رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
• شارك صاحب السمو أمير قطر حفظه الله كعادته منذ سنة 2013 ككل سنة في أشغال وأنشطة وجهود الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة التي سبقها في دورتها 79 الراهنة انعقاد مؤتمر المستقبل، وهو كما قال السيد (غوديريش) الأمين العام مخصص لتوضيح معالم مصير العالم في مرحلة تاريخية معقدة تهدد البشرية خلالها بالحروب والأزمات والمجاعات، مع العلم أن هذا المصير تقرره وتحلله كل دول المنظومة الأممية، لأنه ما من أحد يضمن لنفسه السلامة والأمان لو انعزل عن بقية الدول بينما نحن جميعا في عين العاصفة.
وطبعا كانت قطر حاضرة بمشاركة معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الذي تكلم بلسان الحكمة والتمسك بالقانون الدولي والشرعية الأممية بتوجيه من صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ونذكر أن الخطب التي ألقاها سموه من على منبر الجمعية العامة قررت المنظمة اعتبارها وثائق مرجعية تحفظ في أرشيف الأمم المتحدة، والسبب كما نعلم هو تقدم دولة قطر في الطليعة لدعم كل مؤسسات الأمم المتحدة وتدشين أمينها العام لبيت الأمم المتحدة الذي أنشأته قطر في الدوحة ليأوي في صلبه جميع جهودها الإنسانية لمقاومة الإرهاب ونجدة الشعوب المنكوبة بالحروب والمهددة بالأوبئة والمجاعات.
* والمشاركة القطرية ليست موسمية بل يومية بفضل نشاط سعادة الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني ومساهماتها في كل المؤتمرات والندوات التي تنظم في نيويورك من أجل تحقيق غايات السلام والأمن الدوليين.
وجاء الخطاب الأميري المنتظر في موعده يوم الثلاثاء ليحرك السواكن ويصدع بالحقائق فكان بحق صوت الشعوب العربية والمسلمة بعيدا عما تعود عليه الآخرون من حذر دبلوماسي ومجاراة لرغبات القوى العظمى، فأعلن العديد من الخبراء الفلسطينيين والعرب أن سموه عبر عما يخالج ضمائر جماهيرنا في كل مكان، ومن بين هؤلاء الخبراء الدكتور عبد الحميد صيام الملاحظ للتحولات الكبرى في اللغة والمضامين اللتين طبعتا مواقف دولة قطر في كل المناسبات الأممية وخصص الشيخ تميم بن حمد حيزا محترما هو الأكبر للقضية الفلسطينية لإيمان سموه بأنها القضية المركزية والتي لو تواصل إنكارها أو تدليس تاريخها تصبح التهديد الأخطر للسلام العالمي. وهنا أعلن الأمير حفظه الله، أن أصل الأزمة هو الاحتلال، وأكد أن من يقول اليوم بأنه يساند إسرائيل في حقها في الدفاع عن أمنها هو في الواقع شريك في العدوان وفي حرب الإبادة؛ لأنه ينكر على الفلسطينيين حقهم في مقاومة الاحتلال بينما هم أصحاب الأرض ولدوا عليها وتشبثوا بها كما رأينا حتى فوق أنقاض ديارهم وعلى جثامين شهدائها من المدنيين، ومؤكدا سموه أن حل الأزمة الشرق أوسطية المعقدة يبقى الاعتراف بدولتين تتعايشان بسلام وتكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية كاملة السيادة واستقلال الخيارات.
ومن جهتها تابعت وسائل الإعلام العربية والعالمية باهتمام كبير الخطاب الذي ألقاه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين التي عقدت هذه الأيام في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث أفردت له مساحات واسعة من تغطياتها الإخبارية.
كما أبرزت وسائل الإعلام القضايا العربية والدولية التي تضمنها الخطاب مركزة على قول سموه حفظه الله، إن دولة قطر تواصل تمسكها بالموقف المبدئي من عدالة القضية الفلسطينية التي أصبحت امتحانا لمصداقية ساسة دول العالم تجاه منطقة الشرق الأوسط. فتحت عنوان: «أمير قطر يؤكد التزام بلاده بمواصلة الجهود في صناعة السلام وتيسيره» أشارت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) إلى تأكيد حضرة صاحب السمو أمير البلاد «ضرورة حل النزاعات بالطرق السلمية معلنا التزام بلاده بمواصلة الجهود في تيسير وصناعة السلام».
ونقل رؤساء تحرير الصحف القطرية على القناة القطرية أهم الجمل الجريئة التي وردت على لسان سموه ومنها: «أوقفوا العدوان على غزة وعلى لبنان، والقوة لا تلغي الحق والحرب لن تجلب السلام، ثم الوساطة خيارنا الاستراتيجي وواجبنا الأخلاقي، والباحثون عن إدارة غزة بعد الحرب يريدون تفصيل المنطقة على قياس إسرائيل، وتبقى فلسطين عصية على التهميش لأنها قضية سكان أصليين، وتأكيد سموه أن الأونروا تعرضت الى افتراءات لتصفية قضية اللاجئين، ثم قال سموه «إن الاحتلال نظام فصل عنصري في القرن الحادي والعشرين ومع الأسف لم تستنتج الدول الكبرى بعد الكارثة ضرورة وقف الحرب، مؤكدا سموه أن زوال الاحتلال ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير ليس منة أو مكرمة من أحد.
وعلق رئيس تحرير جريدة «الشرق» الزميل جابر سالم الحرمي بالقول: إن الأمير كشف للعالم همجية العدوان على غزة ومما قاله سموه حفظه الله: «نحن نعارض العنف والتعرض للمدنيين الأبرياء من أي طرف كان ولكن بعد مرور عام على الحرب ومع كل ما يرتكب لم يعد بوسع أي مسؤول الادعاء أنه لا يعلم، فالحقائق معروفة والتقارير عن قصف المدارس والمستشفيات واستخدام الغذاء والدواء سلاحا تصدر عن منظمات دولية ونوايا القادة الإسرائيليين منشورة وتقال على رؤوس الأشهاد.
ولذلك فإن عدم التدخل لوقف العدوان هو فضيحة كبرى. وأضاف سموه أنه في كل عام يقف على هذا المنبر ويبدأ كلمته بالحديث عن قضية فلسطين وغياب العدالة ومخاطر الاعتقاد أنه يمكن تجاهلها وأوهام السلام من دون حلها حلا عادلا قائلا: «فعلت ذلك كل عام في الوقت الذي باتت قضية فلسطين تغيب عن خطابات ممثلي قوى رئيسية في عالمنا وثمة من يغريه احتمال تهميش هذه القضية والاستراحة من همها أو زوالها بدون حلها! لكن قضية فلسطين عصية على التهميش لأنها قضية سكان أصليين على أرضهم يتعرضون لاحتلال استيطاني إحلالي رغم إصرار السلطات الإسرائيلية على فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين وعلى العالم بكل أنواع القوة، لقد أطلقت الحرب الوحشية الجارية رصاصة الرحمة على الشرعية الدولية، وألحقت أضرارا فادحة بمصداقية المفاهيم التي قام على أساسها المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. كما قرأنا وعشنا الحدث وجرأة صاحب السمو الأمير في الصدع بالحق دون حذر، تعودنا أن نصفه بالدبلوماسي للهروب من مواجهة الواقع والمشاركة بوعي أو دون وعي في طمس الحقوق أو نكرانها وهي الحقوق الشرعية لشعب أصبح اليوم يحتل مقعدا بين الدول في المنتظم الأممي.
هذه أهم الحقائق التي صارح بها سمو الأمير كل مسؤولي الدول الحاضرين في الجمعية العامة أينما كانوا وكيفما كانت مواقفهم وبسبب تلك الصراحة وذلك الوضوح وصفت نشريه (وورلد نيوز) الخطاب الأميري بكونه إلقاء حجر في بحيرة أسنة كان مفعولها سريعا يوقظ الضمائر ويحرك المواقف ويغير الاتجاهات. ومن قلوب جميع الفلسطينيين والعرب والمسلمين نهتف ألف شكر وتقدير يا سمو الأمير وعشت للحق نصيرا وبحقوق الأمة بصيرا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
807
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025