رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كان سقوط صنعاء في أيدي الحوثيين أمرا متوقعا، فكل تسلسل الأحداث التي سبقت السقوط كان يؤشر على ذلك وبكل وضوح، وقد نبهت إلى ذلك مرارا، خاصة بعد أن احتل الحوثيون مدينة دماج وأجبروا الدولة على تهجير كل سكانها وتفريقهم في شتى مدن اليمن وكل ذنب هؤلاء أنهم كانوا سلفيين لا يتفقون مع الحوثيين في معتقداتهم كما كانوا في الوقت نفسه يحذرون من مذهبهم العقدي وطموحاتهم السياسية، وزاد الأمر وضوحا بعد احتلال عمران ومن ثم محاصرة صنعاء لمدة طويلة، وطوال تلك الفترة لم تتخذ الحكومة اليمنية أي إجراءات حقيقية لمنع الحوثيين من احتلال صنعاء حتى تم لهم ما أرادوا وبطريقة دراماتيكية طرحت عشرات الأسئلة حول الظروف التي مكنتهم من احتلال عاصمة اليمن بكل يسر وسهولة، وقد قيل الكثير حول ذلك وكان من أشهر ما قيل: إن هناك تدخلا محليا ودوليا إلى جانب الحوثيين وهو الذي مكنهم من احتلال صنعاء وبسط نفوذهم عليها وعلى كل مفاصل الدولة المهمة.
سقطت صنعاء ولم نسمع لسقوطها دويا، ولا حتى عبارات الاستنكار المعتادة، ولم يتحدث الإعلام العربي عن الجرائم التي ارتكبها الحوثيون قبل وبعد السقوط، لقد ارتكب هؤلاء جرائم مروعة في حق مخالفيهم، فقد فجروا دور تحفيظ القرآن الكريم ومراكز الحديث الشريف، كما هدموا مساجد مخالفيهم في العقيدة وفرضوا على بعض المساجد أئمة ممن يتفقون معهم في المعتقد.
أما الإعلام بكل أنواعه فقد استولوا عليه بالقوة، كما لاحقوا الإعلاميين المخالفين لهم، أما قتل مخالفيهم وملاحقتهم وسرقة منازلهم فحدث عن ذلك ولا حرج، لقد فعلوا ذلك قبل وبعد توقيعهم على الاتفاقية الأمنية، وفوق ذلك كله فقد سرقوا كمية كبيرة من أسلحة الجيش ونقلوها إلى مخازنهم في عمران استعدادا للحرب القادمة التي يخططون لها.
حرص الحوثيون على تقديم أنفسهم على أنهم يعملون على خدمة الشعب اليمني والمطالبة بحقوقه، كما أنهم حرصوا، في الوقت نفسه، على تقديم أنفسهم للرأي العام الأمريكي خاصة، والعربي عامة، على أنهم سيحاربون الإرهاب في اليمن، خاصة القاعدة والإخوان المسلمين في اليمن، وهذا نوع من الاستجداء الرخيص لمن كانوا يصفونهم بأبشع الصفات ويدعون عليهم بالموت في بعض الأحيان.
احتفل الحوثيون بانتصارهم في صنعاء بصورة كبيرة تدل على استخفافهم بكل اليمنيين، واحتفل معهم لهذا الانتصار - وإن بطرق متنوعة - الإيرانيون الذين كانوا فرحين لهذا الانتصار، لأنهم اعتبروه انتصارا لهم، وقد عبر عن تلك الفرحة عدد من الإيرانيين، منهم السيد علي رضا رازكاني النائب في مجلس الشورى الإيراني الذي قال: إن عاصمة عربية رابعة دخلت تحت الهيمنة الإيرانية وهي صنعاء، أما السيد محمد صادق الحسيني الإعلامي الإيراني المعروف، فقد كان أكثر فرحا من سابقه، حيث أكد أن عبد الملك الحوثي أصبح زعيم اليمن وسيد الجزيرة العربية بلا منازع.
وأكد أن إيران وبعد سقوط صنعاء في أيدي الحوثيين أصبحت سيدة البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط كذلك، وقال: إن إيران هي من باتت قادرة على صنع خريطة المنطقة الجديدة التي لا مكان للسعودية فيها.
الفرح بانتصار الحوثيين رأيناه عند البعض في بعض دول الخليج وبيروت وكأن هذا الانتصار أعاد لكل هؤلاء الأمل في بسط نفوذهم على العرب، كما كان الحال عليه في عهد الدولة العبيدية ذات التوجه الشيعي الإسماعيلي والتي حكمت المغرب العربي وشمال إفريقيا ومصر والشام والحجاز ولمدة ٢٨٨ عاما، فقد بدا لبعض هؤلاء أن الوقت قد أصبح ملائما لهم وأن الأوضاع السياسية في المنطقة العربية تصب في صالحهم ولهذا فإن عليهم اغتنام هذه الفرصة التي سنحت لهم وبأسرع وقت ممكن.
احتلال صنعاء ومحاولة فرض الحوثيين مذهبهم العقدي بالقوة وبالقتل أحيانا سيفجر حربا مذهبية رهيبة في المنطقة العربية وفي دول الخليج على وجه الخصوص، كما أنه في الوقت نفسه سيضاعف من الإرهاب في اليمن، وقد رأينا كيف أن القاعدة أعلنت أنها ستتولى محاربة الحوثيين، وأعتقد أن الجرائم التي ارتكبها الحوثيون والتي أعتقد أنهم سيرتكبونها مستقبلا ستدفع أعدادا كبيرة من اليمنيين إلى الالتحاق بالقاعدة دفاعا عن معتقداتهم وعن أنفسهم أيضا، وسيجد هؤلاء حاضنة شعبية لهم بين اليمنيين، وهذا النوع من الحروب قد لا يتوقف في اليمن، بل ربما يطال دول الجوار، وهذا ما أرجحه.
الحوثيون يحاولون إقناع الآخرين ومنهم اليمنيون، أنهم لا يريدون حكم اليمن وأنهم وقعوا على كل الاتفاقيات التي تجعل الدولة هي التي تحكم اليمن فعلا، وأنهم إنما يبحثون عن المشاركة الفعلية في إدارة شؤون البلاد، مثل غيرهم من القوى اليمنية الأخرى، والواقع الفعلي يقول عكس ذلك تماما، فهم ما زالوا يتحكمون في كل مفاصل الدولة وسيحاولون الاستمرار في التحكم في كل شؤون اليمن وربما يتخذون من نموذج حزب الله في لبنان، فهذا النموذج يحقق لهم التحكم في اليمن وبسط سيطرتهم عليه وبدون خسائر تذكر.
سقوط العاصمة العربية الرابعة في أيدي الإيرانيين فتح شهيتهم للتمدد في عالمنا العربي وفي الخليج على غرار دولة العبيديين، وقد عبر عن هذه الرغبة أكثر من مسؤول إيراني وغير إيراني أحيانا، وإذا كان لكل دولة الحق في السعي لتحقيق مصالحها، فإن لإيران الحق مثل غيرها من الدول في السعي لتحقيق مصالحها وإن كانت على حساب العرب ومصالحهم، واللوم هنا يقع على العرب عامة وعلى دول الخليج خاصة الذين لم يعملوا من أجل تحقيق مصالحهم وإنما انشغلوا في صراعات تافهة لم تحقق لهم إلا الخسران.
قطعا كان بإمكانهم كسب الوضع في اليمن وفي سوريا والعراق أيضا، لكنهم فرطوا في ذلك كثيرا، مما جعل الأمر سهلا لإيران كي تكسب تلك المواقع المهمة لصالحها.
ما كنت يوما ضد إيران، باعتبارها دولة مسلمة ووقفت كثيرا إلى جانبها المقاوم للصهاينة وأيضا مساعدة المقاومين، وقد قلت أكثر من مرة إنني مع إيران في حقها في امتلاك السلاح النووي بكل أنواعه مادامت إسرائيل تملك هذا السلاح، ولكن ذلك كله لا يجعلني أقف معها عندما أسمع أنها تنوي الامتداد إلى محيطنا العربي أو الخليجي، ولا أستطيع الصمت عما أراه من استخدام الطائفية البغيضة في اليمن ورغم أنوف الآخرين، لأنني أعلم مخاطر ذلك على الخليج كله.
دول الخليج مدعوة للوقوف بحزم إزاء ما يجري في اليمن وإن كان الوقت قد تأخر كثيرا ولكن لا يزال بإمكانها تحقيق بعض المكاسب، وإذا كانت دول الخليج تحارب الإرهاب في العراق وسوريا، فإن انتشار الإرهاب في اليمن سيكون أكثر خطرا عليها من الإرهاب هناك.
الأبعاد العميقة.. بواقعية!
من أصعب ما نواجه هذه الأيام الاعتراف بالإشكاليات، حيث ندرك الصعوبات ونتجاهل الحلول لها. ونستيقن الأوضاع غير المرغوبة... اقرأ المزيد
126
| 09 ديسمبر 2025
نقلة جديدة في مسيرة الشراكة القطرية السعودية
شكلت زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى المملكة العربية السعودية،... اقرأ المزيد
66
| 09 ديسمبر 2025
عالم مائع.. مع سبق التخريب والتصهيُن!
أكثر ما يخيف في متابعة الشأن الدولي المعاصر هي حالة الغفلة العجيبة التي يعيشها الناس شرقا وغربا عما... اقرأ المزيد
90
| 09 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4221
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1848
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1761
| 04 ديسمبر 2025