رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قبل أن يبدأ قلمي بسرد حكاية اليوم من خلال مقال (الزاوية الثالثة) الذي يطل عليكم صباح كل سبت؛ محملاً بالكثير مما يسعى إلى إحداث التغيير المطلوب في حياة الجميع، فلابد وأن أذكركم بأن العلاقة التي تربطني بكم تعتمد على المنفعة المتبادلة؛ وعليه فإن كل ما يخرج مني ويكون لكم يهمني بقدر ذاك الذي يخرج منكم ويكون لي وفيه من الفائدة الكثير؛ ولأن الأمر يسير على هذا النهج فلقد توجب علي ذكر التالي: بعد مقالي الأخير الذي طل عليكم من خلال هذه الصفحة وردتني بعض الردود حول الموضوع الذي طرحته حينها (الصداقات الحقيقية)، وكان منها (تلك الردود) ما حمل في جوفه الشكر والتقدير، وتساؤلات عديدة حول إمكانية تواجد شخصيات على أرض الواقع تتمتع بتلك السمات التي تُميزها وتجعل لها قيمة عظيمة، وبين إعجاب صاحب الرسالة بتلك السمات المُذكورة في الصفحة ومن خلال المقال من جهة، وغيابها عن أرض الواقع من جهة أخرى فلقد ارتطم الأخ الفاضل –على حد قوله- بحقيقة مؤلمة وهي أن ما قد كُتب هو مجرد وهم لا حق له بأن يكون، والدليل أن الحياة تخلو من الشخصيات التي تتمتع بذات السمات، التي تستطيع منح غيرها الأمان الذي تمت الإشارة إليه في المقال، وبدت غائبة عنه فعلاً، وإلا فأين يمكنه العثور عليها؟ إن ما قررت طرحه اليوم ليس موجهاً لذاك الأخ فحسب، ولكن لكل من يتابع هذه الصفحة، فالفائدة من حق الجميع؛ لذا إليكم التالي: الحياة هي ذاتها هنا وهناك، والاختلاف الذي يكون منها يعتمد على الزاوية التي تحتضن وجودنا، وتمنحنا رؤية حصرية خاصة بها فحسب؛ ليسكب كل واحد منا ما فيه، فتأتي الردود من بعد ذلك مختلفة جداً بحسب ما يراه ويكون صحيحاً ومعتمداً في صحته على زاويته التي تُمثله وتغطي احد جوانب الحقيقة فقط، وليس كل ما فيها، وهو ما يصل بنا إلى أماكن مختلفة تُكسبنا صبغة مختلفة عن غيرنا، وهو ما لا يهم بتاتاً طالما أننا ندرك شيئاً من الحقيقة، ولكن ما يهم فعلاً هو أن نُدرك أننا لا نعرف سوى القليل وهناك الكثير مما يغيب عنا؛ لأننا نراقب من زاوية مختلفة متى غيرناها أدركنا المزيد مما لم نكن لندركه من قبل، وسنتمكن من اطلاق أحكامنا بشكلٍ صحيح بعدها، والمعروف أن ما نطلقه من أحكام يعتمد على ما نراه وعلى الزاوية التي تخصنا، وهو الوضع ذاته مع النماذج التي تعترضنا في الحياة ويكون منها ما يُسعدنا وما يُتعسنا، والخلاصة أن ما تراه يا عزيزي القارئ هو ما تريد أن تراه فقط، وليس ما يُفرض عليك؛ لذا وقبل أن تؤكد على حقيقة أن النماذج الجيدة غائبة عن أرض الواقع تأكد من صحة تلك المعلومة بتغيير زاويتك وذلك بالبحث عن زاوية أخرى يمكنك منها معرفة ما يدور وفاتك منه الكثير، وحتى تفعل أنت ومن يعاني من ذات المشكلة سننتقل للجزء الثاني من مقال اليوم.
لا تعتمد الحياة الزوجية على طرف دون آخر؛ لأنها وإن فعلت فلن تتمكن من السير في الاتجاه الصحيح وبخطوات سليمة وثابتة تُمكنها من الوصول إلى بر الأمان وحيث تريد، حتى تلتزم النفوس بما عليها من مهام تبدأ بنبذ الرغبات الشخصية والمصالح الخاصة، وتتفوق عليها عن طريق فتح الباب للتكاتف الجاد الذي يفرض حالة من التلاحم الحقيقي القادر على إدارة الأمور على خير وجه، فمعظم الخلافات القائمة في البيوت تعتمد على عنصر غياب التلاحم الحقيقي، الذي تنصهر معه المصالح الخاصة؛ لتصبح كل الأشياء (ومن بعد) مشتركة حتى الهموم، التي وإن صارت كذلك فإن إمكانية إيجاد الحلول المناسبة لمعالجتها –وبسرعة فائقة- تصبح أقوى بكثير، فالطرف المُقصر وإن شعر بشيء من التقصير وهو يغتال وجوده لن يظل كذلك بوجود من يُشاركه، وبغياب ما يمكن بأن يقف أمام تلك المُشاركة الناجمة عن التلاحم، الذي أتحدث عنه، وتحتاجه الحياة الزوجية في كل زاوية من زواياها، التي وإن غاب عنها ولأي سبب من الأسباب فإن الحياة ستكون مجرد كذبة لن تعيش طويلاً، وسرعان ما ستبتلع لحظاتها؛ لينتهي كل شيء نرغب له بـ (الامتداد)، الذي سنحصد أثره على المدى القريب والبعيد أيضاً متى سارت الأمور كما يجب، وهو ما لا يعتمد إلا على أصحاب الشأن، الذين يدركون متى يجدر بهم فعل ماذا؟ الحياة الزوجية رقعة لها خصوصيتها؛ لذا ما يحدث فيها يظل هناك، ولا قدرة لأي أحد على معرفة ما يدور في الداخل، أو الكيفية التي تسمح للحياة بأن تستمر، وعلى الرغم من أن هذا الموضوع قد خضع لدراسات عديدة إلا أن الحلول الناجعة والقادرة على تغيير الحياة للأفضل تعتمد على خلطات سرية جداً لا تكون إلا من بعد التجارب الحقيقية ذات المحاولات الجادة والقائمة على سياسة النفس الطويل، ويجدر بنا تكبد عناء البحث عنها؛ لأخذ العبرة منها، واعتمادها كمرجع نرجع إليه بين الحين والآخر، ويمكننا التعرف على القليل منها من خلال ما قد وصلنا منكم، وعليه إليكم ما هو لكم أصلاً.
من همسات الزاوية
أحياناً تبدو عقدة الشعور بالذنب حيال أمر سبق لك وأن أخطأت فيه بشكلٍ أو بآخر خانقة جداً، ومزعجة جداً جداً؛ لأنها تلازمك كل الوقت؛ لتُذكرك بما كان منك دون أن تفسح الطريق أمام مشروع نسيان كل ما حدث وتسمح له بالعبور؛ لذا تشعر وكأنك في نفس المكان وإن رحلت بك الخطوات نحو البعيد، وعلى الرغم من وقع تنبيهها المزعج والذي يكون منها ويبدو (قاسياً) تحديداً في المواضع التي تتطلع إلى نسيانها بكل ما فيها من تفاصيل، إلا أن النتيجة التي تخرج بها من ذاك التنبيه -الذي يتحول لمنبه يسعى إلى إيقاظك فتبقى على اتصال بالعالم دون أن تنسى أنك منه وفيه- تكون أكثر من رائعة؛ لأنها تُذكرك متى نسيت، وتُقربك متى ابتعدت، والحق أن لتلك العقدة فائدة عظيمة ستفلح وتنجح بسببها حين تربطها بك وبشريك حياتك، الذي يحتاج إليك ولكنك تلتفت لأمور أخرى تحسبها أفضل وأهم، فتجد تلك العقدة وهي تُنبهك لذاك الآخر الذي يبحث فيك عن شريك يقاسمه الحياة ويعيش معه تفاصيلها كما يجب ويحب. وأخيراً تعلم معنى المُشاركة فهي القاعدة الأساسية التي تقوم عليها الحياة الزوجية المشتركة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
11241
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1704
| 21 نوفمبر 2025