رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أول خبر أثلج الصدور هذا الأسبوع كان تأكيد معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء القطري في لقائه بالسيد الأمين العام لوكالة الغوث (الأونروا) على استمرار دولة قطر في تمويل هذه المؤسسة الأممية وإصرارها على إنقاذها من حملة التجويع وقطع المساهمات وطبعا هذه هي أخلاق قطر بتوجيه من حضرة صاحب السمو أميرها حفظه الله وجزاه خيرا.
وثاني خبر يعيد الأمل للنفوس هو استمرار المفاوضات برعاية قطرية تعودت على حلحلة الأزمات. ومن جهة أخرى تميز عام 2024 بالتحولات الكبرى التي تطرأ على حياة الأمم الغربية فتغيرها وتدعوها بنداء التاريخ إلى قراءة الأحداث بعيون مختلفة وهو ما يقوم به علماؤها ومؤرخوها بنشر كتب عديدة تعلن نهاية الهيمنة الغربية على العالم وتبشر بعصر تعدد الأقطاب كما أن نفس التحولات والأحداث تزلزل شعوبنا نحن ولكن مع الأسف نادرا ما نتأملها ونعتبر بها أو تصدر لدينا كتب أو دراسات تحلل ما يقع لنا وحولنا. كان زلزال طوفان الأقصى منذ السابع من أكتوبر كذلك هزة عاتية للقوى العالمية بقوة سبعة على ميزان ريختر الحضاري، بدأ العقلاء في الأمم الطاغية يفكون ألغازها. هذا المنعرج الأخطر الذي يهدد مصيرنا بالانفلات وشعوبنا بفقدان البوصلة، دون أن نكون قد تهيأنا نحن ضحاياه لتحمل النتائج ومعالجة التداعيات. والمؤشرات على هذه العواصف العاتية التي تهب على المجتمعات العربية والغربية كثيرة لعل أهمها تشديد الإبادة المروعة للفلسطينيين بقطع غوثهم أي بإيقاف تمويل وكالة الغوث الأممية (أونروا) من أجل استعمال التجويع الى جانب الترويع وتصويت الكونجرس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي على هذا القرار الأمريكي والتمديد عشر سنوات في فرض العقوبات المسلطة على إيران بعد بإلغاء اتفاق 14 يوليو 2015 الموقع بين إيران والحلفاء، مؤذنا بالزمن الجديد القادم على الأمة فيما يسمى بالشرق الأوسط الجديد المعلن إسرائيليا من قبل شمعون بيريز وأمريكيا من قبل كوندوليزا رايس وهما مشروعان توأمان يحينهما نانتياهو بتنفيذ ما جاء فيهما ولكن بعنف وهمجية بعد فشل الدبلوماسية الثعبانية في تمرير صفقة القرن!. مع العلم أن الاتفاق المذكور ليس شأنا أمريكيا داخليا بل وقعته ست دول وصدقت عليه منظمة الأمم المتحدة، ولكن يبدو أن هذه البنود من القانون الدولي تتعامل معها الإدارة الأمريكية كتفاصيل ليست ذات قيمة! فالمتوقع هو ما أعلن عنه المرشد الأعلى للثورة من مواصلة طهران برنامجها النووي من دون أي رقابة وتداعيات هذا المنعرج المفاجئ على دول الجوار ثم إن ما سماه الاعلام الغربي (رد الفعل الأمريكي الانتقامي) بقصف مواقع عسكرية في سوريا و العراق كجواب «طبيعي» على مقتل 3 عسكريين أمريكيين في ثكنة تقع في الحدود بين الأردن والعراق بعد أن نفذت طائرات أمريكية أول حلقة من سلسلة انتقامية يوم السبت 3 فبراير و قتلت 70 ضحية والمؤشر الثاني للعاصفة هو مزيد انزلاق الأزمة السورية و العراقية إلى مربع المجهول وسياسة الأرض المحروقة مع ما يشهده العالم من تدمير بقية الدول العربية وتحويل عدد منها الى حرس حدود لإسرائيل! فلم يعد المتحاربون على أرض سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان من عرب وأغراب يدركون لماذا ومن يحاربون ولأية غاية؟ لأن ساحات الوغى المتعددة لم تعد واضحة ولا يعرف فيها من هو الحليف ومن هو العدو ومن هو البريء ومن هو المذنب ومن هو الضحية ومن هو الجلاد! بل لم يعد لدى الجميع تعريف متفق عليه لما يسمى الإرهاب وتحديد من هو الإرهابي ومن الذي يقاوم الإرهاب؟ ثم إن الأخطر في المشهد العربي هو أن جسر الاتفاق المؤقت بين واشنطن وموسكو الذي منحنا عقدا من السلام الهش انقطع وانعدمت شبه الثقة المصلحية العابرة التي نشأت بين العملاقين لتحل محلها حرب أوكرانيا المدمرة ولن تغير الخمسون مليار دولار هبة على أربع سنوات لمهووس أوكرانيا (زيلنسكي) من الحرب شيئا لأنها حرب بدون إستراتيجية و بدون أهداف ما تزال تزعزع أمن أوروبا و روسيا و العالم! لعل سببها الأول اغتنام بوتين للحالة الانتخابية المعقدة والحالة الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة وميل الرئيس المنتخب بايدن ومنافسه ترامب إلى اعتبار الروس أصدقاء وحلفاء ما داموا كما قال هو يقاتلون أعداءنا المسلمين ويمنعون اتحادهم! ومن جهة أخرى صدر هذه الأيام ملف نشرته «نيويورك تايمز» كتبه «سكوت أندرسون» بعنوان:
Fractured lands: how the Arab world came apart?
(الأرض المجزأة: كيف تشتت العالم العربي؟)
ويؤرخ كاتب الملف لبداية انفجار العالم العربي إلى دويلات ومقاطعات عرقية وطائفية وسياسية بدءا بمحطة احتلال العراق (9 أبريل 2003) حين أخطأت الولايات المتحدة وعوضا عن أن تحطم النظام كما زعمت وأعلنت قامت بتحطيم العراق كدولة ومؤسسات وحضارة وأبرز خطيئة كانت هي قرار حل «بريمر» للجيش العراقي فكانت النتيجة الطبيعية أن يعيد هذا الجيش تشكله في الإطار الوحيد المتوفر وهو إطار العمل السري المسلح وتحت غطاء عقائدي ديني لأنه هو المتاح ومن هنا تكَوَّن جنين الحركات العنيفة في رحم الأخطاء والخيارات الأمريكية ونشأ المولود في شكل متطور تحت تسمية «داعش». وشكل في الحقيقة صرخة فزع انفجرت بسببه الأزمة العراقية ثم السورية العميقة وأصل الداء جاء من تخبط الإدارة الأمريكية التي لم تخطط قبل التاسع من أبريل 2003 لما بعدها من المراحل، فكانت مهمة «بريمر» إسقاط النظام البعثي ثم أصبحت بالرغم عنه تدمير دولة العراق وبالفعل لم يبق شيء يذكر من الدولة أو من الجيش أو من البنية التحتية أو من المجتمع العراقي أو من التعليم أو من التكنولوجيا أو من المتاحف والمصانع وبالطبع لم يبق شيء من التماسك الطائفي الذي صمد في العراق حتى في أدق المراحل وأحلك الظروف. وهذه الحقائق المريرة كان قد عددها «جامس بيكر» في تقريره الشهير منذ سنوات بالضبط (ديسمبر 2006) حين أكد العمى السياسي للإدارة الأمريكية وفتح أبواب الجحيم في الشرق الأوسط. فالتقرير الذي وضعه بيكر لم يأت بأمور خارقة أو اكتشافات مبتكرة بل إنه نقل الواقع بأمانة، ليس من أجل عيون العراقيين بل من أجل حماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية المهددة بشكل جدي من تعفن الوضع وتفاقم الأزمة في العراق كما نراها اليوم بين السنة والشيعة والأكراد، أما في فلسطين فالبهتان الدولي متواصل بل الجهود الشريرة متضافرة لإدخال الخناس الوسواس في معابر الضفة والقطاع ودق إسفين الفتنة والفوضى بين أبناء الشعب! هذا هو المشهد العربي اليوم، ويخشى أن تبقى المنطقة كلها على كف لا عفريت واحد بل مجموعة عفاريت. والعفريت الأشرس هو العفريت الداخلي أي الانقسام والفرقة والعداوات المتفاقمة والحسابات الأنانية والمصالح الانفرادية والقضايا الهامشية، في حين يخطط أعداء الأمة في الظلام لضرب جميع العرب بلا استثناء مهما اعتقد البعض منا بأنه في مأمن وهو في الحقيقة المستهدف الأول وعلى مرمى قريب من النار العدوة. فاجتمعوا على كلمة سواء يرحمكم الله، قبل أن ينفخ في الصور!
في منتدى الدوحة 2025 وسط حضور كبير تجاوز ستة آلاف شخص وفي التنوع في الجلسات الحوارية التي ناقشت... اقرأ المزيد
57
| 17 ديسمبر 2025
تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
وصلت صباحا وكلي همة وتفكير من أين سوف أبدأ، فإذا بي أدخل المكتب وأجد مكتب زميلتي ليس على... اقرأ المزيد
60
| 17 ديسمبر 2025
قطر.. قصة وطن يتألّق في يومه الوطني
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تكون دولة قطر على موعدٍ مع ذاكرتها الوطنية، وتفتح صفحات... اقرأ المزيد
51
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
807
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025