رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا يترك الأديب الفلسطيني أرضه ليروي تاريخها الملوك والضبّاط والأحداث الكبار، فلا يلبث أن يُركن على الرف ويُهجر ويعلوه الغبار ويمضي طي النسيان، إنما يصرّ على رواية التاريخ كما ينبغي له أن يُروى.. تاريخ أبناء الأرض فرداً فرداً، وسيرة الوقائع والحواس والأجساد، التي قد تبدو لكل غشيم - حسب تعبيره - رواية مفككة، تافهة المعنى والمضمون، بل يؤكد أنه تاريخ حكاياتهم الصغيرة التي تحتضن الأعين والخيالات والأرواح، وهو يقول في إصرار: «سنروي الرواية كما يجب أن تروى.. سنروي تاريخنا الشخصي فرداً فرداً».
يضع مريد البرغوثي (1944: 2021) كتابه الذي يصف - في نطاقه الضيق - سيرته الذاتية، وقد تلقّفته المنافي العربية والأوروبية بعد تخرّجه من إحدى الجامعات المصرية ولم تحتضنه مدينته (رام الله) إلا بعد ثلاثين عاماً.. غير أنه - وفي نطاق أوسع - يسلط الضوء على القضية الفلسطينية، وما لحق من عدوان غاشم على أرضه وأرض أجداده، وهو يسترسل في سرد أحداث مصيرية عاصرها بنفسه، ومواقف أخرى مؤثرة تعرّض لها أفراد عائلته وقرابته وأصحابه وآخرون من بني جلدته، وصور لأعلام وفهارس لأماكن، حتى حفرت تعاريجها في ذاكرته على مر السنين. ففي الفصل الذي حمل عنوان كتابه (ولدت هناك ولدت هنا)، يسترجع رحلته الأولى مع ابنه اليافع إلى مسقط رأسه (دير غسانة)، فأصبح يروي له بأنه (ولد هنا)، بعد أن أمضى عمراً طويلاً في غربته يروي له بأنه (ولد هناك). يعبّر عن هذا الشعور في إحدى خواطره قائلاً: «يقف جندي الاحتلال على بقعة يصادرها من الأرض ويسميها (هنا) فلا يبقى لي أنا صاحبها المنفي في البلاد البعيدة إلا أن أسميها (هناك)».
والأديب الثائر وهو يستخدم لغة سلسة في أسلوب أدبي شجيّ، يستحضر العاطفة تارة ويثير الحنق تارة أخرى، ويستشعر معه القارئ قيم الفخر الراسخة عند أبطال السيرة، ويتألم معهم في ظروف احتلال وتشرد وموت وفراق، فُرض عليهم. ومن جميل ما يُستشف في السيرة، ذلك الجو الأدبي الذي يسود عائلة الأديب وشاعريته، بل وأجملها، معاني العزة التي حرصت فيها زوجة الأديب، الروائية الراحلة رضوى عاشور، على غرسها عند ابنها تميم في صغره، رغم ما تستجلب تلك العزة من عواقب لا تُحمد في زمن يقوده الأسياد ويتبعهم العبيد صمّاً وعميانا، على خلاف الفطرة والمبادئ وقيم الحق والعدل والإباء والحرية.
تعتمد هذه المراجعة على الطبعة الأولى للكتاب الصادرة عام 2009 عن (رياض الريس للكتب والنشر)، والتي أعرض من خلالها مقتطفات، واقتباسات تخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
بينما يدكّ الاحتلال أرض الفلسطيني، يهتز الفلسطيني بسرور حقيقي لوهلة، فقد تمكّن لتوه من الحصول على ربطة خبز أو أنبوبة غاز أو تصريح مرور أو مقعد مهترئ في باص.. لقد وجد حبة ضغط الدم في الصيدلية البعيدة أخيراً، ففرح لها كما فرح لوصول سيارة الإسعاف لإنقاذ مريضه قبل فوات الأوان.. وكم غمرته السعادة ذات يوم حين عاد إلى بيته ليلاً وقد عاد إليه التيار الكهربائي.. أما المشي على الشاطئ فيطربه، وأما فوزه في أي مجال وإن كان في لعبة ورق فيدفعه إلى الرقص.. «هذه الهشاشة الإنسانية في أرّق صورها تتجلى بأبعاد أسطورية في صبره الطويل عندما يصبح الصبر وحده مخدّات لينة تحميه من الكابوس». وعن إسعاف المرضى، يسترجع الأديب في فصل (عربة الإسعاف) رغبته الملّحة بزيارة مدينة رام الله التي يضطر معها إلى استقلال عربة إسعاف، وذلك لتجنب ظروف الاحتلال بالغة الصعوبة والطرق المقطوعة بين المدن، رغم المغامرة المحفوفة بعواقب قد تكون وخيمة ما إذا تعرضت سيارة الإسعاف للتفتيش عند بعض الحواجز الأمنية! لم تكن المغامرة الجريئة في حد ذاتها تستدعي الذكر، بل حملقة تلك العجوز المسجّى جسدها فوق سرير يشهد تأرجحها بين حياة بائسة وموت محتّم.. حملقة كانت موجهة بسهام القدر، حين ظنّ الجندي المحتل وقد همّ بتفتيش العربة أن ذاك الأديب ليس سوى الطبيب المسعف، فأغلق باب العربة وهو بالكاد فتحه! يا ترى؟ هل شلّت روعه تلك الحملقة، أم أن المشهد برمّته بدا وكأنه اعتيادي؟. وعن الموت المحتّم الذي إن قدّر له أن يكون طبيعياً، فبعد انقضاء عمر طويل، لكن الأديب يفزع لتكراره ولفجاءته ولشبحه الملازم لأهل الأرض، فيقول: «أكثر ما يفزعني أن نعتاد الموت، كأنه حصة وحيدة أو نتيجة محتومة علينا توقعها في كل مواجهة».
هل تستعد أوروبا للحرب مع روسيا؟
فقط خلال الأسبوعين الماضيين أطلق ستة قادة أوروبيين تصريحات واضحة حول الحرب الأوكرانية وروسيا تؤشر إلى الاستعداد لتصعيد... اقرأ المزيد
171
| 29 ديسمبر 2025
العلاقات التركية - الليبية في زمن الاضطرابات الإقليمية
لا تزال الاضطرابات مستمرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ففي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل هجماتها على غزة... اقرأ المزيد
285
| 29 ديسمبر 2025
ما كان لم ينقذ غزة
ارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى 71 ألفا و266 شهيدا... اقرأ المزيد
114
| 29 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1992
| 24 ديسمبر 2025
حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي والريان دون استئذان. هذا اللقاء يحمل في طيّاته أكثر من مجرد ثلاث نقاط؛ إنها مواجهة تاريخية، يرافقها جدل جماهيري ممتد لسنوات، وسؤال لم يُحسم حتى اليوم: من يملك القاعدة الجماهيرية الأكبر؟ في هذا المقال، سنبتعد عن التكتيك والخطط الفنية، لنركز على الحضور الجماهيري وتأثيره القوي على اللاعبين. هذا التأثير يتجسد في ردود الأفعال نفسها: حيث يشدد الرياني على أن "الرهيب" هو صاحب الحضور الأوسع، بينما يرد العرباوي بثقة: "جمهورنا الرقم الأصعب، وهو ما يصنع الفارق". مع كل موسم، يتجدد النقاش، ويشتعل أكثر مع كل مواجهة مباشرة، مؤكدًا أن المعركة في المدرجات لا تقل أهمية عن المعركة على أرضية الملعب. لكن هذه المرة، الحكم سيكون واضحًا: في مدرجات استاد الثمامة. هنا فقط سيظهر الوزن الحقيقي لكل قاعدة جماهيرية، من سيملأ المقاعد؟ من سيخلق الأجواء، ويحوّل الهتافات إلى دعم معنوي يحافظ على اندفاع الفريق ويزيده قوة؟ هل سيتمكن الريان من إثبات أن جماهيريته لا تُنافس؟ أم سيؤكد العربي مجددًا أن الحضور الكبير لا يُقاس بالكلام بل بالفعل؟ بين الهتافات والدعم المعنوي، يتجدد النقاش حول من يحضر أكثر في المباريات المهمة، الريان أم العربي؟ ومن يمتلك القدرة على تحويل المدرج إلى قوة إضافية تدفع فريقه للأمام؟ هذه المباراة تتجاوز التسعين دقيقة، وتتخطى حدود النتيجة. إنها مواجهة انتماء وحضور، واختبار حقيقي لقوة التأثير الجماهيري. كلمة أخيرة: يا جماهير العربي والريان، من المدرجات يبدأ النصر الحقيقي، أنتم الحكاية والصوت الذي يهز الملاعب، احضروا واملأوا المقاعد ودعوا هتافكم يصنع المستحيل، هذه المباراة تُخاض بالشغف وتُحسم بالعزيمة وتكتمل بكم.
1566
| 28 ديسمبر 2025
أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة التعاقدية في مواجهة « تغول» الشروط الجاهزة وذلك برفض دعوى مطالبة احتساب الفوائد المتراكمة على البطاقة الائتمانية. فقد شهدت أروقة محكمة الاستثمار والتجارة مؤخراً صدور حكم قضائي لا يمكن وصفة إلا بأنه «انتصار للعدالة الموضوعة « على حساب « الشكليات العقدية» الجامدة، هذا الحكم الذي فصل في نزاع بين إحدى شركات التأمين وأحد عملائها حول فوائد متراكمة لبطاقة ائتمانية، يعيد فتح الملف الشائك حول ما يعرف قانوناً بـ «عقود الإذعان» ويسلط الضوء على الدور الرقابي للقضاء في ضبط العلاقة بين المؤسسات المالية الكبرى والأفراد. رفض المحكمة لاحتساب الفوائد المتراكمة ليس مجرد قرار مالي، بل هو تقويم مسار»، فالفائدة في جوهرها القانوني يجب أن تكون تعويضا عن ضرر او مقابلا منطقيا للائتمان، أما تحولها إلى إدارة لمضاعفة الديون بشكل يعجز معه المدين عن السداد، فهو خروج عن وظيفة الائتمان الاجتماعية والاقتصادية. إن استقرار التعاملات التجارية لا يتحقق بإطلاق يد الدائنين في صياغة الشروط كما يشاءون، بل يتحقق بـ « الثقة» في أن القضاء يقظ لكل انحراف في استعمال الحق، حكم محكمة الاستثمار والتجارة يمثل نقلة نوعية في تكريس «الأمن العقدي»، ويؤكد أن العدالة في قطر لا تقف عند حدود الأوراق الموقعة، بل تغوص في جوهر التوازن بين الحقوق والالتزامات. لقد نجح مكتب «الوجبة» في تقديم نموذج للمحاماة التي لا تكتفي بالدفاع، بل تشارك في «صناعة القضاء» عبر تقديم دفوع تلامس روح القانون وتحرك نصوصه الراكدة. وتعزز التقاضي وفقا لأرقى المعايير.
1113
| 24 ديسمبر 2025