رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جاسم الشمري

مساحة إعلانية

مقالات

1548

جاسم الشمري

جولة بين «النقد والانتقاد»

01 أكتوبر 2024 , 02:00ص

يبدو أن الأجواء «البوليسية والدكتاتورية» في غالبية الدول والمؤسسات والكيانات السياسية والشرعية والإنسانية دفعت بعض الأصدقاء والكرام ليؤكدوا بأن المقال الأخير «لنتقبل الانتقاد!»، والذي نشر في صحيفة الشرق القطرية الغراء الأسبوع الماضي، كان مهما وواقعيا جدا.

والتفاعل مع المقالات، وبالذات من النخب السياسية والعلمية والثقافية الحقيقية، من أهم دواعي الغبطة والسرور لأي كاتب.

وبخصوص مقالي الأخير فقد وصلتني ملاحظة قيمة من أستاذين جليلين تشير إلى الفرق بين «النقد والانتقاد».

ونحن لا نريد أن نركب موجة الدكتاتورية المؤسساتية والرسمية والشخصية بل سنتعامل بأريحية وقبول للرأي الآخر، ونحاول تسليط الضوء على مفردتي «النقد والانتقاد» بشكل مختصر وشفاف.

يبدو أن سبب الخلط أو اللبس القائم بين «النقد والانتقاد» يعود لتشاركهما في جذر الكلمة.

‏وبخصوص الفعل (‏نَقَدَ‏):‏ «النون، والقاف، والدال» أصل صحيح يدل على إبراز شيء وبُروزه‏.

وجاء في المعجم الوسيط: نَقَدَ الشيءَ نَقْدًا: نقره ليميّز جَيِّده من رديئه.

ويُقال: نقَد الشِّعْرَ: أَظهر ما فيه من عيْب أَو حُسْن، وبهذا فإن النقد يذكر العيوب والمحاسن معا.

أما الانْتِقَاد فهو من الجذر (نقد) أيضا، ويقال: انتقَدَ الشِّعْر: أَظهرَ عَيْبَه، ولكن جاء في المعجم الوسيط: «فلانٌ ينقُد النَّاسَ: يعيبُهم ويغتابُهم»، «والنقد» بهذا المعنى مشابه لمعنى «الانتقاد».

وجاء في «المنجد في اللغة العربية المعاصرة»: «انتقادي: الذي يكون هدفُه التَّمْييز بين المَحاسِن والمَساوِئ في مُؤلف أَدبي‌ أو فني».

وبهذا فإن «النقد والانتقاد» يشيران لذات المعنى في بعض القواميس، ولذلك جاء الخلط بينهما.

 ومع ذلك يبدو أن الأدق، وفقا لبعض القواميس والدارج هو أن «النقد» يُرَكّز على الإيجابيات والسلبيات، بحيادية، بينما «الانتقاد» فعل يقتنص الأخطاء ونقاط الخلل دون محاولة النصح والتصويب.

وبهذا يظهر الفرق والتلاحم بين «النقد والانتقاد».

وفي كل الأحوال ينبغي التركيز على الغاية من «النقد والانتقاد» بعيدا عن الاختلاف في القواميس العربية، وهي العمل على تقويم الاعوجاج، والتحذير من الآفات والأفكار السقيمة.

ثم مَن يملك حق النقد؟ وهل النقد قضية مزاجية وعشوائية وفوضوية، أم مسألة علمية ومنظمة ومرتبة؟

أرى أن النقد «حق» لأصحاب الرأي الرصين، والعقل الفهيم، والنضال الأصيل، والتضحيات الواضحة، ويكون ممَن يُسْمع كلامهم، وبأسلوب محترم، بعيدا عن السب والشتم والتجريح والطعن بالأعراض والأنساب، وتناسي النضال والمواقف السابقة، وبشرط أن يهدف «النقد» لتحقيق غايات عامة، وليس لمصالح شخصية ضيقة.

ويفترض بالمُنْتَقدين ألا ينقادوا وراء شهوة الانتقام، والسعي لمجرد «النقد» دون العمل للتصحيح، ولبناء أرضية مشتركة خالية من أسباب التشرذم والاختلاف، والتناحر، والحسد وغيرها من أمراض المؤسسات والنفوس البشرية.

عموما فإن المراد من المقال ليس تصيد الأخطاء والبحث عن الهفوات، وهذه من الأخلاق المعيبة التي يفترض الابتعاد عنها من جميع الناس فضلا عن العاملين في السياسة والإعلام، بل الغاية الجوهرية النصح والتقويم.

وهنا نقول إن الأخطاء جزء من مسيرة أي عمل بشري، ولا يمكن تَصوّر جهد إنساني خاليا من العيوب والهفوات، وبالتالي نحن نتحدث عن ضرورة تقبل النقد البناء، الهادف لتقويم عمل الحكومات والمؤسسات والمنظمات وصولا لمرحلة تحقيق الأهداف المرجوة خدمة للمجتمع والدولة.

إن تقبل النقد ضروري جدا في استمرار العمل السليم لبناء الدولة وترشيد الجهود بمختلف القطاعات الإنسانية والسياسية، ومَن يظن أن النقد حالة مرضية فهو فيه «خيط من الدكتاتورية».

هي دعوة نقية وصافية لكل المسؤولين بأن يتقبلوا التشاور والنصح والنقد، وألا يركبوا مركب الدكتاتورية القاتل لأن التجارب أثبتت أن القيادات الدكتاتورية، الرسمية والشعبية، مصيرها الذبول والضياع.

مساحة إعلانية