رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تتناول بعض النقاشات التي تدور في مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعبر عن نبض الشارع، قضايا هامشية لا تعد موضوعات محورية، ومع الأخذ بالاعتبار اختلاف الآراء والأذواق ومذاهب الناس فيها، إلا أن غالبية تلك النقاشات لا ترقى بالفعل لأن تكون قضايا مهمة تتصدر الرأي العام كالقضية التي تثار سنوياً عن مدى مشروعية تهنئة بابا نويل بعيده المجيد من عدمها، وغيرها من القضايا.
خلال العام الجاري والذي شارفنا على نهاياته، ومع ما يمر به العالم من جائحة المت به، وتأثيرها على مختلف أوجه الحياة وتقليصها للخيارات أمامنا، نجد أن هناك قضايا أخذت تطفو على السطح واشبعت نقاشًا وبحثًا، ومنها قضية السفر والقيود الموضوعة على حرية السفر والانتقال وتذمر فئة من الناس من الوضع الراهن، وأنا هنا اتحدث عن السفر للسياحة على وجه التحديد ولست بصدد الحديث عن السفر من أجل العمل او الدراسة او العلاج او العودة إلى الديار.
يمثل السفر السياحي للبعض أهمية قصوى حيث يتم تصويره كإحدى ضروريات الحياة التي من دونها لن نبلغ مبلغ السعادة والاطمئنان ولن نشعر بالرضا عن أنفسنا، ومع القيود والإجراءات الاحترازية المفروضة على المسافرين والحجر عند الوصول والعودة بجانب الفحوصات التي تنخر الأنوف وتدمع الابصار، نجد البعض مصراً على المضي قدماً وقد تكبد العناء وحزم أمتعته وشد الرحال بإصرار الى ديار تطبق هي الأخرى إجراءات احترازية صارمة جراء الوضع الراهن، دون التوقف وسؤال النفس عن جدوى السفر والغاية منه- سواءً في هذا الوقت او أي وقت- وهل هو فعلاً يحقق لنا المتعة التي نبحث عنها والرضا الذي ننشده.
إن تلك الصورة المنطبعة في الأذهان عن السفر أصبحت تتناقلها الأجيال ويرثها الأبناء عن الآباء حتى أضحت ضرورة لا يكتمل عامنا إلا بها وصارت غاية عوضاً عن أن تكون وسيلة، ودون الوقوع في شرك التعميم، نجد أن البعض ممن جعل السفر ديدناً وطقساً سنوياً لا يستطيع التخلي عنه، أصبح في سفره يكرر نمطاً من السياحة لا يكل ولا يمل منه، وتجده وقد دأب على الذهاب إلى الأماكن ذاتها وارتياد المقاهي والمطاعم الموجودة أساساً في بلادنا، وقد يقضي يومه في النوم الى وقت متأخر، ليكمل ما تبقى من يومه في باحة الفندق، متجاهلاً الفوائد السبع للسفر التي تحجج بها ودون ان تقدم له رحلته الميمونة فائدة تذكر سوى بذل المال والذي قد يكون مقترضاً من أجل هذه الغاية.
في الواقع فإن السعادة تمثل غاية ينشدها جميع البشر على اختلاف اعراقهم وألوانهم، ولكن دون الوقوف والتفكر في معنى السعادة والتبصر بها، سنجد أنفسنا نمارس ما يفرضه علينا المجتمع على أنه "السعادة" الأمر الذي يقلص خياراتنا ويجعلنا نلهث خلف غاية قد لا تكون هي مرادنا ولن تزيدنا إلا بؤساً وسأماً.
يجرنا هذا الواقع الى طرح تساؤل: هل توقفنا يوماً مع انفسناً وتفكرنا فيما نريد؟ وهل تجرأنا وحاولنا الخروج من صندوقنا المغلق وتجاوز الدائرة المرسومة لنا على الرمال، نحو أفق ارحب ومفهوم أشمل للسعادة؟ إن السعادة ليست بالضرورة ما يقوم به الآخرون، وما يسعد غيرنا ربما لا يسعدنا، كما أن اختزال مسببات السعادة باتباع خطى الآخرين هو تقاعس وكسل عن فهم الذات وسؤال النفس عن مرادها، فكثير من الأشخاص لا يعلم ما يريد، فيتصور واهماً ان مجرد قيامه بما يقوم به الآخرون هو في حد ذاته ما يسعده ويطمئن قلبه، وبذلك تغيّر المفهوم واختلت البوصلة، فأصبح القيام بما قام به الاقران في حد ذاته سبباً للسعادة وعدم الشعور بالحرمان، والعكس صحيح.
يقول فردريك كيونغ: "لقد نسينا بأن السعادة ليست الحصول على ما لا نملك بل هي أن نفهم وندرك قيمة ما نملك". بالفعل فإن السعي خلف مالا نملك والاعتقاد الدائم بأن الحصول عليه هو مبتغانا لهي التعاسة بحق، ولن يزيدنا هذا الموضع إلا حسرةً وقلقاً، لأن الإنسان مهما بلغ فلن يحصل على كل ما يريد، فلا بد لنا من ان نوقن أن ما تصوره لنا شاشات الهواتف وما تعكسه لنا تطبيقات التواصل الاجتماعي عن حياة الآخرين ليست هي حياتهم بالفعل، وعلينا أن لا نبقى رهينة لتلك التطبيقات وان لا نسمح لها بأن توجه سلوكنا وتحدد أهدافنا، وقد نجحت تلك الوسائل بالفعل في ذلك المسعى، إلى درجة أنها استطاعت ترويج السلع البائرة المرمية على رفوف المحلات في الأسواق الشعبية والتي لا يلتفت لها أحد، وتسويقها بأضعاف أثمانها واصبحت المتاجر الالكترونية غير قادرة على تلبية طلبات الزبائن التواقين للحصول على ما يمتلكه المشاهير وما يسوقونه على انه غاية السعادة وسبب الرضا!.
وما ينطبق على سياحة الخارج ينطبق على سياحة الداخل كذلك، ففي كثير من الأحيان عندما أذهب إلى أماكن سياحية ومرافق جميلة موجودة في بلادنا، تنافس في جمالها ورونقها وحداثتها أرقى المرافق السياحية في البلدان الأخرى التي نسافر اليها، أجد أن ارتيادها مقتصر على البعض من الأخوة المقيمين في حين انها تخلوا من المواطنين، في حين أن أماكن أخرى قد امتلأت بهم ولن تجد لك فيها موطئ قدم وكأنك تعيش في عالمين متوازيين، والسؤال هنا هو: لماذا نحرم أنفسنا من خيارات موجودة لدينا بحجج واهية ثم نتذمر من غلاء الأسعار التي تفرضها علينا بعض الأماكن، ونتحسس إذا قيل إنها مخصصة "للبعض" دون غيرهم ممن لا يهمهم المبلغ المدون على الفاتورة؟ ألسنا نحن من قلص خياراته واتبع ما تمليه عليه الحياة الزائفة التي نشاهدها في تطبيقات التواصل الاجتماعي وما يسوقها الآخرون على انها السعادة الحقة؟.
في تقرير أصدرته منظمة السياحة العالمية في عام 2018 بالتعاون مع لجنة السفر الأوروبية حول معدل الإنفاق العالمي على السياحة لعام 2017، كشف ذلك التقرير أن نفقات السياحة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي ارتفعت خلال العام 2017 إلى 60 مليار دولار مقابل 40 مليار دولار في 2010.
ومن جهة أخرى فقد أظهرت بيانات بريطانية أن إنفاق الخليجيين على التسوق يعادل ضعفي متوسط إنفاق السياح الآخرين، حيث يبلغ معدل إنفاق السائح الخليجي 442 جنيها إسترلينيا، وهو بذلك يتصدر قائمة السياح في الانفاق على التسوق في بريطانيا.
وأمام تلك الحقائق ينبغي علينا مراجعة علاقتنا مع السفر وتصوراتنا عنه، والخروج من دائرة الاستهلاك التي تلاحقنا في حلنا وترحالنا وأفراحنا واتراحنا، والتصدي لـ"رسملة" كل ما يحيط بنا، لا بد لنا من التوقف مع أنفسنا وتحديد أولوياتنا وأن لا نصدق الشعوذة التي يمارسها علينا البعض عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي التي أصبحت نقمة علينا بدل ان تكون نعمة نحسن استخدامها، وأن لا ننخدع بحياة الزيف التي تُصور على أنها الغاية المنشودة، وأن لا نستنزف جيوبنا ونبذل كل ما نملك لتقليد ما يقوم به غيرنا، فإن لم نمتلك الى السفر سبيلاً، فذلك لا يعني أن نبقى رهن التعاسة والتذمر والتململ، فوسائل المتع كثيرة بين أيدينا ولا يحجبها عنا سوى النظر لها بعقلية مستقلة متبصرة وعندها سندرك معنى السعادة وسنوقن أن قول الشاعر محمود حسن إسماعيل "ظمآن والكأس في يديه" في قصيدته "النهر الخالد" التي صدح بها الموسيقار محمد عبدالوهاب ينطبق علينا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
3870
| 04 نوفمبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2223
| 03 نوفمبر 2025
8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات في قمة التنمية.. العالــــم فــي قطـــر ■قطر والأمم المتحدة شراكة دائمة ومستمرة نحو الأهداف المشتركة ■قمة التنمية ترسخ ثقة المجتمع الدولي بقدرات قطر ■الحدث الدولي الكبير باستضافة قمة التنمية موضع فخر واعتزاز ■حضور بارز لدولة قطر في جميع برامج الأمم المتحدة التنموية والإنسانية ■قمة الدوحة ستبقى علامة فارقة في مسيرة التنمية الاجتماعية ■«إعلان الدوحة للتنمية» سيكون بصمة تاريخية في سجلات الأمم المتحدة ■ترسيخ مكانة الدوحة كعاصمة للحوار والشراكة الدولية من أجل التنمية ترحب الدوحة بالعالم في قمة العالم الثانية للتنمية الاجتماعية التي تعقد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بعد مرور ثلاثين عاماً على القمة الأولى التي عُقدت عام 1995، مما يضفي على قمة الدوحة أهمية استثنائية، فالدوحة عاصمة عالمية للفعاليات الكبرى، وقد استعدت بكل إمكاناتها لتوفير مقومات النجاح لبرامج القمة وجداول أعمالها وأنشطتها. ترحب الدوحة بكل المشاركين في قمة التنمية الاجتماعية الثانية التي تعقد على مستوى رؤساء دول وحكومات وصناع قرار وكبار المسؤولين وقادة المنظمات الإنسانية بهدف معالجة الثغرات بشأن التنمية الاجتماعية التي أصبحت الشغل الشاغل لدول العالم، حيث إن أرقام الفقر والجوع ما زالت مرتفعة، فضلا عن الدول الخارجة من الحروب والأزمات والصراعات، مما يضاعف الحاجة إلى تجديد التزام دول العالم بدفع عجلة التنمية الاجتماعية. ومن المؤكد أن قمة الدوحة ستكون علامة فارقة في مسيرة التنمية الاجتماعية، ومثلما نجحت الدوحة في استضافة الفعاليات الكبرى من رياضية وسياسية واقتصادية وثقافية فإن قطر ستقدم للعالم أفضل نسخة من القمة العالمية للتنمية الاجتماعية. إن انعقاد قمة التنمية الثانية في الدوحة تعكس ثقة المجتمع الدولي بدور قطر وجهودها لتعزيز السلام والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة بوصفها شريكا دائما للأمم المتحدة، وكما أشار حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، في كلمته الترحيبية على صفحة القمة: «إن قطر استضافت على مر السنين العديد من المؤتمرات الرفيعة المستوى التابعة للأمم المتحدة، ما وفر منصة للحوار والتعاون بشأن أبرز التحديات العالمية، وتعكس هذه الجهود التزامنا الدائم بقيم وأهداف الأمم المتحدة ورؤيتنا لعالم يتاح فيه الازدهار للجميع». الشراكة بين قطر والأمم المتحدة تمتد لعقود وهي شراكة متجذرة في المبادئ والأهداف المشتركة الإنسانية والتنموية والتعليمية وحفظ الأمن والسلم الدوليين وتعزيز حقوق الإنسان، وتقديم المساعدة الإنسانية، والمشاركة في العمل الجماعي بهدف التصدي للتحديات القائمة والناشئة التي تواجه العالم. وأصبحت دولة قطر حاضرة بقوة في أغلب أنشطة الأمم المتحدة، وفي برامجها الإنسانية والتنموية. لطالما كانت قطر سباقة بدعم أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، خاصة في مجالات مكافحة الفقر والصحة والتعليم من خلال مساعدات خارجية بلغت قيمتها نحو 4.8 مليار دولار منذ عام 2020، خصص 90% منها للدول الأقل نموا. كما حرص سمو الأمير المفدى على تتويج المساعدات القطرية بمبادرات وتبرعات أعلنها في كثير من الفعاليات الأممية، كان أبرزها تبرع سموه عام 2019 بمبلغ 100 مليون دولار لصالح الدول الجزرية والأقل نموا. كما توجت قطر شراكتها مع المنظمة الأممية بافتتاح بيت الأمم المتحدة في مارس 2023 ويُعد الأول من نوعه في المنطقة بصفته مقرا يجري فيه تنسيق المهام الإقليمية لعدة منظمات من ضمنها: منظمة العمل الدولية واليونسكو ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين وصندوق الأمم المتحدة الدولي للطفولة (اليونيسيف) ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الصحة العالمية. وفي إطار الشراكة مع الأمم المتحدة تحضر أيضا مبادرات صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، لحماية التعليم في مناطق النزاعات عبر مؤسسة التعليم فوق الجميع، وعبر برنامج «علم طفلا» الذي نجح في إعادة 10 ملايين طفل إلى المدارس، فيما تسعى مؤسسة «صلتك» لتوفير فرص عمل لأكثر من خمسة ملايين شاب. وفي هذا السياق تعتبر استضافة الدوحة للقمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية رصيدا إضافيا يعزز مكانة قطر المرموقة على الساحة الدولية، ويعكس إيمانها العميق بأهمية التعاون متعدد الأطراف في معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المجتمعات، خصوصا في ظل التحولات العالمية المتسارعة التي أنتجت وقائع جديدة ترزح تحت أعبائها شعوب كثيرة، مما يزيد الحاجة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتمكين الفئات الضعيفة من المشاركة الفاعلة في التنمية. إن هذا الحدث الدولي المهم المتمثل بانعقاد القمة التاريخية في الدوحة موضع فخر واعتزاز لدولة قطر وجميع أبناء الشعب القطري، فقد أثبتت قطر للعالم أنها المكان المثالي والنموذجي لاستضافة القمة بعد ثلاثين عاما على انعقاد القمة الأولى في كوبنهاغن. كما أن قطر أثبتت قدرتها وجاهزيتها اللوجستية والدبلوماسية والتنظيمية لاستضافة أكثر من 8 آلاف مشارك من مختلف دول العالم، بينهم رؤساء دول وحكومات وصناع قرار وكبار مسؤولين وقادة منظمات دولية وإنسانية وتنفيذ جدول وبرامج القمة التي أعدتها الأمم المتحدة بجدارة وإتقان. ولعل السمة التاريخية لهذه القمة تستند إلى عدة عناصر أبرزها «إعلان الدوحة السياسي» الذي ستعتمده القمة وتصدره الأمم المتحدة، مما يجعل اسم الدوحة مسطرا في سجلات الأمم المتحدة وفي ذاكرة كل شعوب العالم المعنية بالتنمية وسيكون إعلان الدوحة مرجعا لكل باحث وخبير بشأن التنمية العالمية. ويعتبر «إعلان الدوحة للتنمية» تعهدا جماعيا للمشاركين لإحياء التعددية وتسريع التنمية الاجتماعية دون أن يتخلف أحد عن الركب، ومن بين أهدافه الالتزام بـ»تعزيز الحلول المبتكرة والتعاون الدولي الشامل لترجمة التزامات إعلان وبرنامج عمل كوبنهاغن، والبعد الاجتماعي لأجندة 2030، إلى إجراءات ملموسة لتحقيق التنمية الاجتماعية للجميع، لا سيما لفائدة البلدان النامية». ومن الجوانب المهمة أن استضافة قطر لقمة التنمية الاجتماعية تعكس التزامها الراسخ بتعزيز التنمية الاجتماعية الشاملة والمستدامة ودعم العمل المتعدد الأطراف لتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية لجميع الشعوب، كما تمثل فرصة محورية لتعزيز الحوار الدولي حول قضايا التنمية الاجتماعية وتسريع تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030. وقد عبر سمو الأمير المفدى عن هذا الالتزام بأبلغ الكلام حين قال: «تلتزم دولة قطر دوماً بالتنمية المرتكزة على الإنسان، سواء على المستوى الوطني أو العالمي. ومن خلال الاستثمار في التعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية، وتعزيز فرص العمل المنتج والعمل اللائق للجميع، نواصل تعزيز العدالة الاجتماعية وترسيخ الشمول. كما أننا دافعنا عن تكامل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، من خلال اعتماد نهج يشمل الحكومة والمجتمع بأسره، ويضع الإنسان في صميم عملية التنمية». لقد أكدت دولة قطر أن التنمية الاجتماعية لا تتحقق إلا من خلال الاستثمار في الإنسان، وتعزيز قيم العدالة والتضامن، ودعم المبادرات التي تكرس التعاون الدولي وتستجيب لتطلعات الشعوب نحو مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا، وهذا ما أكده سمو الأمير المفدى في مختلف المناسبات أن الارتقاء بالإنسان يحقق التنمية المستدامة باعتبار الإنسان محور التنمية وغايتها الأساسية. لقد نجحت مسيرة قطر في تحقيق إنجازات نوعية وغير مسبوقة في عالم التنمية وصولا إلى رؤية قطر الوطنية 2030 وها هي اليوم تضع جهودها وخبراتها بتصرف العالم لبلورة رؤية وبرامج عمل لتحقيق التنمية التي تتطلع لها شعوب العالم. وذلك من خلال العمل الجاد والدؤوب مع الدول الأعضاء في القمة والمنظمات الدولية والإنسانية المشاركة لرسم المسار العملي لتحقيق أهداف التنمية. ولن تتوانى دولة قطر عن تقديم كل الدعم وبذل كل الجهود لوصول القمة إلى أفضل النتائج التي تحقق تطلعات شعوب العالم بالتنمية المستدامة وفقا لأهداف الأمم المتحدة، وترسيخ مكانة الدوحة كعاصمة للحوار والشراكة الدولية من أجل التنمية الاجتماعية المستدامة، وتعزيز ثقة المجتمع الدولي بقدرات قطر على تحقيق وإنجاز ما يعجز عنه الآخرون.
2142
| 04 نوفمبر 2025