رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

213

د. أحمد المحمدي

قول معروف ومغفرة خير من صدقة

09 مارس 2025 , 01:30ص

قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ

الغني والفقير، صنفان من الناس لا تخلو منهما البشرية، قد وُجدَا منذ أن نشأت الحياة، وسيظلان ما بقيت الأيام، للأول بسطة في المال يسطو بها على غيره، وللآخر ضَعَة في الحرمان تنكسُ رأسه بين الناس. هذا شأن الدنيا إذا غاب عنها شرع الله، أو ضاع فيها الإيمان، أو فُقِدَ منها الضمير الحي. لكن لما جاء الإسلام، جعل للفقير في مال الغني حقًّا معلومًا، بل فريضة مفروضة لا يمتنّ بها الغني، ولا يتفضل بها اختيارًا، بل إن لم يعطِها طوعًا، أُخِذَت منه عَنوةً، وكان ذلك صونًا للعدالة، وحفظًا للتوازن بين القادر والعاجز.

فطرةٌ قد جُبِلَ عليها الناس، فمنهم من يُسرع إلى العطاء، يُخرجه طائعًا مختارًا، لا يُماطل ولا يتردد، ينفق ليلاً ونهارًا، سرًّا وعلانية، لا يحول بينه وبين البذل حال، ولا يمنعه عنه مقال، فإنما يُنفق وهو موقنٌ بأن الله هو الغنيُّ المطلق، وأنه سبحانه قادرٌ على أن يستبدل بالقوم البخلاء آخرين، يفيضون من رزقه في سبيله، كما قال الحسن: "إن لله عبادًا اختصهم بحوائج الناس، يعطيهم الله ما أعطَوا الناس، فإن منعوا العطايا عن الناس، منع الله العطية عنهم".

وهنا يقف الإسلام موقف التأديب والتهذيب، ليعلِّم من تصدَّق أن الصدقة ليست بالمَنِّ والأذى، وأن العطاء لا يكون كماله إلا إذا اقترن بالتواضع ولين القول. فما المنُّ إلا ذِكرُ النعمة على سبيل التعديد والتقريع، وما الأذى إلا السَّبُّ والتشكِّي، وكلاهما يُفسد الصدقة، ويذهب بأجرها، ويُحيل النعمة إلى نقمة.

ولذا قال زيد بن أسلم رضي الله عنه: "لَئِنْ ظَنَنْتَ أنَّ سلاَمَكَ يَثْقُلُ على من أنفقْتَ عليه، تريدُ وجْهَ اللَّه، فلا تسلِّم عليه".

ما أعظمها من عبرة، وما أرقاها من حكمة! فإنّ بعض الناس يُعطي، لكنه يُتبعه بنظرات الامتنان، وكلمات التفضل، حتى ليشعر الفقير بأن حاجته أضحت قيدًا في عنقه، وأنه لوى رأسه للغني ليجود عليه. وهنا يقف الإسلام ليقول: إن لم تكن الصدقة مقرونة بالرفق، فالإعراض عنها أولى.

فما أبلغها من كلمة، وما أعمقها من حكمة! إن العطاء إن لم يكن مصحوبًا بالرحمة، تحوَّل إلى استعلاء، وإن لم يكن مغلفًا بالرفق، صار بابًا للأذى. فما أعظم الإسلام حين جعل الصدقة تزكيةً للروح قبل أن تكون سدًّا للحاجة، ورفعةً للمعطي قبل أن تكون يدًا ممتدة إلى الآخذ!

مساحة إعلانية