رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من عنوان المقال فهمتم لا شك أنني أقصد تعويض النظام العالمي الجديد بما سميته "الفوضى العالمية الجديدة" لأن الذي وقع يوم الجمعة الماضي في البيت الأبيض حدث زلزل العلاقات الدولية بل قلبها رأسا على عقب وأعلن موت الدبلوماسية التقليدية ودفن البروتوكول العادي والقديم، والذي ولد منذ ألفي عام في اليونان عندما نشأت الدبلوماسية وسميت انطلاقا من مصدر (دبلوما) التي كانت تعني الوثيقة الموقعة على رق من قبل دولتين أو مجموعة دول اتفق ملوكها على عقد صلح أو مبادلات تجارية أو تقاسم نهر أو رسم حدود لدولهم. نعم لم تعد في الولايات المتحدة على الأقل حاجة للتعامل المتحضر المتأدب بين السفراء أو حتى بين رؤساء الدول كما وقع بين الرئيسين الأمريكي (ترامب) والأوكراني (زيلينسكي). المعروف عن الرجلين أمزجة وطبائع استثنائية تؤهلهما لما سمته الصحف الأمريكية (كلاش) بالإنجليزية ولعل ترجمتها بالعربية (تصادم) أو تبادل سباب واتهامات! وليس بجديد الحديث عن الشكوك الأوروبية والتساؤلات عن التزام الولايات المتحدة بالأمن الأوروبي أو بما يتعلق بالمادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي المتعلقة بالدفاع المشترك، وإذا ما كان ترامب سيفي بمسؤولية الحلف بـ"التعامل مع أي هجوم على حليف في الناتو على أنه هجوم على أمريكا".
* في ذات السياق أوردت صحيفة تلغراف البريطانية: "أن على مستشار ألمانيا الجديد الذي عوض (شولتز) العثور على مبالغ ضخمة من المال لعلاج اختلال الاقتصاد والمعاشات والدفاع حتى يجنب شعبه أسوأ كابوس لهم وهو أن تصبح بلادهم مثل فرنسا". من جهته كتب محمد كريشان: إن موقعة زيلينسكي- ترمب في البيت الأبيض ينبغي أن تُفهم على أنها أكبر وأعمق من كونها مشادة كلامية بين رئيسين فهي بالضبط تجسّد بداية لعهد خطير يكون فيه الدائن سيداً والمدين عبداً وبكل تأكيد فإن لدى الدول المرشحة لإهانات مماثلة الإمكانات الفعلية لإنقاذ نفسها وهيبتها قبل أن تقع الفأس في الرأس". وإن ما حدث مع زيلينسكي من إهانة بطرده عنوة من البيت الأبيض هو اختبار مفصلي تتحدد على نتائجه شكل ومحتوى العلاقة الأمريكية مع أوروبا ومع باقي دول العالم. ففي كل مرة يتعمد الرئيس الأمريكي محاولة إحراج ضيوفه علناً أمام الميديا الأمريكية والعالمية اعتقاداً منه أن هذه الطريقة هي أفضل من دبلوماسية الأبواب المغلقة ولكنه في كل مرة يأتيه الرد المحرج من ضيوفه وقد فعل ذلك مع العاهل الأردني الملك عبد الله الذي رد عليه وقال إن خطة غزة خاضعة للنقاش العربي وأن مصر لديها خطة والجميع في انتظارها كما فعل ترامب ذلك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي رد مباشرة على ترامب في الملف الأوروبي الأوكراني. بدأ "الكلاش" في أعقاب رد (زيلينسكي) على تعليقات نائب الرئيس الأمريكي (جيه دي فانس) بأن أوكرانيا يجب أن توافق على شروط السلام الأمريكية وعندما بدأ (زيلينسكي) في الرد قال له (ترامب): "ليس مسموحًا لك بالتحدث". وقال (زيلينسكي) "بارك الله فيكم لن تكون هناك حرب" وقال (ترامب) "أنتم لا تعرفون ذلك فلا تخبرونا بما نشعر به". وبعد تصاعد الخلاف بين الرجلين قال (ترامب) "إن أوكرانيا ليست في وضع يسمح لها بتحديد شروط اتفاق مستقبلي"
*وكان (زيلينسكي) قد التقى مع ترامب في واشنطن في 28 فبراير، حيث كان من المتوقع أن يوقع الزعيمان اتفاقا إطاريا بشأن الموارد الطبيعية لأوكرانيا. وصافح ترامب (زيلينسكي) أثناء وقوفهما أمام الصحفيين وظل صامتًا بينما كان يتم توجيه الأسئلة إليهما بصخب وسبقت زيارة زيلينسكي أسابيع من المفاوضات المتوترة حيث رفضت أوكرانيا المقترحات الأولية للمشروع وقدمتها على أنها التزامات أحادية الجانب بالنسبة لأوكرانيا دون أي التزامات أمنية من جانب واشنطن. ولابد من الإشارة الى تصريح غريب وطريف للناطقة الرسمية باسم الخارجية الروسية السيدة (زاخاروفا) التي علقت على ما حدث بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني قائلة: "أتعجب كيف ضبط الرئيس الأمريكي ونائبه نفسيهما ولم يصفعا هذا الوقح (زيلينسكي)!!! نعم الى هذا الحد تغير النظام العالمي الجديد إلى فوضى عالمية جديدة ولعلنا سنكون شهودا في المستقبل القريب على مفاجآت أخرى لم نتوقعها نحن العرب وستنعكس حتما على ممارسات المحتل الإسرائيلي في تعاملاته مع الشعب الفلسطيني الصامد في المقاومة من أجل تحرير أرضه من احتلال غاشم وغير شرعي كما سنرى تغيرات عجيبة في مواقف الدول التي يعنيها شأن الشرق الأوسط.
*ومع انعقاد قمتين الأولى أوروبية في لندن تمت يوم الأحد 2 مارس والثانية عربية في القاهرة أصدر فيها القادة العرب يوم الثلاثاء 4 مارس بيانا كان نقيضا لمخطط (ترامب) الرامي لتهجير أهل غزة من القطاع، واتفق القادة العرب على مخطط إعمار غزة وإقرار أهلها فيها والتفكير في إدارة غزة بتحالف كل الفصائل وتوحيد القيادة السياسية فيها وفي كل فلسطين. وهاتان المجموعتان الأوروبية و العربية تحاولان تنسيق المواقف والدفاع عن المصالح إزاء عواصف الفوضى العالمية فأوروبا خائفة من مصير مجهول وهي ترى تخلي الحليف الأمريكي التقليدي والطبيعي عنها بل وتحالفه مع "العدو التاريخي للغرب" أي روسيا التي أعادها (بوتين) الى الامبراطورية القيصرية ما قبل ثورة 1917 أو إلى شكلها الشيوعي، وفي الحالتين تبقى عدوا منافسا للغرب لا يمكن الثقة فيه أو التحالف معه كما فعل (ترامب)، أما العرب فقد أنقذوا أنفسهم من الانقسام.
*أحيانا يخيل لي وأنا المتابع بحكم التخصص والمهنة لكل ما يطرأ على العلاقات الدولية من أحداث يخيل لي أنني ضحية خدعة "الكاميرا الخفية" ولكني أستعيد وعيي وأدرك فعلا أن ما أراه على قنوات التلفزيون هو الواقع والحقيقة فأسارع إلى تحليل نفسي لأبرز شخصيات السياسة الراهنة فأكتشف أنهم مثيرون للجدل لديهم دوافع غريزية تؤهلهم لتغيير قواعد اللعبة السياسية أولهم الرئيس (ترامب) الذي أصر على العودة للبيت الأبيض وتمسك بهزيمة منافسته الديمقراطية (كاميلا هاريس) المعروفة بضحالة تجربتها في الحكم وتورطها في حربي أوكرانيا والمواجهة بين حماس وإسرائيل والثاني هو (زيلينسكي) الذي دفعه اليمين الأوروبي الى حرب مستحيلة مع الدب الروسي والثالث هو الرئيس الفرنسي الذي يعاني من انسداد أفق الحكم في فرنسا وهي بلا حكومة منذ أن أخطأ وحل البرلمان فأراد تعويض ذلك الفشل الداخلي بانتصار خارجي بتزعم أوروبا والدعوة إلى ما سماه استقلال الدفاع الأوروبي والاستغناء عن المظلة النووية الأمريكية معلنا "عدم الثقة من اليوم في الحليف الأمريكي القوي".
* ولكي نتمم رسم لوحة الفوضى العالمية الجديدة نضيف لكم هذا الخبر المدهش الذي نقلته قناة (فوكس نيوز) يوم الاثنين الماضي في حوارها مع الملياردير الأمريكي المثير للجدل (إيلون ماسك) سألته الصحفية: "هل هي إشاعة لتشويهك أنك أعلنت دعمك المالي والرقمي لأحزاب اليمين المتطرف في العالم وفي أوروبا خاصة؟؟" فكان جواب (ماسك) سريعا وفوريا وهو:" نعم وهي حقيقة وليست إشاعة...سأدعم أحزاب اليمين لأنها تعبر عن ضمائر الشعوب بدون نفاق وما قصص الأقليات المستضعفة والمضطهدة سوى قصص ملفقة ومختلقة لجلب دموع الغافلين! فالبقاء للأقوى فقط!!!" أضيف الى مؤشرات الفوضى العالمية خروج (ترامب) من منظمة الصحة العالمية وتوقفه عن تمويل جزئي لوكالة الغوث الأممية (الأونروا) بل وتلويحه مرات عديدة بعدم تحرجه من مغادرة منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، قائلا إن القانون الدولي خرافة كاذبة وربما عزمه على طلب مغادرتها مدينة نيويورك إلى عاصمة أخرى! هذه هي الفوضى العالمية الجديدة وكأنها استعادة النازية والفاشية واستحضار أشباحها التاريخية!
فليعلم المليارا مسلم حقيقة ما ينتظرهم!!! ويستكمل سيناريو الفوضى أمس الخميس بتهديد (ترامب) لحماس مطالبا إياها بتسليم كل الرهائن حالا أو مواجهة حرب مدمرة...! وترد حماس بأنها تعودت بهكذا تهديدات منذ عقود.
ثقة دولية في أدوار الوساطة القطرية
تحظى جهود الوساطة التي تقودها الدبلوماسية القطرية بتقدير دولي كبير، حيث عززت دولة قطر مكانتها كأبرز وسيط في... اقرأ المزيد
57
| 22 ديسمبر 2025
حين يركض النص أسرع من صاحبه: تأملات في مصير الحقوق الفكرية
لا يشبه النص، حين يُولد، أيَّ كائنٍ آخر؛ إنّه هشّ في بدايته، شديد الثقة في آن، يخرج إلى... اقرأ المزيد
54
| 22 ديسمبر 2025
الإعلام غير الاجتماعي وخطاب الكراهية
فيما يرى ابن خلدون أنّ الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، وأنّ الاجتماعية تقوم على التواصل والنظام والاستقرار والتضامن والعدالة،... اقرأ المزيد
45
| 22 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
1074
| 18 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
942
| 16 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها من كأس العالم الذي أبهر وأدهش وأتقن، الى احتضان فعاليات كأس العرب. نعم نجحت قطر في جمع العرب في ملتقى استثنائي، بدأ بافتتاح مهيب وأسطوري اجتمعت فيه حضارة العرب وعاداتهم وأحلامهم ونجحت في تقديم فلسفة الاستاد خلال الأيام الماضية على أنه البيت العربي الكبير الذي يجمع العرب متجاوزين الحدود والفوارق. لقد تبيّن لنا أن هناك الكثير مما يجمع العرب، وليس حرف الضاد وحده، فها هي كرة قدم أظهرت أنهم يقفون ويستطيعون البناء وتقديم الأفضل، وأن هناك جيلا متفائلا يؤمن بالمستقبل وبأنه قادر على أن ينهض من تحت الركام، جيل جديد يتنفس عطاءً ويضع لبنات البناء الذي يعيد المجد لهذه الأمة. أما فلسطين فكانت حاضرة في هذا المهرجان الكروي، في تضامن ليس جديدا أو غريبا على قطر وشعبها، ولعل الأوبريت المؤثر حين جمع قصص الاناشيد الوطنية للدول العربية عبّر لكل الحاضرين والمشاهدين أن تحريرها ممكن وان وحدتنا ممكنة. قطر ومن جديد تجمع العرب في كأس العرب للمرة الثانية من المحيط الى الخليج في هذه الاحتفالية الكروية التي تعد الأكبر في العالم العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه عن سرّ نجاح قطر مرة تلو الأخرى؟ لقد وضعت قطر بصمتها على خريطة العرب والعالم فأصبح يشار إليها بالبنان لما تمتلكه من قدرات استثنائية على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وتمثل كأس العرب فصلاً جديداً في هذا الإرث الرياضي الغني والمتنوع. قطر وخلال أعوام مضت وضعت رؤيتها، وحددت هدفها وسخرت امكاناتها، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق ما رأيناه من ترتيبات لإقامة كأس العالم على أرض صغيرة حجما، كبيرة بالفعل فكان لها ما أرادت واستقر الهدف وجاءت في هذه البطولة لتبني على ما تم انجازه وتعطي أكثر وأكثر. تمتلئ ملاعب قطر بالجماهير التي تحول ملاعب المونديال الأيقونية إلى مسرح جديد للإثارة الكروية العربية يستفيد فيها المشاركون والجماهير من منظومة متكاملة، أسست على أرقى المعايير البيئية العالمية، فهي لم تعتمد بناء ملاعب يطلق عليها مصطلح الأفيال البيضاء ببناء أبنية ضخمة لا داعي لها بل شيدت على مبدأ الاستدامة واستخدام أدوات صديقة للبيئة بحيث يمكن تفكيك وإعادة استخدام الملاعب وفق خطة مدروسة بمجرد الانتهاء منها سواء بإعادة تدويرها في مشروعات داخلية أو بالتبرّع بها وإهدائها إلى دول أخرى لرفع كفاءة منشآتها الرياضية إضافة الا أنها ملاعب بلا تدخين وملاعب يصدح فيها صوت الأذان انجاز مختلف ومقدر. يضاف إلى هذه الملاعب المونديالية، أنها استفادت من البنية التحتية الرياضية الواسعة التي أولت قطر اهتماما كبيرا بها بما في ذلك مرافق التدريب الحديثة، ومناطق المشجعين التي توفر تجربة ترفيهية متكاملة وفي نقطة تحسب لهذه الجهود تتضمن الملاعب خيارات أماكن مخصصة للمشجعين من ذوي الإعاقة. وهنا لا بد من ذكر تسهيلات حركة المشجعين من خلال شبكة منظمة من المواصلات فنجاحها يعد حجر الزاوية في انجاح البطولة فهي توفر شبكة نقل حديثة ومتكاملة تتمتع بسلاستها وفعاليتها مع وجود مترو الدوحة العمود الفقري للدوحة الذي يربط غالبية الملاعب والمناطق الحيوية في قطر خلال دقائق معدودة، بجانب منظومة نقل عام فعالة سلسة الحركة خلال الفعاليات الكبرى، فضلا عن طرق حديثة تساهم بصورة كبيرة في تقليل الازدحام وتعزيز انسيابية حركة الجماهير. وإلى جانب ذلك، يتوفر أسطول حديث من الحافلات الكهربائية الصديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك خدمة نقل عام مستدامة وفعالة تشمل "مترولينك"، والتي تتمثل في شبكة حافلات فرعية مجانية تربط بين محطات المترو والأماكن المحيطة. لقد ركزت قطر على الاستدامة عبر استخدام حافلات كهربائية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتوفير تجربة سلسة في نقل المشجعين مع الأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم وسائل النقل والمحطات، وهو الأمر الذي يساعد على ترك إرث مستدام لقطر يعزز من مكانتها كمركز للفعاليات العالمية. وبينما تدار المباريات من جهة تقام مجموعة من الفعاليات الثقافية والترفيهية لتعزيز تجربة المشجعين وخلق أجواء إيجابية وبناء جسور بينهم حيث ترحب قطر بهم بطريقتها وبحسن وكرم الاخلاق والضيافة. أي انجاز هذا، خطوة ٌتحسب وتقدر ونقطةٌ بألف هدف، فقطر تربط استثمارها بالرياضة بتحقيق نمو اقتصادي وسياحي وفي نفس الوقت وفي هذا المحفل العربي الاخوي تزيل اسباب الفرقة وتقرب المسافات في تجمع لم نكن نراه او يشهد له في من سبقها من فعاليات لكأس العرب. أي انجازٍ هذا في أكبر تجمع عربي، إذا هي الارادة الجادة والحقيقية المنتمية، تغلفها الشجاعة والاقتدار الساعية لبث الخير. قطر لا تمتلك المال فقط، إنما هي تتبع قواعد النجاح وتركز على الإنسان وفكره وتطويره، لا تترك جهدا ً في الاستفادة من خبرات الآخرين والتعلم منها والبناء عليها، وتعطي الفرص وتمنح المساحات للعطاء لمن يريد من القطريين أو غيرهم ممن يعيشون على أرضها. من استاد ملعب البيت كان الافتتاح، ولن تكون النهاية، لقد أصبحت قطر على الدوام البيت الذي يجمع ولا يفرق يلم الجراح ويبث الطمأنينة. الأمل يحدونا لأن نزيد ما تم بناؤه فكريا وروحيا ومعنويا في قطر، وفي غيرها من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، حتى نغدو منارة يهتدى بنا.
696
| 15 ديسمبر 2025