رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لو تصفحنا وقرأنا وسمعنا السرديات السياسية التي يتداولها الدبلوماسيون في القارات الخمسة لأدركنا دون عناء أن العبارة المفتاح هي بلا منازع: (قطر هي الشريك الموثوق به في إحلال السلام والذي من الصعب الاستغناء عن وساطاته الخيرة للقضاء على بؤر التوتر والعنف في العالم) وأخيرا عند زيارة وزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني الى الدوحة أكد في مؤتمر صحفي أن سوريا ما بعد سقوط الطاغية تعتبر دولة قطر الشريك الاستراتيجي الأول في بناء سوريا وإعادة إعمارها وإنقاذها من مخاطر عودة الفتنة والردة. وهذا المعنى نفسه شدد عليه معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي قال إن مواقف قطر لم تتغير منذ سنوات لأن الدوحة متمسكة بالشرعية وكانت أول من رفع الراية السورية الأصيلة فوق سفارة دمشق لديها وكذلك أول من أوفد سفيرا قطريا لسوريا المنتصرة على الاستبداد والوحشية.
ومن جهته حين زار وزير الدولة بوزارة الخارجية د. محمد الخليفي دمشق الأسبوع الماضي أكد للقيادة الجديدة نفس المعاني متزامنا مع وصول طائرات قطرية محملة بمعونات الأدوية وغيرها للشعب السوري الخارج من شبه جحيم لخصت كوارثه مشاهد من المقابر الجماعية ومن سجن صيدنايا الرهيب كما أعلنت من جهتها الخطوط الجوية القطرية بأنها ستسير رحلاتها التجارية بالمسافرين من الدوحة الى دمشق يوم 7 يناير ( أي تمت الرحلة يوم الثلاثاء الماضي)
* وكتب موقع إيلاف يقول: «لا تزال العيون متجهة إلى العاصمة القطرية الدوحة، لترقب ما ستفرزه نتائج المباحثات المستمرة بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة وعقد صفقة لتبادل الأسرى بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس وسط تفاؤل حذر بإمكانية نجاح جهود التوصل إلى اتفاق هذه المرة. ورشحت معلومات عديدة خلال الساعات الأخيرة تتعلق بتفاصيل المفاوضات وبنود متعلقة بالصفقة المحتملة في ظل الحديث عن موافقة حركة حماس على قائمة تضم 34 أسيرا إسرائيليا لضمهم للمرحلة الأولى من الصفقة بشرط أن يكون مقابلهم ثمنا مناسبا.
وأعلن سعادة الدكتور ماجد الأنصاري الناطق الرسمي باسم الخارجية القطرية بأن فريقا فنيا من مطار حمد الدولي انتقل الى دمشق للمساعدة على تشغيله وأن فريقا قطريا مختصا في أمن المطارات يساعد السوريين على نقل المسافرين من وإلى دمشق. وهو ما ثمنه وأشاد به المدير العام لهيئة النقل الجوي السوري. أنا أعتقد أن قطر وهي تدرك أن المنطقة تمر بمطبات وأن العالم كله يعاني أوضاعا دولية منذرة بالأخطار لكنها حسب رأيي المتواضع اختارت أن تشعل شمعة تبدد الظلام عوض الاكتفاء بشتم الليل المظلم. هذا من جهة.
ومن جهة ثانية أكــد تـقـريـر لـصـحـيـفـة (نــيــوز مــاكــس) الأمـريـكـيـة أن قطر ستكون حليف الرئيس المنـتـخـب (دونــالــد تــرامــب)، خـصـوصـا وهــو يسعى لتحقيق أجندة سلام طموحة في تصريحه خلال الأيام الأولى للإدارة الـجـديـدة وبـيـنـمـا كان أيضا يـتـفـاوض عـلـى تـسـويـة للحرب فـي أوكـرانـيـا فربـمـا يتطلع الرئيس (ترامب) إلــى قـطـر لـلـتـواصـل مــع حـمـاس وإيـــران وطـالـبـان وغيرها للمساعدة فـي حـل الـصـراعـات فـي الشرق الأوسط؟
*وفي مقال الرأي الذي كتبه (برنارد بي كيريك) على الصحيفة الأمريكية قال: «إذا كان للتاريخ أي دليل فسوف تثبت قطر أنها شريك موثوق وجدير بالثقة ليس فقط للرئيس (ترامب) بل للـولايـات المتحدة منذ سنوات. و كما صرح (ترامب) بأنه يسعى الى استعادة المفاوضات التي انقطعت بين إسرائيل وحماس بشأن وقـف إطلاق النار في غزة والافراج عن الرهائن وبالطبع فكر في تفعيل عملية الوساطة الخيرة القطرية لتنفيذ ما أعلنه من ضرورة إنهاء حربي الشرق الأوسط وأوكرانيا وهو لا شك يسترجع أو يتمنى تكرار النجاح الـذي حققته قطر في نوفمبر 2023 عندما تمكنت وساطتها الناجحة من وضع حد لحرب ضروس مدمرة بين الولايات المتحدة وطالبان وقال: إن إدارتي الجديدة ستقدم الكثير من التشجيع مـن أجـل الـتـوصـل الى مفاوضات بين حماس وإسرائيل تؤدي إلـى اتـفـاق يــرى انـتـهـاء الـصـراع فـي غــزة وعــودة الـرهـائـن بــأمــان إلــى عــائلاتــهــم مؤكدا أن هـنـاك قـضـيـة أوســع وأكـثـر جــوهــريــة يــجــب عــلــى الــكــثــيــريــن فــي (الـكـابـيـتـول هـيـل) أن يـنـاقـشـوهـا وهــي أن أمـريـكـا تـحـتـاج إلـى أصـدقـاء يـمـكـنـهـا الاعـتـمـاد عـلـيـهـم إذا كـانـت تـريـد تـعـزيـز المـصـالـح الأمـريـكـيـة وإحلال السلام في الشرق الأوسـط المعقد والمضطرب. وقد تم التأكيد عـلـى هـذا الـتـوجـه بـعـد الإعلان بأن بـشـار الأســد قد فـر مـن ســوريــا وهــو حــدث مـزلـزل فـي الـجـغـرافـيـا الـسـيـاسـيـة لـلـمـنـطـقـة. ومن هنا انــطــلــقــت الأســئــلــة: كـيـف سيؤثر رحيل الأسد على المصالح الأمريكية؟ ماذا سـيـعـنـي ســقــوط نــظــام الأســـد بـالـنـسـبـة لـروسـيـا؟ وماذا يعني هذا بالنسبة لإيــران الـتـي دعـمـت الأســد أيــضًا والـتـي خـسـرت وسقطت قطعتها القوية على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط؟ وتابع كاتب المقال قائلا: «أرسلت قطر مبعوثًا إلى دمشق وهي مثل الولايات المتحدة عارضت منذ فترة طـويـلـة حـكـم الأســـد الاستبدادي لـكـن الـقـطـريين لـديـهـم اتـصـالات مـع الـجـمـاعـات الـعـرقـيـة والدينية والسياسية المتباينة في سوريا وهو ما تفتقر إليه الولايات المتحدة فقطر تشارك واشنطن لأن مصلحتنا نحن الإثنين هي في تحقيق الاستقرار والأمن في مرحلة ما بعد الأسد فـي سـوريـا.
* والمثال الـسـوري هـو رمـز لـلـدور الـذي تلعبه قـطـر كحليف للولايات المتحدة فـي الـشـرق الأوسط. لقد اتبعت قطر منذ فترة طويلة سياسة الـبـاب المفتوح فلا تنسى واشنطن أن قطر أقدمت بشجاعة وذكاء عـلـى استضافة مكتب سياسي لـحـمـاس والــذي بـدوره سمح للدوحة بالتفاوض بنجاح على إطلاق سراح الــرهــائــن فــي الــعــام الماضـــي. وخـارج نطاق الشرق الأوسط سـاعـدت قـطـر فـي الـتـفـاوض عـلـى إطلاق ســراح 10 أمريكيين مـحـتـجـزيـن فـي أوكـرانـيا في العام 2023 وتفاوضت على إعـادة 22 طـفلا مختطفا في فينزويلا فـإن قطر تمنح الولايات المتحدة قناة خلفية للتفاوض مــع خــصــوم أمــريــكــا بنية إحلال السلام وبسط الأمن. وطبعا تنتبه الدبلوماسية القطرية الى نوايا القوى العظمى ومناوراتها لكنها تعرف أن إقرار السلام في الشرق الأوسط وإنهاء حرب الإبادة التي يكابدها الشعب الفلسطيني الشقيق يقتضيان مراعاة تقاطع المصالح الذي هو جوهر العلاقات الدولية.
الدوحة مركز عالمي لدعم جهود مكافحة الفساد
جاءت استضافة الدوحة لأعمال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في دورته الحادية عشرة، بحضور... اقرأ المزيد
96
| 16 ديسمبر 2025
القوة الناعمة للصين.. التطور والتحديات
مع بداية الصحوة القوية لما يسمى (الصعود الصيني) في أوائل الألفينات، بدأت الصين في إيلاء مزيد من الاهتمام... اقرأ المزيد
186
| 16 ديسمبر 2025
الفجوة الصامتة بين التعليم والمستقبل
لا يزال التعليم في كثير من مدارسنا وجامعاتنا قائمًا على نموذج قديم، جوهره الحفظ واسترجاع المعلومة، لا فهمها... اقرأ المزيد
357
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1248
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
804
| 10 ديسمبر 2025