رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

534

د. أحمد المحمدي

الاعتراف بالخطأ... ذروة الوعي وسقوط الأنا

10 أغسطس 2025 , 12:25ص

دخل الغرفة متجهمًا. وقف أمام الطبيب، ومدّ ذراعه المرتجفة قائلًا:

«ها هنا… الألم لا يفارقني.”

تفحّص الطبيب عينيه قبل معصمه، وقال في هدوء:

«هل يهمك أن تعرف السبب حقًا؟”

أومأ برأسه، وقد تحولت ملامحه من القلق إلى استعطاف.

هنا، تتجلى المفارقة:

الإنسان يهرول ليشكو وجعه الجسدي، يُفصح عنه دون مواربة، يُقِّدم نفسه على طاولة التشريح دون تردد، لأنه يُدرك أن الألم لا يكذب.

لكنه - حين يُصاب في سلوكه، حين يزلّ في رأيه، حين يخذله لسانه أو هواه - لا يعترف.

يُخفي خطأه خلف ركام الأعذار، يُجمّله، يُهاجم من نبّهه، ويخاصم من واجهه بالحقيقة.

فأيّنا إذًا المريض؟

ذاك الذي يشكو لينجو، أم ذاك الذي يكابر ليغرق؟

وهل الشجاعة أن نُحدّث الطبيب عن ألم الجسد، أم أن نُصغي لصوت الحق حين يُعرّينا من وهم الصواب؟

المرء حين يدرك أن الخطأ لا يُنقص من كرامته، بل يزيده وزنًا عند من يعرفون معنى الإنسانية، يكون قد خطا أولى خطوات التوازن بين عقله ونفسه.

أما الذي يتمسك بخطئه، ويجعل منه جدارًا يحتمي خلفه، فهو إنما يُراكم جهلًا فوق جهل، ويُغلق على نفسه باب النور.

الخطأ جزء من تكوين الإنسان، بل لعله إحدى ضروراته، لأنه بابٌ إلى التعلم، ومدخلٌ إلى النضج، ومحرّك صادق للتواضع.

ولكن لا قيمة للخطأ إذا لم يعقبه اعتراف، ولا وزن للزلل إذا أنكره صاحبه ثم مشى مزهوًا بما لم يُحسن.

إن أكثر الناس بعدًا عن الصواب ليسوا الجهلة، بل أولئك الذين يُحسنون تبرير الزلل، ويرَون الاعتراف هزيمة، كأن الحق معركة، وكأن الرجوع ضعف.

وهنا يكمُن الكِبْر في أبشع صوره: أن تُنكر ما علمت، وتُجادل فيما بان، وتُسكت صوت ضميرك مخافة أن يُقال عنك: «لقد أخطأت.”

الحق لا يُعرف بالوجوه، ولا تُحدّد قيمته بناءً على من نطق به، بل هو أرفع من الأسماء، وأبقى من الألقاب.

فما أعظم المرء حين يقول عن قناعة: «كنت على غير هدى”، ثم يترك الطريق الذي سلكه، ويعود إلى الحق وإن جرّ معه خيبته.

هذا هو التفوق الحقيقي:

أن تنتصر على نفسك، لا أن تنتصر لها.

أن تصمت حين يملي عليك الغرور أن ترد، وأن تتراجع حين يملأك العناد برغبة الاستمرار.

وما أكثر ما تهوي العروش حين ترفض أن تعترف، وما أكثر ما ترتقي النفوس حين تقرّ بما بدا لها من نور الصواب.

الوعي لا يصنعه التعليم وحده، بل يصنعه هذا الصدق الخالص الذي يجعل الإنسان يرى نفسه بعيونٍ خارج نفسه، ويزنها بميزان لا يُعطّل أمام الإغراء، ولا ينكسر تحت الضغط.

من قال: «أخطأت”، فقد بدأ في إصلاح ما بعد الخطأ، أما من قال: «أنا لا أُخطئ”، فقد أخطأ قبل أن ينطق.

جميل أن نتعلم، لكن الأجمل أن نخلع الكبر إذا بان الطريق.

وجميل أن ندافع عن رأينا، لكن الأجمل أن نتخلى عنه إذا خالف الدليل.

وجميل أن نُحسن الظن بأنفسنا، لكن الأجمل أن نظن أن غيرنا قد يُحسن حيث قصرنا.

هذا هو النضج، وهذه هي الحكمة، وهذا هو الإيمان الذي لا تُرهقه الحقيقة، بل يخضع لها إذا ظهرت.

اقرأ المزيد

alsharq الشرع والواقعية السياسية

منذ اليوم الأول لتوليه قيادة سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد، والرئيس أحمد الشرع يحطم رويدا رويدا جميع التصورات... اقرأ المزيد

318

| 18 نوفمبر 2025

alsharq وزارة التربية والتعليم هل من مستجيب؟

شخصيا كنت أتمنى أن تلقى شكاوى كثير من المواطنين والمقيمين من أولياء أمور الطلاب الذين يدرسون في مدارس... اقرأ المزيد

1221

| 18 نوفمبر 2025

alsharq د. زغلول النجار.. عالمٌ حمل عزة العلم وصدق الدعوة

( قضية الإسلام عادلة، لكنها كثيرًا ما تُقدَّم بألسنةٍ ضعيفة ) «الشيخ محمد الغزالي» بهذه الكلمات التي تختصر... اقرأ المزيد

192

| 18 نوفمبر 2025

مساحة إعلانية