رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عندما قرأت البرنامج الرئاسي للمرشح الديمقراطي جو بايدن منذ ما يقرب من عام، استرعى انتباهي بشدة مقدمة هذا البرنامج، الذي شدد فيه على استعادة القيادة الأمريكية الدولية التي تراجعت بشدة بسبب سياسات ترامب الانعزالية، وعكس بايدن ذلك أثناء حملته الانتخابية وبعد فوزه عبر تأكيده على أن أولويته هي استعادة الدور القيادي لأمريكا في النظام الدولي، فابدين الذي يوصف بوريث أوباما الشرعي، أو كما يعلق الكثير من المراقبين "الحقبة الثالثة لإدارة أوباما"، كان من أشد الداعمين لتقليص دور الولايات المتحدة في النظام الدولي، أو التخلي عن فكرة "القيادة الاستثنائية" لأمريكا في النظام الدولي.
إذن فالسؤال المنطقي هنا، أي قيادة يقصد السيد بايدن؟ وكيف سيستعيدها؟ وما أهدافها؟. عندما يتم الإشارة إلى القيادة الأمريكية في النظام الدولي التي بدأت فعلياً مع سقوط الاتحاد السوفييتي، فنحن بصدد الحديث عن "القيادة الاستثنائية"، والتي تتمحور تقريباً حول ثلاثة ثوابت: دعم النظام الاقتصادي الليبرالي العالمي ومؤسساته الرئيسية، لعب دور شرطي العالم والتدخل عسكرياً وسياسياً بقوة في كل أزماته، وأخيراً استخدام القوة العسكرية دون تردد ضد أية قوة أينما كانت تلوح فقط بتهديد المصالح الأمريكية الحيوية أو الإخلال بقواعد النظام الدولي.
فهل هذه هي القيادة التي يقصدها بايدن؟، والجواب بالقطع "لا"، أعطى بايدن تلميحات واضحة بخصوص هذه القيادة المزعومة تتمحور حول التخلي عن النزعة الأحادية لإدارة ترامب وإعادة النهج الدبلوماسي التعددي، وإعادة بناء الثقة في تحالفات أمريكا التقليدية خاصة مع أوروبا. من خلال ذلك، يمكن استنتاج أن بايدن لا يقصد على الإطلاق القيادة الاستثنائية، بل استمراراً للقيادة الدولية من الخلف التي ابتدعتها إدارة أوباما، وعكستها أيضا إدارة ترامب بصور ودرجات مختلفة.
من منظور واقعي، تدركه جيداً دوائر صنع القرار في واشنطن، أن فكرة القيادة الاستثنائية لأمريكا في النظام الدولي لم تعد ممكنة ولا مجدية، لاسيما لعب دور شرطي النظام الدولي، فالاقتصاد الأمريكي لم يعد بمقدوره تحمل أعباء هذا الدور، ولا الرأي العام الأمريكي بعد كارثة حرب العراق مستسيغ هذا الدور، ولا طبيعة النظام الدولي الحالي "الشديدة التعقد" مهيأة لضمان فعالية هذا الدور.
ضف على ذلك، أن صعود الصين القوى في النظام الدولي قد أصبح الشغل الشاغل للولايات المتحدة، ولعل ذلك قد يكون أهم أسباب التخلي عن فكرة القيادة الاستثنائية، خاصة أن منطق استخدام القوة دون تردد ضد الصين التي تهدد بالفعل دور ونفوذ الولايات المتحدة التقليدي في آسيا، أضحى أمراً شبه مستحيل مع منافس يمتلك قوة عسكرية تضاهى القوة العسكرية لأمريكا.
إذن لماذا يصر بايدن على قيادة دولية من الخلف، وما أهدافها ومدى فاعليتها في تحقيق هذه الأهداف؟ على الرغم من تحمس بايدن الشديد لتقليص دور الولايات المتحدة في النظام الدولي، فهذا لا يعنى انسحابها تماماً من المشهد الدولي عبر سياسات انعزالية كتلك التي أتخذها سلفه كانسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، ومنظمة اليونسكو، وتوتير العلاقات بشدة مع حلفاء واشنطن التقليديين كالاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، فضلاً عن سياسات ترامب شديدة التعسف تجاه حلف الناتو. وفى ذلك، يرى بايدن والديمقراطيون عموماً أن هذا النهج الانعزالي لترامب قد أضر بشدة بصورة الولايات المتحدة واقتصادها، بل والأهم من منظورهم هو ترك فراغ كبير في الساحة الدولية استغلته الصين بكفاءة لتوطيد هيمنتها الدولية، فمؤخراً وقعت 15 دولة بينها الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا على اتفاقية "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة"، والتي أتت كنتيجة للفراغ الاقتصادي والسياسي الذي خلفته سياسات ترامب الانعزالية.
من هذا المنطلق، نستطيع أن نستنتج، أن الهدف الأسمى لبايدن من قيادة أمريكية من الخلف، هو تشكيل تحالف دولي يضم حلفاء واشنطن التقليديين لتقويض مساحات نفوذ الصين في النظام الدولي، وليس لمحاربة الصين، وهذا ما أشار إليه بايدن صراحة عبر قوله إن مواجهة الصين تستلزم تشكيل تحالفات دولية، يبقى الهدف الثاني، وهو الحفاظ على صبغة "اسمية/ أخلاقية" لدور الولايات المتحدة القيادي في النظام الدولي، وهذا سيتأتى عبر استعادة دور الولايات المتحدة عبر أخذ المبادرة والمشاركة القوية في القضايا الدولية الأكثر إلحاحاً خاصة قضية التغير المناخي.
ونستطيع التأكيد في هذا الصدد، أن تحقيق كلا الهدفين، سيكون عبر مساهمة ومشاركة قوية لحلفاء واشنطن، لتبقى الولايات المتحدة "اسمياً" قائداً وداعماً من الخلف لتحالفات تشاركية، وهذا بدوره من المؤكد أن يحقق بفاعلية نوعا ما أهداف الولايات المتحدة، خاصة تقويض نفوذ الصين، لكن في المقابل سيكون مخيباً للغاية لحلفاء واشنطن خاصة الأوروبيين في ظل ما تواجه من أزمات أمنية مستجدة، وعلى صعيد الأزمات الدولية خاصة في مشهدنا الإقليمي التعس، فلن تبدو أية مظاهر لقيادة أمريكية على الإطلاق.
ثوابت القيادة الاستثنائية لأمريكا خاصة دور شرطي العالم والانخراط العسكري الواسع في كل أزمات العالم البعيدة عن حدود الولايات المتحدة، واستخدام القوة دون تردد، قد ولت بلا رجعة، فأقصى ما تسعى إليه واشنطن هو استمرار قيادتها على النظام الدولي عبر الدبلوماسية والتعددية والقوة الناعمة مع تحمل حلفائها عبء المشاركة الأمريكية، بالتوازي مع تحويل التركيز العسكري الكامل على الباسفيك بهدف ردع طموحات الصين العسكرية والإقليمية، والانجرار في مواجهة عسكرية "على مضض" معها إذا استدعت الضرورة القصوى ذلك.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2334
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
831
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025