رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هديل رشاد

صحفية فلسطينية

مساحة إعلانية

مقالات

564

هديل رشاد

جنين.. غزةٌ أُخرى

05 فبراير 2025 , 02:00ص

تشهد مدينة جنين ومخيمها عمليات تهجير قسري تعكس سيناريو مشابهًا لما حدث في غزة منذ قرابة الأسبوعين، حيث تعرضت خلال السنوات الثلاث الماضية إلى 104 اجتياحات متكررة، وسط تصاعد مستمر في وتيرة الاقتحامات. إلا أن ما يجري حاليًا في جنين يُعدّ الأعنف من نوعه، وكأن الاحتلال يسعى للانتقام لاستعادة هيبته التي تزعزعت في غزة، خاصة بعد مشاهد تسليم الأسرى الإسرائيليين والاستقبال الشعبي لمقاتلي كتائب عز الدين القسام، الذين زعم الاحتلال أنه قضى عليهم ودمر بنيتهم التحتية، لذا وجد نفسه أمام صيد ثمين في استهداف المقاومة في جنين، وتنفيذ مشروعه الاستيطاني باقتلاع الفلسطينيين من أرضهم تحت غطاء العمليات العسكرية، في مسعى واضح لتطهير المدينة عرقيًا وفرض تهجير قسري على سكانها.

تتصاعد عمليات التدمير في جنين بوتيرة غير مسبوقة، حيث توسعت جرائم التجريف لتشمل أحياء بأكملها، بل قام جيش الاحتلال بتفجير مربع سكني بأكمله، فقبل بدء العدوان الحالي، كانت 40 % من أراضي المدينة قد تعرضت للتجريف، ناهيك عن التدمير الممنهج للبنية التحتية. أما مخيم جنين، فقد بات مسرحًا لعملية تدمير تراكمي، حيث تعرض للاجتياح والتخريب قرابة 12 مرة، في مشهد يعيد للأذهان صور الدمار التي شهدها قطاع غزة.

إن النزعة العدوانية المتغطرسة التي تحكم إستراتيجية الاحتلال العسكرية تهدد مصير أكثر من 80 ألف فلسطيني، خصوصًا مع تعمده تدمير البنية التحتية والخدمات الأساسية. فحاليًا، تعاني نصف الأحياء في جنين من انقطاع حاد في الاحتياجات الأساسية، بينما حُرمت أحياء بأكملها من المياه والكهرباء منذ أكثر من أسبوعين، وسط عجز بلدية جنين عن توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة، بالتزامن مع عرقلة عمل طواقم الأونروا في غزة والضفة الغربية، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق. فقد كانت الأونروا تمثل شريان حياة لنحو مليون لاجئ في الضفة، عبر تقديم الحد الأدنى من الخدمات الصحية والتعليمية والغذائية، لكن تضييق الاحتلال عليها أضاف عبئًا هائلًا على بلدية جنين وحكومة تعاني أصلًا من الفساد الداخلي وسوء الإدارة.

إن استمرار الأوضاع بهذا الشكل سيحوّل جنين إلى مدينة أشباح غير صالحة للحياة، تمامًا كما هو الحال في قطاع غزة، وفق تأكيدات مراقبين أمميين. فمع تواصل العمليات العسكرية منذ قرابة الأسبوعين، تلوح في الأفق كارثة إنسانية وشيكة ما لم يكن هناك تدخل دولي فاعل، سواء عبر المنظمات الدولية والإنسانية أو من خلال ضغوط سياسية مباشرة على الاحتلال.

وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لا تزال الاستغاثات المتكررة الصادرة عن رئيس بلدية جنين بلا أي صدى، إذ لم تُسجَّل أي استجابة تذكر من الجهات الدولية أو الأممية، رغم مناشداته المستمرة للدول العربية والإسلامية بضرورة التدخل والضغط السياسي لوقف السيناريو المتكرر لقطاع غزة. غير أن المشهد يعكس بوضوح معادلة التجاهل الدولي، وكأن المجتمع الدولي ارتضى أن يكون شريكًا بالصمت في هذه الكارثة الإنسانية، حيث وفق القانون الدولي، فإن ما يجري في جنين يرقى إلى مستوى جريمة حرب، إذ تنص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بوضوح على حظر العقاب الجماعي والتدمير العشوائي للممتلكات المدنية في الأراضي المحتلة، وهو ما ينتهكه الاحتلال يوميًا. كما أن عمليات التهجير القسري التي تستهدف الفلسطينيين تشكل انتهاكًا صارخًا للمادة 49 من الاتفاقية ذاتها، والتي تحظر النقل القسري للسكان تحت أي ذريعة.

وهنا يأتي السؤال الذي يفرض نفسه أمام هذه الجرائم هو: أين الأجهزة الأمنية الفلسطينية مما يحدث؟ أين دورها في حماية أبناء شعبها من القتل والتهجير والتنكيل؟ جاء الرد الرسمي على لسان العميد أنور رجب، الناطق باسم الأجهزة الأمنية، بقوله: «عدم تدخلنا يأتي في مصلحة المواطن الفلسطيني، حتى لا ننجر إلى مربع يسعى إليه الاحتلال». لكن أي «مصلحة» هذه التي يُترك فيها الفلسطيني أعزل يواجه الإبادة؟ أين المصلحة في الصمت المهين بينما الفلسطيني يُقتل ويُهجر وتُفجر منازله؟

إن هذا الصمت الرسمي لا يمكن تفسيره إلا باعتباره تواطؤًا على الوطن والمواطن، وتخاذلًا مخزيًا عن القضية الفلسطينية. فالحصار يُفرض على الفلسطينيين، والقتل يستهدف الفلسطينيين، والمنازل التي تُدمر هي منازل فلسطينيين مدنيين، بينما لا يوجد بين المستهدفين مقاوم واحد. فهل بات الدفاع عن أبناء الشعب الفلسطيني مربعًا خطرًا تتجنبه الأجهزة الأمنية؟ وأي خطر أعظم من تفريغ فلسطين من شعبها؟ وفي ظل هذا الوضع المتفاقم، تلتزم الحكومة صمتًا مريبًا، وهو أشبه بموقف القردة الثلاثة في الأسطورة الصينية – لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم – بحجة أنها تحمي الفلسطينيين من الانجرار إلى سيناريو مشابه لما حدث في غزة. لكن الحقيقة أن هذا التقاعس يفاقم معاناة السكان، في مشهد يكشف الوجه الحقيقي لسياساته القائمة على الحصار والتهجير القسري.

ختاماً

في الوقت الذي تصعّد فيه إسرائيل انتهاكاتها في كل الجبهات، يواصل المجتمع الدولي غض الطرف، متجاهلًا مسؤولياته القانونية والأخلاقية في وقف هذه الجرائم. إن التخاذل الداخلي والتواطؤ الدولي يمنحان الاحتلال ضوءًا أخضر لمواصلة مشروعه الاستيطاني القائم على التطهير العرقي والتهجير القسري، ما يستدعي تحركًا شعبيًّا ودوليًّا عاجلًا قبل أن يتحول المشهد في جنين إلى نكبة جديدة، تُرتكب أمام أنظار العالم في القرن الحادي والعشرين.

اقرأ المزيد

alsharq تأهيل ذوي الإعاقة مسؤولية مجتمع

لم يعد الحديث عن تأهيل ذوي الإعاقة مجرد شأن إنساني أو اجتماعي بحت، بل أصبح قضية تنموية شاملة... اقرأ المزيد

195

| 24 أكتوبر 2025

alsharq منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز بالتّجدّد وتظهر دائما من خلال المشاريع الجديدة العملاقة المعتمدة على... اقرأ المزيد

618

| 24 أكتوبر 2025

alsharq لا تنتظر الآخرين لتحقيق النجاح

في حياتنا اليومية، نجد أنفسنا غالبا ما نعتمد على الآخرين لتحقيق النجاح والسعادة. نعتمد على أصدقائنا وعائلتنا وزملائنا... اقرأ المزيد

90

| 24 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية