رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أرثي زمانك يا أبي، وزمان جدي وجد الجد ومن كانَ، ضاع الرجاء يا رسولي وصحبه أبناء أمتك لا عمرَ ولا عثمانَ.
يتكبد المجتمع وطأة جيل أملد أجوف أرعن نأى بعيدا عن الأخلاق والشهامة والمروءة التي كانت دستورا للتربية الحقة، وعمادا للتنشئة الفضلى وصكاً يوثق تخريج النشء ليواجه متقلبات الحياة المتباينة بمبادئ ومعايير أخلاقية راسخة لا تعبث بها رياح التغيير الجافلة.
جيل اتخذ معظمه من الاتكالية والأنانية وسما له، وتدثر بغطاء الحرية الشخصية الزائفة، واستوثق بكل رؤية حديثة عوجاء، وانكب عليها كما تنكب البهيمة على طعامها فلا تميز غثه من سمينه، فبالغ همها أن ترضي نهمها وتشبع حاجتها.
ولست هنا أحمل هذا الجيل كامل المسؤولية، فالجزء الأكبر من اهمال مسؤولية هذا الجيل وضياعه يقع على بعض الآباء الذين نبذوا أدوارهم وتملصوا من تعهداتهم العظيمة.
فالآباء لا يقلون شأناً عن أبنائهم في استسهال التسليم لآفات العصر الحديث، وتأثيراتها اللامحدودة عليهم، بل أضحى شماعة للآباء ومرهماً مخدراً يسكن إحساس التقصير الذي يخالجهم طوال الوقت.
ولا ننسى أن نشير هنا إلى أن هذه الآفات من الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والمحمول وغيرها دخيلة على الأسرة، التي يفترض أن تكون حصناً منيعاً يحفظ الأبناء من كل دخيل قد يزعزع عقيدتهم ومبادئهم وأخلاقهم، ولا شك أن الأمواج عاتية، ومخالبها دامية، يتعذر مجابهتها أو ردعها، وقد تؤدي الاستجابة الكاملة لها وترك الأبناء في براثنها إلى الغرق، فالمقاومة ضرورة والرقابة حاجة وقائية لا بد منها.
ومما ساهم في وهن معظم ابناء هذا الجيل العاطفة المفرطة عند الآباء، الأمر الذي أبطأ نضوج الأبناء، فالحرص الزائد والإفراط في الدلال واللين والرعاية الزائدة لا تخلق شباباً قوياً يعتمد عليه بل إن نتائجها تظهر وبشكل جلي بين بعض شرائح المجتمع، حيث استرجلت الفتيات واستأنث الذكور!.
ولقد ارتضى بعض الآباء الخضوع والتسليم كأسلوب لاختزال المشقة التي يكابدونها في تربية الأبناء، إذ إن أسهل الطرق لشراء الراحة هي الاستسلام للصعوبات والخنوع لها، وتناسوا أنهم سيجنون حصاد ما زرعوه.
وعجبي لآباء يتفاخرون بإنجاب الأبناء الذكور منهم والإناث ثم لا يشكرون الله على نعمته فيتقون الله في تربيتهم!.
فكثيرا ما يُترك الأبناء دون توجيه أو حزم، مهابة أن تتأثر نفسياتهم، أو مخافة أن تصيبهم العقد النفسية، ثم يترقب الآباء أن يكبر الأبناء فيصلحوا من ذات أنفسهم! ولم يدركوا أنهم بذلك يفسحون المجال لعاداتهم السيئة وممارساتهم المغلوطة وأفكارهم الملوثة وسلوكياتهم المضطربة أن تتأصل وتنمو فيصعب تغييرها أو التعامل معها.
وكيف لا يذعن آباء نبذوا التزاماتهم ولاذوا فراراً ليعانقوا هواتفهم وأجهزتهم فيأخذوا نصيبهم من ذلك الإدمان، وتلك اللذة التي توفرها لهم مختلف التطبيقات التي تستهدف الجميع فلا تبقي ولا تذر!.
ناهيك عن أوقات أمتع وأجمل يقضونها بين المقاهي والمطاعم بصحبة الأصدقاء والانشغال بالحياة الاجتماعية وممارسة الهوايات والسفر والبحث عن الجمال، فقد يجدون الوقت لكل شيء يشتهون إلا الأبناء!.
ولا ننكر أن تقهقر السيطرة وتطبيق مبدأ الحرية الشخصية البحتة للأبناء كان باعثاً قوياً لاندثار قيم عظيمة، كالإيثار والتضحية ومراعاة شعور الآخرين والإحساس بالمسؤولية، وكذلك ضمور الروابط الأسرية المتينة، إن تكرار الآباء لمثل هذه المبادئ البعيدة كل البعد عن تعاليمنا وتقاليدنا وأعرافنا يساهم في تأصلها في نفوس وعقول أبنائنا فمن منا يعيش حرية مطلقة؟! فجميعنا ملتزمون بأمور ديننا ودنيانا، بداية باتباع أوامر ونواهي الخالق عز وجل، وتقيدنا له بالعبادة والطاعة، وامتثالنا بالقيم والأخلاق التي دعانا إليها حبيبنا ونبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث نقبل عليها بحب مستسلمين لله قولاً وعملاً، ونهاية بارتباطنا بالعمل وقوانينه، وأحكام وأعراف المجتمع، وبالمسؤوليات والواجبات والتكاليف الأخرى تجاه أنفسنا والآخرين، فإذا لم نكن حازمين فيما سبق فهل للغض الغرير أن يقبض على دينه وأخلاقه وعمله ويفي بالتزاماته؟! كيف وقد أفعم بمفهوم الحرية البحتة، فأصبح لا يطيق قيداً ولا يتحمل حدودا ولا يتكلف صبرا.
إن من المؤكد أن الزمن يتغير والأحوال تتطور وهذه طبيعة كونية، يستحيل إنكارها، غير أن الأخلاق الواجبة شرعاً وإنسانياً لا تتقاطع مع التطور والتقدم، فيتحتم على الآباء أن يلزموا بها الأبناء قدر المستطاع، ولا يؤثر في اقتضائها تغير الزمان، فالإنسان هو الإنسان لا يتغير في مشاعره وإحساسه وحاجاته، إنما يحدث التغير في تفاوت ودرجات الجوانب الآنف ذكرها، حيث إن جوهر الإنسان لا يتغير وإن تبدل الكون من حوله.
وبجانب ما ذكر فإن قلق بعض الآباء من أن يكون الأبناء امتدادا لهم ورهبتهم من تأثيرات القسوة عليهم فتركوا لهم الحرية على مصراعيها، وأبقوا لهم التفرد والخصوصية المبالغ فيها وتنحوا عن أدوارهم التي تتخطى توفير حاجاتهم الأساسية، مما جعلهم فريسة سائغة للمؤثرات الخارجية، فمالوا لأصدقائهم واتبعوهم حتى أضحوا "كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً"، وتعلقوا بعادات غريبة وقيم دخيلة أفسدت فطرتهم فضلوا سبيلهم واتبعوا أهواءهم وتتبعوا كل ناعق أعوج فأصبح قدوة لهم، وساروا خلف كل مشوه فأصبح أسوة لهم، لا يتدبرون في ذلك ولا يتفكرون ولا يعملون عقولهم، وإن خالف عقيدتهم وأعرافهم، فهم ماضون خلفه كالثور يدور في الساقية.
وماذا جنينا بعد كل هذا؟
فها نحن نحصد نتاج سوء التربية والإهمال والاستسلام والإذعان، ها قد برز هذا الجيل وكشف عن تمرده واعتداده برأيه ورعونته وتسويفه ضاربين بالآباء عرض الحائط فلا يقيمون لهم وزنا ولا تقديرا ولا احتراما.
إننا بحاجة إلى انتفاضة الآباء واستفاقتهم استفاقة حقيقية مدوية، لينقذوا ما يمكن إنقاذه من هذا الجيل والسائرين خلفه، ولتكن تربية الأبناء وإفراد الوقت لهم على رأس الأولويات ومحاولة إحكام السيطرة في مستوياتها المعتدلة والقسوة في محلها إن لزم الأمر ذلك، والتحكم بالعواطف والمشاعر المفسدة التي لم تورث سوى الخنوع والهوان والجحود والنكران وعدم الوفاء لفضل الآباء، والالتزام بقوانين الأسرة والمنزل والآداب والأخلاق والابتعاد عن التهاون في تطبيقها فلا تهدد وتتوعد وتزمجر ثم لا تفي بوعودك!. فالعقاب غايته التهذيب والتقويم، ولو كان غير ذلك لما رأيت جميع أنظمة العالم تستعمله لتردع كل السلوكيات الشائنة.
ولا يترك الأبناء فيفعلوا ما يشتهون لا يَسألون ولا يُسألون، فالتربية ليست عملية فطرية عفوية، بل تحتاج إلى جهد وعمل ومثابرة، كما أن المسؤولية تتطلب التفرغ للأبناء فلا ضير من ممارسة هواياتنا معهم، وإيجاد اهتمامات مشتركة، ولا ضرر في اصطحابنا لهم بغية توثيق صلاتنا بهم فتتعزز ثقتهم بنا وتقديرهم واحترامهم لحرصنا عليهم.
وأرى أن يمنح الأبناء قدراً مناسباً من الحرية تسمح لهم بالانتقاء وممارسة الهوايات والتبضع المعقول حسب ميولهم وأذواقهم والمشاركة في اختيار أماكن الترفيه والسفر.. وغيرها، وإبداء الرأي بأسلوب مهذب وأن نستمع لهم ولانتقاداتهم وليس بالضرورة الأخذ بها جميعها.
وليس هذا وحسب، بل إن مناقشة الأبناء في مواضيع فكرية متنوعة تشحذ تفكيرهم وتثير عقولهم وتوسع مداركهم وترفع درجة الوعي لديهم، كما لها عظيم الشأن في التأثير على معدل مستويات التفكير فتنقلهم من مستوى التفكير السطحي المتعلق بتوافه الأمور الى مستوى التفكير العميق المركز.
وليعود الآباء أبناءهم من الصغر على تولي مسؤولية الأسرة أولاً وعدم الاتكالية عليهم في كل شيء، ثم البدء في منحهم بعض المسؤوليات الخارجية، ويا حبذا لو يلتفت الآباء نحو تنمية المهارات القيادية في نفوس الأبناء، فينشؤون على روح المبادرة والإقدام.
إن الحديث هنا يطول ويتشعب، وأعتقد بأنكم تلامسون واقعاً مريراً يتحتم علينا أن نستنفر وننتفض ونقف جنباً إلى جنب لنحاول أن نخلق جوا عاما أكثر أماننا لأبنائنا، فالمسؤولية عظيمة والخطب جلل، تستدعي أن يقوم الآباء بأدوارهم مع أبنائهم وأبناء غيرهم فقديماً كان الأب أباً للجميع، ما لا يقبله لأبنائه لا يقبله لأبناء الآخرين، فيتدخل بالنصيحة والكلمة الحسنة إن رأى خطأ أو هفوة أو تقصيرا، كما أن الأهالي كانوا متعاونين فلا يستاؤون من ذلك، وإن تذمر الابن شاكياً، لم يشدوا على يده، بل شكروا من وجهه وأرشده، هذا هو المجتمع المتكاتف المسؤول، والذي نتمنى أن يعود يوماً ما، وسيعود إن شاء الله برغبة وإرادة كل مربي ورع حريص على أبنائه، غيور على أبناء الوطن.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2460
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2274
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025