رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

1389

د. فاتن الدوسري

تحديات رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

06 مايو 2025 , 02:00ص

انتهجت إدارة ترامب نهجاً حذراً تجاه سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع، حيث لم تعترف رسميا بحكومة الشرع، لكنها قد أبدت إمكانية للانفتاح مشروط بأفعال إيجابية على الأرض من جانب الحكومة الجديدة، ومؤخراً قامت إدارة ترامب بخطوة نحو الانفتاح على سوريا اقترنت بقائمة شروط بعضها شديد الصعوبة لرفع العقوبات، والتي تعد عائقاً هائلا نحو تيسير التجارة الدولية لسوريا خاصة صادرات النفط، وتدفق الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية لسوريا، وتسهيل المعاملات المالية لسوريا في العالم، وفك العزلة الدولية عن سوريا، وطالما ما نادت حكومة الشرع برفعها.

وتضمنت الشروط: التعاون الفعال في مكافحة الجماعات الإرهابية ومنع المقاتلين الأجانب من تولي مناصب حكومية رفيعة، ومساعدة الحكومة الأمريكية في تحديد أماكن المواطنين الأمريكيين المفقودين وإعادتهم لأمريكا خاصة الصحفي أوستن تايس، وتصنيف الحرس الثوري الإسلامي الإيراني رسميا ككيان إرهابي، وتدمير ما لدى سوريا من أسلحة كيماوية، وتنفيذ إصلاحات دستورية واسعة مع بدء حوار وطني وتأسيس برلمان تمثيلي.

وتلك الشروط تبين أهدافا أمريكية واضحة ومتوقعة، وأهدافا أخرى غامضة بعض الشيء وتم التلميح لبعضها، الواضحة تتلخص في الإجهاز التام على النفوذ الإيراني في سوريا، بل وتحويل سوريا إلى جبهة لمقاومة إيران، ونزع أية أوراق ضغط أو أسلحة قوية قد تشكل تهديدا لإسرائيل، وقطع النظام الجديد أية صلة له بالجماعات الإرهابية خاصة القاعدة وداعش.

أما الغامضة يمكن تصورها من خلال بعض الشروط صعبة التحقيق، وكذلك التي لا تشكل أهمية بالغة للولايات المتحدة عموما، وإدارة ترامب على وجه الخصوص مثل التحول الديمقراطي، وهى تحديداً منع المقاتلين الأجانب من تولى مناصب رفيعة وهذا ربما يمتد لعناصر سورية كانت أعضاء في القاعدة وداعش سابقاً مع شرط قطع الصلة مع الجماعات الإرهابية، وتنفيذ إصلاحات دستورية وتحويل سوريا إلى نظام ديمقراطي تام.

ولعل الأهداف الأمريكية من وراء تلك الشروط الصعبة هو الضغط على حكومة الشرع إلى أقصى درجة ممكنة لأجل تحويل سوريا إلى تابع ضمن محور الدول التابعة لها في المنطقة، والسماح لإسرائيل بتمديد حضورها العسكرى لما وراء هضبة الجولان، والهدف الأصعب الأخير هو التطبيع بين سوريا وإسرائيل.

وفى خطوة استباقية للأمام، أعلنت حكومة الشرع على لسان أسعد الشيباني وزير الخارجية أنها على استعداد لتلبية العديد من المطالب الأمريكية، كما أحرزت تقدما في بعضها مثل تتبع مقاتلي داعش واعتقال عدد منهم، والتعاون مع المفتشين الدوليين لتدمير الأسلحة الكيماوية، كما تبذل جهودا كبيرة لتحديد أماكن المفقودين الأمريكيين، والإعلان قريبا عن إصلاحات دستورية واسعة وتمثيل واسع للأقليات في الحكومة.

ورغم هذا التقدم المحرز العاكس عن رغبة حكومة الشرع في تخطى أكبر تحد وهو العقوبات الأمريكية، وتعزيز شرعيتها الداخلية والخارجية؛ فإن تلبية جميع الشروط الأمريكية لايزال تحدياً كبيراً مع علم واشنطن بذلك.

تعد مسألة قطع حكومة الشرع صلتها تماماً بجميع الجماعات المسلحة والتي منها هيئة تحرير الشام التي لاتزال مصنفة كإرهابية لدى واشنطن؛ مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد لحكومة الشرع حتى إذا كانت تريد ذلك بصدق، فحكومة الشرع وأعضاؤها هم قادة هيئة تحرير الشام، وأعضاء سابقون في داعش والقاعدة. ومن ثم، لا يزال أغلبيتهم مرتبطين فكريا وتنظيما أو لديهم صلات قوية بتلك الجماعات علانية وسراً، وبعض منهم يتولون مناصب سيادية في سوريا الجديدة، وبالتالي فهم من منظور إدارة ترامب إرهابيون. يضاف إلى ذلك، أن قوة وشرعية أحمد الشرع نفسه مستمدة من تلك الجماعات وأعضائها، ومن ثم ففتح جبهة عداء معهم بصورة سريعة سيمثل خطراً شديدا على مستقبل الشرع، بل سيحول سوريا إلى جبهة اقتتال داخلي عنيفة.

وأيضا، يعد تحويل سوريا إلى نظام ديمقراطي تمثيلي حقيقي في وقت سريع أمراً لا يمكن تصوره في ظل الظروف الانتقالية عامة خاصة وأن سوريا تتمتع بتنوع طائفي واسع وبنية مدمرة ومؤسسات هشة، ونزاعات انفصالية، وفى ظل وجود حكومة إسلامية تسعى إلى الاعتدال، لكنها تحتاج إلى فترة زمنية طويلة وتجربة واسعة لتأسيس نظام ديمقراطي كامل أقرب إلى نظام علماني.

إن سرعة واستعداد حكومة الشرع لتلبية الشروط الأمريكية يعكس عزما قويا على إزالة عائق العقوبات، لكن على الأرجح لن يكون بمقدورها تلبية جميع الشروط، أو تلبيتها بالسرعة الكافية، علاوة على التحديات والتداعيات الكبيرة لتلبية بعض الشروط. وبالتالي يبدو لدينا أن الشروط الأمريكية التي يمكن وصفها بالتعجيزية الغرض منها إخضاع سوريا تماما، وضمان هيمنة أبدية لإسرائيل على الجولان، واستمرار الضغط حتى تقبل سوريا التطبيع مع إسرائيل، وهذا في حد ذاته رغم الأقاويل المتضاربة بشأنه أمر من الصعب للغاية تصوره.

لكن هذا لا يحول أيضا دون إمكانية رفع جزئي تدريجي للعقوبات عن سوريا لتشجيع سوريا على المضي في تلبية جميع الشروط، خاصة في ضوء موقف عالمي خاصة أوروبي مؤيد لإزالة العقوبات ودعم الشرع.

مساحة إعلانية