رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

م. حسن الراشد

مساحة إعلانية

مقالات

1743

م. حسن الراشد

الإدارة.. اليد الخفية وراء خسائر الشركات

01 سبتمبر 2025 , 01:52ص

في ظل التحديات الاقتصادية، غالبًا ما تُعزى خسائر الشركات إلى عوامل اقتصادية وجيوسياسية وظروف سوقية قاهرة، بالإضافة إلى تحديات تنظيمية داخلية. لكن خلف تلك الأرقام والبيانات يكمن عامل آخر خفي وأكثر تأثيرًا سوء الإدارة (Mismanagement). هذا العامل، عندما يتفشى في بيئة عمل تسودها المحسوبية والمحاباة وتفتقر إلى الرقابة والمصداقية والحوكمة المستقلة النزيهة، يتحول إلى فيروس ينهش كيان المؤسسة ويقودها إلى نفق مظلم قد ينتهي بالانهيار الكامل.

ومن خلال الاطلاع على نتائج إحدى الشركات الخليجية العاملة في قطاع الكيماويات للنصف الأول من عام 2025، يتضح أنها تمثل مثالًا حيًا ومريرًا على كيف يمكن لسوء الإدارة أن يقود مؤسسة ضخمة إلى خسائر فادحة وصلت إلى نحو 79% من رأسمالها، رغم أن رأسمالها يقارب المليار ريال.

سوء الإدارة ليس مجرد هفوات أو أخطاء فردية، بل هو منظومة متكاملة من الفشل، تتجلى في سوء اختيار الكفاءات والقيادات، وغياب الرؤية والأهداف الاستراتيجية الواقعية، واتخاذ قرارات خاطئة دون آليات واضحة للمساءلة، وتكرار الأخطاء من دون الاعتراف بها أو تصحيحها. ورغم وجود عوامل خارجية تؤثر على الشركات، فإن هذه الحالة أظهرت بوضوح أن سوء الإدارة كان السبب الجوهري والمحرك الأساسي للأزمة، حتى اضطرت الشركة إلى مواجهة خيارين: إعلان الإفلاس أو انتظار تدخل الدولة لإنقاذها.

الأزمة تفجرت نتيجة صفقات استحواذ أبرمها مجلس الإدارة السابق مع شركتين، شابها الكثير من علامات الاستفهام وشبهات التلاعب. تمت هذه الصفقات دون دراسات جدوى حقيقية وواقعية، وبقيم مالية مضخمة بشكل غير منطقي، وربما بدوافع مصالح شخصية،غياب الرقابة الفعّالة والتراخي في دور الجمعية العمومية سمحا بتمرير تلك الصفقات، فتكبدت الشركة خسائر جسيمة. كما أدى سوء الإدارة السابقة إلى تضخيم الأصول عبر إدراج بند “الشهرة” (Goodwill) بشكل مبالغ فيه، ومع تدهور أداء الشركات المستحوذ عليها اضطرت الإدارة الجديدة إلى شطب بند الشهرة بالكامل، وهو ما اعتُبر أمرًا نادر الحدوث وكان بمثابة اعتراف رسمي بأن الأموال المدفوعة لم تكن تساوي شيئًا، ما أدى إلى تراكم خسائر إضافية.

هذه القرارات الخاطئة محَت نحو 79% من رأس المال، وألقت بظلال قاتمة على مستقبل المساهمين، من كبار المستثمرين وحتى صغارهم، فضلًا عن الموظفين والعملاء والموردين. وانتهت الأزمة بإقالات وتغييرات إدارية، أبرزها إنهاء عقد الرئيس التنفيذي والسعي لعزل أعضاء من المجلس السابق.

إن هذه القصة هي جرس إنذار لكل الشركات، وخاصة في القطاع الخاص. فهي تؤكد أن النجاح لا يُبنى على حجم رأس المال أو كثرة الفرص الاستثمارية فقط، بل على حسن اختيار القيادات والكفاءات، وأن الحوكمة المستقلة والرقابة الصارمة والشفافية ليست ترفًا تنظيميًا، بل شرطًا أساسيًا للبقاء. والإدارة ليست مجرد مقعد يُشغَر بأشخاص، بل هي أحد أهم أسباب النجاح أو الفشل. لذلك، فإن أي خطة إنقاذ لأي شركة يجب أن تبدأ من إصلاح هياكل الإدارة أولًا، ثم إعادة بناء ثقافة مؤسسية قائمة على النزاهة والمساءلة والكفاءة.

أخيرًا: التغيير ليس خيارًا، بل ضرورة للبقاء والنمو….“د. غازي القصيبي”

مساحة إعلانية