء. ستكون محصلتها ضعف هذه التحالفات وربما تفكيكها، وذلك أسوة بكواد الذى تحول في عهد ترامب إلى مجرد منتدى لوزراء الخارجية لتبادل النقاشات التقليدية دون تفعيل سياسات على أرض الواقع.

 والمخاطر الناجمة عن تدمير إرث تحالفات بايدن سيكون لها تبعات شديدة السوء على مستويات عدة. يكمن أهم خطر في صعوبة ترميم تلك التحالفات والشراكات مرة أخرى حتى في ظل إدارة ديمقراطية في المستقبل. فحبل الثقة بين واشنطن وحلفائها الذى أعاد أوصاله بايدن بصعوبة شديدة، سيتمزق نهائيا، مع علم الحلفاء أن المزاج العام الأمريكي الانعزالي الذى يجسده ترامب في نمو مرعب داخل الولايات المتحدة. بينما تكمن الخطورة الثانية، في منح الصين الفرصة الذهبية لجذب دول التحالف إلى شبكة تحالفاتها وترتيباتها خاصة في الباسيفيك، لاسيما دول تتبع ما يسمى «التحوط الاستراتيجي» في علاقاتها بين بكين وواشنطن كالفلبين وماليزيا وسنغافورة وفيتنام. دول أخرى كأستراليا وكوريا الجنوبية ستضطر إلى الانخراط في شراكات اقتصادية مع الصين.

 ملخص القول، تعد سياسة بناء التحالفات العمود الفقري أو السياسة الواقعية لاحتواء الصين، وباقي السياسات الأخرى تعد مكملة لها. وبالتالي، فالإجهاز على التحالفات الأمريكية سيعمل على عكس ما يعتقد الكثيرون على تقوية الصين خاصة توسيع رقعة نفوذها السياسي والاقتصادي.

مقالات ذات صلة

مساحة إعلانية