رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

ialsada63@gmail.com

مساحة إعلانية

مقالات

1239

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

ثقافة إيجابية الأخطاء

12 نوفمبر 2025 , 03:12ص

في بيئتنا الإدارية العربية، ما زال الخطأ يُعامَل كجريمة مهنية لا كمحطة تعلّم. يخاف الموظف من المجازفة لأن ثقافة “الصفر أخطاء” ما زالت تحكم عقول كثير من المديرين، فيتحوّل العمل إلى تكرار آمن يخلو من الإبداع.غير أن المؤسسات التي تسعى إلى التطور الحقيقي تدرك أن الخطأ، حين يُفهم ويُحلَّل، هو الطريق الأقصر إلى الإتقان.الخطأ الإيجابي ليس دعوة إلى الفوضى أو التهاون، بل إلى تعلّم منظم يقوم على التجريب والوعي بالنتائج.القائد الواعي لا يسأل: “من أخطأ؟” بل: “ماذا تعلّمنا من هذا؟”بهذا السؤال يتحوّل الجو المهني من الاتهام إلى التطوير، ويصبح الخطأ محفّزًا للتحسين وليس مبررًا للعقاب.ولعل من القصص الملهمة التي راجت مؤخرًا على منصات التواصل ما حدث مع طالب طبٍ كان يعمل على تصميم نموذج لقسطرة طبية، فانتهت تجربته إلى نتيجة غير متوقعة بسبب خطأ في الشكل الداخلي.لكن فريقه البحثي لم يتوقف عند الفشل، بل درس الظاهرة باهتمام، ليكتشف لاحقًا مبدأ تصميميًا جديدًا حسّن من أداء القسطرة وخفّف المضاعفات.الإنجاز لم يأتِ من الخطأ ذاته، بل من طريقة التعامل معه.حين نغيّر زاوية النظر إلى الخطأ، يتحوّل من عقبة إلى بوابة معرفة.إن بناء ثقافة الخطأ الإيجابي يبدأ من الإدارة.ينبغي أولًا التمييز بين الخطأ الناتج عن الإهمال والخطأ الناتج عن الاجتهاد؛ فالأول يُحاسَب عليه، والثاني يُكافَأ لأنه يضيف خبرة.وثانيًا، ترسيخ مراجعات ما بعد التنفيذ لتوثيق الدروس المستفادة من كل تجربة.وثالثًا، أن يُقدّم القائد القدوة بنفسه؛ فالاعتراف بالخطأ من قِبل القائد لا يُضعفه، بل يعزز ثقافة الصدق والنمو.في عالم يتغير بسرعة، لا يمكن للمؤسسات أن تتطور وهي تخشى المحاولة.الرقابة الصارمة قد تحفظ النظام، لكنها لا تُنتج الإبداع.أما الثقة الواعية، فهي التي تخلق بيئة آمنة تسمح بالتجريب وتحفّز العقول على الابتكار.يقول بيتر دراكر: «أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي أن تصنعه». ولا يُصنع المستقبل إلا في بيئة تتقبّل الخطأ كجزء من رحلة الصواب.الخطأ الإيجابي ليس شعارًا بل ثقافة تحتاج إلى شجاعة ووعي.ومن لا يُخفق لا يتعلم، ومن لا يتعلم لا يتقدم.وكما قال نيتشه: «من لا يسقط، لن يعرف كيف ينهض».وبين السقوط والنهوض يولد كل إنجاز حقيقي.

مساحة إعلانية