رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

تقارير وحوارات

1982

د. علي عفيفي لـ الشرق: عراقة التراث المحلي إحدى وسائل تثقيف الجيل الحاضر

09 مايو 2020 , 07:00ص
alsharq
د. علي عفيفي
حوار- طه عبدالرحمن:

المؤرخ والباحث بمركز حسن بن محمد..

** قطر تزخر بمتاحف تلعب أدواراً تربوية وتثقيفية

** نحتاج إلى تنمية الوعي بأهمية القراءة

** جائحة كورونا سوف تعيد قراءة التاريخ

** العزل الاجتماعي فرصة لاستثمار الكثير من أوقات الفراغ

** دروس التاريخ تعلمنا كيف تجاوز السابقون الأوبئة

يذهب كثير من المؤرخين إلى أن جائحة كورونا سوف تكون بمثابة متغير تاريخي على المستوى العالمي، الأمر الذي يجعلها تعيد قراءة التاريخ. من هذه الزاوية كان لقاء الشرق مع د. علي عفيفي علي غازي، المؤرخ والباحث بمركز حسن بن محمد للدراسات التاريخية، والذي استعرض أبرز الأوبئة التي شهدها التاريخ على مدى الأزمنة الفائتة.

وعرج الحوار على أهمية توظيف تداعيات أزمة الجائحة في تنمية الوعي، وتعزيز التثقيف بين الأفراد. كما لم يغفل الحديث تناول أهمية التراث المحلي في تنمية الوعي، والدور الذي تلعبه المتاحف التي تزخر بها قطر للقيام برسائل تربوية وتثقيفية وتعليمية، إلى غير ذلك من محاور جاءت على النحو التالي:

تثقيف الأفراد

* كيف يمكن استثمار جائحة كورونا في إثراء ثقافة الأفراد، ومن ثم تنمية لغتهم وفكرهم؟

** فرض انتشار وباء كورونا على المجتمع تطبيق العزل الاجتماعي، وهو ما وفر الكثير من الأوقات، التي يتوجب استغلالها الاستغلال الأمثل، فالوقت هو أثمن شيء يمتلكه الإنسان، ويتوجب عليه ألا يُضيعه هباءً، وعلى هذا يجب عليه أن يستغل كل أوقات فراغه في القراءة، في الجوانب التي يُفضلها، فإن لم تكن له هواية القراءة في جانب من جوانب الآداب والعلوم والفنون، فبإمكانه قراءة الروايات وكُتب التاريخ، فإن فيها تنمية للغته وفكره، والاستفادة من العظة والعبرة، وتعلم دروس التاريخ، وكيف تجاوز الآباء والأجداد الأوبئة والجوائح.

*وإلى أي حد يمكن الاستفادة من جائحة كورونا تاريخيًا؟

** التاريخ يُقدم دروس الماضي، كي تنير لنا دروب الحاضر، ونستشرف بها سُبل المستقبل، ومن ثم فإننا إذا نظرنا في تاريخنا، سنجد الاستفادة، فإذا عرفنا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان أول من دعا إلى تطبيق الحجر الصحي بقوله "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها". والحديث النبوي الشريف يحمل وصية باتباع الأسباب الاحترازية لضمان استقرار وسلامة المجتمع، ومن ناحية أخرى يأمر الاسلام باتباع قيم سلوكية كالنظافة مثلا، والكثير من الأطباء حول العالم يؤكدون أن مجابهة هذا الفيروس تعتمد على النظافة.

كما أننا إذا ما نظرنا في التاريخ سوف نجد أن معظم الأمراض الوبائية والطواعين التي اجتاحت العالم انطلقت من الصين والهند، وانتقلت مع سفن التجارة عبر منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا، كما أنها أزهقت الكثير من الأرواح، وكانت لها تداعياتها على الحياة الاقتصادية والسياسية، ولم تكن مرتبطة بشهور ولا بفصول معينة في السنة.

*وما أبرز الأوبئة التي شهدتها الأزمنة الفائتة؟

**اجتاح العالم في عام 541م وباء الطاعون الدملي، والذي اشتهر باسم وباء جستنيان، وحصد ما يربو على نصف سكان العالم، وكانت له تبعات اقتصادية؛ لتسببه في وقف التجارة بين مدن العالم المعمور حينئذ، كما أودى طاعون عمواس بحياة 25-30 ألف شخص، وشهد أول تطبيق عملي لأسلوب الحجر الصحي، عندما امتنع الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عن الذهاب إلى بلاد الشام، كما انطلق وباء طاعون الموت الأسود في عام 1331م من الصين، وتفشى حتى عام 1348م. وفي عام 1720 ضرب مدينة مارسيليا الفرنسية الطاعون العظيم، وفي عام 1820 انتشرت الكوليرا، وفي عام 1920 اجتاحت العالم الإنفلونزا الإسبانية، وكانت الطرق المتبعة في العلاج هي العزل المنزلي والحجر الصحي، حتى بدأ العالم يعرف اللقاحات، وفي التاريخ المعاصر شهد عام 2002 مرض سارس، وعام 2009 انفلونزا الخنازير، و2014 إيبولا.

وبالتالي نحن أمام حدث تاريخي مُتكرر، ويحمل لنا التاريخ دروسا للتعامل معه، ويؤكد على حقيقة ثابتة وراسخة عبر التاريخ، وهي أن كوكب الأرض قادر على أن يُعيد النهوض دائمًا بعد كل كارثة تصيبه، فالحياة لن تتوقف إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى.

الثقافة الشاملة

* هل تفتح الأزمة المجال إلى نشوء ما يعرف بـ"الثقافة الشاملة"، لتشمل الثقافة الصحية، بجانب المفهوم الشائع عن الثقافة؟

**بكل تأكيد عالم ما بعد كورونا سوف يختلف تمامًا، إذ إن هذه الجائحة فرضت تغيرات في العادات والتقاليد والسلوكيات، وسوف تعيد ترتيب الكثير من الأولويات حول العالم، فعندما نسمع صوت الأذان يصدح في مدن الدول التي كانت تُحارب الإسلام، وتلصق به تهمة الإرهاب سوف نُدرك أن هذا الوباء وتلك الجائحة سوف تغير من تعاطي الدول غير المسلمة مع المسلمين فيها.

ومن ناحية أخرى يجب على الدول الإسلامية تعزيز روابط التضامن المتبادل فيما بينها في هذه الفترة العصيبة، بتبادل الخبرات والمعدات الطبية والمساعدات الصحية، وغيرها.

*برأيك، كيف يُمكن استثمار الحجر المنزلي في دعم القراءة في أوساط جمهور المتلقين؟

**نحن بحاجة إلى تنمية الوعي بأهمية القراءة، ولعلنا - في هذا الصدد - نتعلم الدرس من جائحة كورونا، وندرك أن العلم هو الأساس، وهو ما يجب أن تنفق في سبيله الدول الأموال، فالأمراض الوبائية لا تنتقي ضحاياها، ولا تُفرق بين دول غنية وأخرى فقيرة، ودرس الواقع يُعلمنا أن الدول، التي اهتمت بالعلم؛ هي التي ستجتاز هذه الفترة العصيبة بسرعة.

ولهذا أنصح الجميع أن يستغل أوقات الحجر المنزلي بالقراءة، ثم القراءة. فأول كلمة نزلت من القرآن الكريم تحمل دعوة للقراءة، فبالقراءة ترتقي الأمم وتتقدم.

تنمية الوعي

*هل يمكن لهذا الوباء أن يشكل معطيات جديدة لإعادة قراءة التاريخ؟

** نعم لأننا يجب أن نقرأ التاريخ في ضوء معطيات الحاضر، وأن نستفيد من تجاربه في حاضرنا، لنرى كيف تعامل الأجداد مع ما تعرضوا له من أمراض وبائية مماثلة.

* كيف يمكن تنمية الوعي في أوساط الجيل الحالي بعراقة التراث المحلي؟

** يتم ذلك من خلال تنمية الوعي بأهمية التراث، فالتراث بمثابة الجذر الذي يثبت المجتمع أمام رياح العولمة الاجتياحية، التي تذيب الهويات والمجتمعات.

وهذا الوعي لن يتأتى إلا من خلال إحداث صحوة بأهمية التراث، كي يستقي منه الجيل الحالي ثقافته، ويستلهم منه قيمه السليمة، في سعيه لبناء الحاضر، واستشراف المستقبل، لأنه يمثل العمود الفقري في التاريخ الحضاري والثقافي.

* في هذا السياق، كيف يمكن المواءمة بين الأصالة والحداثة للحفاظ على كل هذه المعطيات؟

**بداية، أود التأكيد أنه لا يوجد تقابل أو تضاد بين التراث والحداثة والمعاصرة، فكلا المفهومين لا ينفي أحدهما الآخر، فالتراث هو حصيلة ما تنتجه عقول أبناء الأمم والشعوب، من نتاج أدبي وفكري وفني وعلمي، وهو معين ثري لا ينضب من الأفكار والمبدعات، التي يجب أن تستند عليها الأمم في نهضتها، كي يكون حافزًا وينبوعًا للثقافة والأصالة، ومغذيًا للوعي الجمعي للفرد والجماعة، فيحتفظ المبدع بتراثه وأصالته، وينطلق من خلاله إلى ما بعد العدمية.

أهمية المتاحف

* كيف تنظر إلى أهمية الدور الذي يُمكن أن تقوم به المتاحف في تحقيق الأغراض التعليمية لدى الصغار؟

** قطر تزخر بمتاحف تقوم بأدوار تربوية وتثقيفية وتعليمية للكبار والصغار، فهي ذاكرة الأمة والمجتمع، إذ تحفظ تراثهما وحضارتهما، وتتجاوز المتاحف في عصر العولمة معناها التقليدي من كونها موضع تعرض فيه التحف الفنية والأثرية، وتتطور لتشمل الماضي القريب والزمن البعيد، ومختلف نواحي الحياة، وتجاوز مفهومها الإقليمية إلى العالمية، فقد باتت جزءًا من واقع الحضارات المعاصرة والزمن الراهن، وأصبحت متاحة من خلال شبكة الإنترنت العنكبوتية، التي نقلت مفهوم المتحف إلى العالم الافتراضي، وتوسع دور المتحف ليشمل العديد من الأنشطة الثقافية والفنية والعلمية والاجتماعية، فالعرض المتحفي بات يمثل قناة من قنوات الاتصال، ووسيطًا بين المتحف بما يحفظه من المجموعات، وجمهور الزائرين صغارًا أو كبارًا، فيقدم رسالة علمية وتربوية بالاستعانة بالوسائط الحديثة، التي تساعد على التعرف على الأشياء.

مساحة إعلانية