رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

456

سعدية مفرح

عطرهم.. في ثنايا الهواء!

31 مارس 2025 , 02:00ص

ليس مجرد مناسبة تتكرر، بل هو شعور متجدد ينبض بالحياة في كل عام، ليلةٌ تسبق صباحًا مغمورًا بالنور والبهجة، لكنها أيضًا ليلة تستحضر كل ما مضى، ليلةٌ تلامس القلب كما لم تفعل أي ليلة أخرى. حين يتسلل المساء ببطء، ويبدأ الناس في تجهيز ملابسهم الجديدة وتحضير أطباق العيد، هناك شعور دفين ينمو في زوايا الروح، إحساس يشبه المزيج الغريب بين الفرح والحنين، وكأن القلب يحتفل بيد، ويمسح دمعة بيد أخرى.

ليلة العيد ليست مجرد لحظة انتظار، بل هي فصل كامل يمر سريعًا في الظاهر، لكنه يحمل في طياته أعمق المشاعر الإنسانية. إنها ليلة تنبعث منها روائح الطفولة، حيث نسمع في دواخلنا أصوات الضحكات القديمة.

في هذه الليلة، يضجّ المنزل بالحركة، الأطفال ينامون بصعوبة، والبالغون ينهمكون في الترتيبات، لكن في خضم هذه الضوضاء، هناك صمت داخلي لا يحس به أحد، إلا أولئك الذين عرفوا كيف يكون العيد حين ينقص منه أحباب كانوا بالأمس معنا.

نستيقظ فجرًا، نفرح بالملابس الجديدة، نتبادل التهاني، لكن هناك لحظة صامتة تمرّ بين كل هذا، حين نلتفت إلى المكان الذي كان يشغله شخص عزيز لم يعد هنا. في العيد، لا تغيب الأرواح التي فارقتنا، بل تحضر بقوة أكبر. ربما نشعر بأطيافهم في زوايا البيت، أو نسمع أصواتهم في أغانينا المعتادة، أو نشتم عطرهم في ثنايا الهواء. العيد يعيد تشكيل الذكريات، يبعثرها أمامنا، لنلتقط منها ما نستطيع، ونخفي الباقي في زوايا القلب التي لا يصلها أحد.

ومع ذلك، فإن العيد يظل بهجة لا يمكن إنكارها، بهجة تمتزج بالدموع لكنها لا تختفي، كأنها ترقص على إيقاع الذكريات، لا تفقد بريقها رغم كل شيء. حين نجلس حول «سفرة» الإفطار الأولى، حين نخرج إلى صلاة العيد، حين نستقبل التهاني، نشعر أن للحياة إيقاعًا لا يتوقف، وأن الغائبين يعيشون في تفاصيلنا الصغيرة، في ضحكة طفل، في يد حانية تمتد لمصافحتنا، في دعوة صادقة تُرفع للسماء.

العيد يعلمنا أن الحنين لا يعني الحزن، وأن الغياب لا يعني النهاية. يعلمنا كيف يكون الفرح رغم الدموع، وكيف نبتسم حتى حين تختنق أرواحنا بالشوق. فكل عيد هو وعد جديد بأن الحب لا يموت، وأن الذين تركونا تركوا جزءًا منهم فينا، يظهر في ليلة العيد، ليبتسم لنا مرة أخرى، ولو عبر دمعة هاربة.

وفي ليلة العيد، حين يخفت ضجيج الاستعدادات ويهدأ كل شيء للحظات، نجد أنفسنا وجهاً لوجه مع ذاك الشعور الغريب الذي لا اسم له. ذلك الإحساس الذي يجعلنا نطيل النظر إلى صور قديمة، أو نعيد الاستماع إلى أصوات محفوظة في ذاكرة القلب، أو نسرق لحظة صمت وسط الزحام لنخاطب الغائبين بصوت لا يسمعه أحد. نخبرهم أننا افتقدناهم هذا العام كما في كل عام، وأن العيد بدونهم يظل ناقصًا مهما ازدانت الأجواء بالفرح. لكننا في الوقت نفسه نوقن أنهم لم يرحلوا تمامًا، فهم يسكنون في دعوات الأمهات عند الفجر، وفي لمعة العيون حين نذكر أسماءهم، وفي ذلك الحنين الذي يمنح العيد طعمه المختلف، طعم الفرح الممتزج بشيء من الشوق، بشيء من الدمع، وبكثير من الحب الذي لا يموت.

ويبقى العيد مناسبة تحمل في طياتها الأمل رغم كل شيء. نرجو أن يكون عيدًا مليئًا بالفرح والسكينة لكل القلوب المتعبة، وخصوصًا لأهلنا في غزة، الذين يقاومون الألم بقلوب تنبض بالحياة. لعل العيد يحمل لهم نورًا يمسح شيئًا من جراحهم، ويفتح لهم أبوابًا جديدة من الرحمة والفرج. كل عام والجميع بخير، وأملنا أن يأتي العيد القادم وقد تبدلت الأحوال إلى ما هو أجمل وأعدل.

اقرأ المزيد

alsharq توطين الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي القطري

يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض وعلاجها. ومع... اقرأ المزيد

411

| 23 أكتوبر 2025

alsharq بين الفكر والروح

من الأوقات الصعبة على أيِّ مبدع أن ينتهي من كتابة رواية أو ديوان، وتتوقف الروح لبعض الوقت عن... اقرأ المزيد

198

| 23 أكتوبر 2025

alsharq النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى، وسلامةٌ تُصان، وحياةٌ تُدار بانسيابية ومسؤولية. لا أحد ينكر مدى... اقرأ المزيد

387

| 23 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية