رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

1629

سعدية مفرح

التنوع الثقافي.. لتعارفوا

29 مايو 2023 , 02:00ص

جمعتني قبل أيام فعالية ثقافية وجدتني محاطة فيها بعدد من السيدات والرجال مختلفي الثقافات والبيئات والعرقيات والديانات والطوائف والجنسيات أيضا. لوهلة فكرت في الأمر بعد أن لفتت نظري إليه صديقة اصطحبتها معي للفعالية، وقبلها لم أكن أنتبه.

كنا جميعا مهتمين بأمر يخص الثقافة والنشر، وكان النقاش في مجمله يدور حول ذلك، ولكن كان لتنوعنا الشديد دلالات أكثر من أهمية الموضوع الذي اجتمعنا من أجله وفي سياقه. العالم على اتساعه يبدو صغيرا جدا إن فكرنا بما يجمعنا بدلا من التفكير بما نختلف حوله فيه. أدركت ذلك وأنا أراجع التوصيات التي انتهينا إليها في نهاية الفعالية لتدقيقها بنسختها العربية، في حين كانت زميلة هندية تراجع وتدقق النسخة المكتوبة باللغة الإنجليزية.

في عالم يتزايد ترابطه وعولمته، لا يمكن تعريف قيمة التنوع الثقافي بشكل دقيق. ثراء وتنوع الثقافة البشرية دليل على الإبداع والذكاء والمرونة الخاصة بنا كبشر. فمن موسيقى غرب أفريقيا إلى الأدب اللاتيني في أمريكا الجنوبية، ومن فن جنوب آسيا إلى مأكولات الشرق الأوسط، يبدو العالم كمائدة طعام متنوعة الأطباق.

وأهمية معرفة التنوع الثقافي والإيمان به ليس مجرد فضول أو تسلية. إنها جانب أساسي من هوية الإنسان بكل زمان ومكان، ومصدر للقوة والإلهام لنا جميعًا. حيث نفتح أنفسنا وعقولنا لأفكار جديدة وطرق مبتكرة لرؤية العالم والتعامل مع مفردات هذا الوجود، فنتعلم على سبيل المثال كيفية تقدير جمال وتعقيد الثقافات المختلفة، ونكتسب فهمًا أعمق لمكانتنا الخاصة فيها.

كما أن التنوع الثقافي ضروري لبقاء وازدهار المجتمعات البشرية. فهو يساعدنا على التغلب على الصعوبات التي تواجهنا في هذه المجتمعات كالفقر والنزاعات والصراعات والتدهور البيئي، والمشكلات المتعلقة بالهوية. ويساعدنا أيضا على بناء مجتمعات أكثر صمودًا واستدامة. على سبيل المثال، فإن المعرفة البيئية التقليدية للشعوب الأصلية في جميع أنحاء العالم كانت حاسمة في الحفاظ على التنوع الحيوي ومواجهة التغير المناخي. وبالمثل، فإن تنوع اللغات والممارسات الثقافية ساعدت المجتمعات على التكيف مع التغيرات في الظروف البيئية المختلفة وتطوير حلول مبتكرة للمشاكل المعقدة.

ومن المهم أيضا الإيمان بأن تنوعنا كبشر مصدر مهم للإبداع والابتكار. فعندما يجتمع الأشخاص من ثقافات مختلفة، فإنهم يجلبون معهم وجهات نظر فريدة وتجارب وطرق تفكير يمكن أن تلهم بعضهم البعض أفكارًا غير مسبوقة. ويتضح هذا في مجالات متنوعة مثل الأدب والفن، والعلوم، والتكنولوجيا، حيث أدى التعاون الثقافي المتبادل بين البشر دائما إلى اكتشافات وصياغات مبتكرة فيها.

لكن على الرغم من إيجابياته المتعددة، فإن التنوع الثقافي لا يحظى دائمًا بالتقدير والاحتفاء الكافي. في كثير من الأحيان، يتمسك الناس بمفاهيم الهوية الصغيرة والثقافة الضيقة، مما يؤدي إلى التحامل والتمييز وحتى العنف الجماعي والحروب بكل أشكالها. والأمثلة على هذا الصعيد كثيرة جدا، ويكفي لأن نتلفت حولنا لنراها. ولهذا السبب، ينبغي تعزيز ثقافة الاحترام والتسامح والشمولية وتدريب الأجيال الجديدة، على الأقل، على الاعتراف بالتنوع كمصدر للقوة وليس كتهديد، والقبول بالمختلف عنا شرط أن يكون ذلك قبولا متبادلا ونديا، ومن دون أن يؤدي الى الانسحاق تحت وطأة الآخر المهيمن أو القوي. وهذا يعني أن علينا أن ندرك أن أحد أسرار خلق هذا الوجود هو ذلك التنوع والاختلاف. قال الله تعالى "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ¶ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ¶ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير). وفي هذه الأيام أحد أهم أسرار الخلق وتفسير الوجود كله.

مساحة إعلانية