رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الرعاية الصحية والتعليم هما مجالان من المجالات المحلية الأكثر أهمية لمواطني أي بلد. وإذا قام صانعو السياسات بتصحيح الأمور في هذين المجالين، فمن الوارد جدًا أن يتعزز رضا المواطنين وسكان البلاد. ويخضع المجالان لتغيرات كبيرة في ظل التطورات الحاصلة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وقد استُخدمت بعض أدوات الذكاء الاصطناعي التعليمية في السنوات الماضية، وهناك المزيد من التغيرات المهمة الجارية مع زيادة تطور النماذج اللغوية الكبرى. وقد توقعت منظمة اليونسكو أن تبلغ قيمة أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في قطاع التعليم 6 مليارات دولار، وتتفق التوقعات المختلفة على أن قيمة استثمارات الذكاء الاصطناعي في سوق التعليم من المقرر أن تتراوح ما بين 20- 30 مليار دولار في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الحالي. وفي شهر أبريل الماضي، نُقلت تصريحات صادرة عن بيل جيتس يقول فيها إن برامج الذكاء الاصطناعي ستنتشر وأنها ستكون فعالة للغاية في تعليم الأطفال القراءة.
وبإمكان قطر أن تصبح من الدول الرائدة عالميًا في مجال الخدمات التعليمية والتكنولوجيا، عبر دمج مفهوم الذكاء الاصطناعي + التعلم الآلي القابل للتفسير (AI + X)، في جميع جوانب الاقتصاد والخدمات. وتمتلك قطر جامعات عالمية يمكن أن تشكل جزءًا من مجموعة أعمال تعليمية فائقة التكنولوجيا مع تحقيق قطر لرؤيتها المتمثلة في الانتقال إلى الاقتصاد القائم على المعرفة. إذًا، ما هي السمات الرئيسية للعالم التعليمي المدعوم بأدوات الذكاء الاصطناعي؟ من بين هذه السمات برامج التعلم الشخصية، حيث تتمثل إحدى التحديات الرئيسية في التدريس التقليدي داخل الفصول الدراسية في الشرح وفقًا لمتوسط القدرات في الفصل المكون من 30 تلميذًا أو نحو ذلك، وهو ما سيكون سريعًا جدًا بالنسبة لبعض التلاميذ وبطيئًا جدًا بالنسبة للبعض الآخر.
وتحلل أدوات الذكاء الاصطناعي التعليمية البيانات المتعلقة بأسلوب تعلم الطالب والوتيرة المفضلة، وتعديل برنامج التدريس لضمان مواكبتها لذلك. ويمكن للنموذج تحديد المجالات التي يحتاج فيها تعلم الطالب إلى التعمق، وتحديد المواد التعليمية بناءً على نقاط القوة والضعف لدى الطالب، وتعديل خطة التعلم، وتحديثها باستمرار أثناء تعلمهم. وتعدل التكيفية الأسئلة بناءً على الإجابة وتحدد المستوى في مجموعة من الموضوعات، العلمية واللغوية على حد سواء.
ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي كذلك في أن يكون التعلم أكثر تفاعلًا ومتعةً، عبر استخدام الألعاب وتكنولوجيا الواقع الافتراضي لتوفير فرص التعلم وإضافة عنصر بصري وحركي لبعض الموضوعات التقنية. ومن الاستخدامات القيِّمة الأخرى المحتملة للذكاء الاصطناعي إعداد خطة مهنية شخصية، بناءً على برامج التعلم ونقاط القوة الشخصية للفرد.
وتساهم أدوات الذكاء الاصطناعي في تحصيل المعرفة بطريقة أكثر سهولةً ويسرًا لدى الأشخاص الذين يعانون من صعوبات التعلم أو الإعاقات الجسدية مثل فقدان السمع. ويمكن لهذه الأدوات كذلك مساعدة التلاميذ على تعلم اللغات لغير الناطقين بها. ومن الوارد أن تساعد هذه الأدوات في تحسين الوصول إلى المواد التعليمية للأشخاص في المناطق الريفية منخفضة الدخل، ولكن أحد الاعتبارات الرئيسية هنا هو جودة الاتصالات، حيث لا تتمتع جميع هذه المناطق بإمكانية وصول جيدة إلى خدمات شبكة الإنترنت أو تواجد أجهزة الحاسوب.
وهناك مخاطر ترتبط بنشر أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم. فقد كانت هناك مشكلة شائعة تتعلق بالقدرة على الغش عند إكمال المهام الدراسية. فعلى سبيل المثال، قد يطلب التلاميذ من تطبيق يعتمد على نموذج اللغات الكبيرة مثل Chat-GPT كتابة مقال. ومع ذلك، هناك برامج يمكنها اكتشاف ما إذا كانت الإجابة المقدمة قد كُتبت باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. وعمليًا، يمكن أن تشتمل التدريبات الإبداعية على أداة الذكاء الاصطناعي التي تنتج نصًا أساسيًا اعتمادًا على معلومات واقعية، ويستخدمها التلميذ كمصادر للإشارة إليها عند خوض المناقشات حول الموضوع.
ومع ذلك، قد يميل التلميذ الذي لا يمتلك الحوافز الكافية للتعلم إلى الاعتماد بشكلٍ كبيرٍ جدًا على المحتوى الناتج عن أدوات الذكاء الاصطناعي. وهناك خطر آخر، فقد يؤدي الكم الهائل من المواد التي يمكن أن ينتجها الذكاء الاصطناعي إلى إضعاف المحتوى وإحباطه. وقد يميل التلميذ الذي يشعر بقلة التحفيز إلى الاعتماد بشكل كبير على المحتوى الناتج عن أدوات الذكاء الاصطناعي بدلاً من تحليل الحجج أو المحتوى المطروح.
وهناك مشكلة تتعلق بدقة المعلومات المستمدة من نماذج اللغات الكبرى؛ وهي مشكلة الهلوسة ‘hallucination’ المعروفة، حيث تكون المعلومات المقدمة مكتوبة بشكل جيد ومنطقي وموثوق بها، ولكنها خاطئة من الناحية الواقعية. ومن المبادئ الراسخة أن المصدر الواحد للمعلومات قد يكون غير موثوق به ويجب أن يُستكمل بشكل أفضل عبر التحقق من الحقائق باستخدام مصادر أخرى. والأمر نفسه ينطبق على الذكاء الاصطناعي، حتى مع تحسن الدقة. وهذه ليست بالضرورة مشكلة كبرى، بشرط أن يكون المعلمون على دراية بها. ويمكن أن يصبح تعرف التلاميذ على حدود الذكاء الاصطناعي وقوته في حد ذاته جزءًا من العملية التعليمية.
ولا ينبغي أن يؤدي تألق نماذج الذكاء الاصطناعي في بعض القدرات إلى صرف انتباهنا عن إدراك أهمية التعاطف والتفاهم الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، قد تحدد أداة الذكاء الاصطناعي بعض مشكلات التعلم، ولكنها لن تحدد السبب الأساسي. ومن المرجح أن يصف نظام الذكاء الاصطناعي تدهور أداء التلميذ بأنه تدهور معرفي، ولكن السبب الحقيقي قد يكون شخصيًا، فمثلاً، قد يمر آباؤهم بتجربة الطلاق أو قد يتعرضون للتنمر من قبل تلاميذ آخرين. ومع ذلك، إذا ما استُخدمت أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل جيد، فإنها يمكن أن تساعد المعلمين على معالجة القضايا الشخصية التي قد تؤثر على التلميذ، وذلك لأن المعلمين يمكنهم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتسريع إعداد برامج التعلم وتصحيح الأوراق، وتقليل الوقت الذي يقضونه في المهام الإدارية. ويعني ذلك أنه سيكون لديهم المزيد من الوقت الذي يمكن أن يقضوه بشكلٍ فردي مع كل طفل، في كل من الشؤون التعليمية والترفيهية. وعلاوة على ذلك، فإن المعلمين هم قدوة لتلاميذهم.
ومن الاعتبارات وثيقة الصلة أن الأمن السيبراني يحظى بأهمية خاصة في قطاع التعليم، بالنظر إلى الضعف المحتمل للقصر. ويجب أن تكون للملكية والحوكمة المتعلقة بالبيانات الشخصية أولوية قصوى، حيث إن الذكاء الاصطناعي ليس تقنية منعزلة، إذ إنه مرتبط دائمًا بأنظمة وعمليات أخرى.
ويُعد التفاعل بين البشر أمرًا ذا قيمة لتطوير نقاط القوة مثل التفكير النقدي والإبداع والعمل الجماعي. وتكون آلات الذكاء الاصطناعي مقيدة بالبيانات التي تستخدمها، وستدرج تحيزات مصمميها. لذلك لا يزال قدر كبير من التفكير الأصيل والإبداعي والنقدي حكرًا على الإنسان. والغرض الحقيقي من التعليم هو تعزيز وتطوير هذه القدرات، إلى جانب المهارات الأخرى.
وهناك خيار متاح للمسؤولين عن خدمات التعليم والمعلمين والتلاميذ أنفسهم، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز تفكيرنا أو أن يحل محله. ويتطلب التأكد من قيام الذكاء الاصطناعي بالاحتمال الأول اتباع سياسة جيدة وإدارة دقيقة وتطبيق ذكي للأنظمة الذكية.
29 عاماً من الصدارة
احتفلت شبكة قنوات الجزيرة والتي تُبث من قطر في الأول من نوفمبر الجاري بمرور ذكرى 29 سنة على... اقرأ المزيد
129
| 03 نوفمبر 2025
التبصير الطبي.. ميثاق ثقة لا ورقة موقعة
عندما يُجري المريض جراحة طبية، يُثار التساؤل حول من يقع عليه الالتزام بتبصير المريض: هل يلتزم بذلك الطبيب... اقرأ المزيد
141
| 03 نوفمبر 2025
معنى أن تكون شاعراً!
كل شاعر، مهما بدا هادئًا أو مطمئنًا في موقعه، يحمل في داخله جناحين قلقين، لا يطيقان البقاء طويلًا... اقرأ المزيد
168
| 03 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تويتر @Fahadbadar
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6696
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2769
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2442
| 30 أكتوبر 2025