رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

642

سعدية مفرح

من الحبر إلى الحلم: كيف تصنعنا الكتب ؟

14 أبريل 2025 , 02:00ص

في لحظة صمت، وبين يديك كتاب مفتوح، يحدث أمر لا تراه، لكنه يمسّك بعمق. الكلمات التي سُكبت ذات يوم من عقل كاتب إلى حبرٍ على ورق، تبدأ فجأة بالحركة. لا تصدر صوتًا، لكنها تهمس. لا تمتدّ إليك بيد، لكنها تمسك بك. هناك، في ذلك الحبر اليابس، شيء حيّ، شيء قادر على أن يوقظك، أن يأخذك من مكانك إلى حيث لم تكن.

الكتب ليست أشياء ميتة تُصفّ على الرفوف. ليست فقط أوراقًا مربوطة بين غلافين. الكتب أشياء تصنعنا، تعيد ترتيبنا من الداخل، تمنحنا عيونًا إضافية نرى بها العالم، وصوتًا داخليًا نُراجع به أنفسنا. من يظن أن القراءة مجرّد عادة ثقافية، لم يقرأ كتابًا غيّره. لم يشعر بتلك الرعشة التي تأتي فجأة عندما تصادف جملة كأنها كُتبت لك وحدك. جملة تضع إصبعها على ندبة في روحك لم تكن تعرف أنها موجودة، ثم تخبرك بهدوء أنها تراها.

والكتب هي الشيء الذي نلجأ إليه لا لننسى العالم، بل لنفهمه. نقرأ لنعرف كيف يحبّ الآخرون، كيف يخسرون، كيف يصمدون، كيف يعيشون.

نقرأ لنجد تشابهات غريبة بيننا وبين من لم نرهم، ولنشعر أن هذا الاتّساع البشري فيه شيء منا، وأننا لسنا وحدنا في هذا الركض المتعب نحو المعنى.

منذ أول قصة سمعناها في الطفولة، بدأ شيء فينا يتشكّل. الطفل الذي يُنصت لحكاية قبل النوم لا ينتظر نهاية سعيدة فقط، بل ينتظر أن يرى نفسه في البطل، أن يتعلم شيئًا عن الشجاعة أو الحيلة أو الحزن. تلك البذور الصغيرة من القصص تنمو معنا، وتتحوّل إلى أشجار ضخمة من الخيال والفهم. وحين نكبر، تصير الكتب مرآة نراجع بها ملامحنا الداخلية، ونحاول بها فهم ما لا يُفهم بسهولة؛ لماذا نشعر كما نشعر؟ لماذا نفعل ما نفعل؟ من نحن أصلًا؟

كل كتاب جيّد هو رحلة. ليس لأنك تنتقل من فصل إلى فصل، بل لأنك تُسافر داخل نفسك. تقرأ شيئًا عن الحب، فتتذكّر من أحببت. تقرأ عن الفقد، فيرتجف قلبك لأحدٍ لم يعد موجودًا. تقرأ عن حلمٍ صغير لأحدهم، فيُوقظ هذا الحلم شيئًا نائمًا فيك. الكلمات تصبح خيوطًا تمتدّ إلى داخلك، وتربطك بأجزاء من نفسك نسيتها أو خفت أن تراها.

وهناك سحر خفيّ في الكتب لا يمكن تزييفه؛ أن تقرأ فكرة عميقة عبّر عنها شخصٌ مات قبل مائة عام، وتجد أنها تعبّر عنك الآن. هذا العبور الزمني هو المعجزة الحقيقية. أن نصبح أكثر فهمًا لزمننا من خلال كلمات كُتبت في زمن آخر. أن ننجو من لحظات الوحشة بفضل من كتبوا قبل أن نُولد، وكأنهم تركوا لنا كلماتهم في زجاجة تطفو على بحار الزمن، تنتظر أن نلتقطها.

* أنا لا أؤمن بأن الكتب تغيّر العالم بشكل مباشر. لكنها تغيّر القارئ، وهذا يكفي. لأن القارئ المختلف يذهب إلى العالم بطريقة مختلفة. يفكر، ويشعر، ويحلم بطريقة أخرى. ومن هنا تبدأ التغييرات الحقيقية من داخل الفرد، ومن عمق التجربة التي يعيشها حين يقرأ شيئًا يهزّه.

بعض الكتب لا تُقرأ مرة واحدة. نعود إليها كما نعود لأماكننا المفضلة. نُعيد اكتشافها، أو نكتشف أننا نحن من تغيّرنا. وما كان يبدو عاديًا صار يمسّ القلب، وما كان عميقًا أصبح أوضح. هذه العلاقة المتحركة مع الكتاب تجعله أكثر من مجرد مادة للقراءة. تجعله صديقًا، شاهدًا على مراحلنا، مرافقًا في صعودنا وهبوطنا.

لكن الكتب لا تمنحنا أجوبة نهائية، بقدر ما تمنحنا طريقة أذكى لطرح الأسئلة. تعلمنا أن الحياة ليست وصفة جاهزة، وأن كل إنسان يكتب قصته بنفسه. تعلمنا أن نكون أكثر رحمة بأنفسنا، وبالآخرين. أن نرى الجمال وسط الفوضى، وأن نبحث عن الحقيقة، لا لنمتلكها، بل لنفهمها ونعيش بقربها.

من الحبر خرج الحلم. ومن بين السطور خرجنا نحن. أكثر وعيًا، أكثر صدقًا، وأكثر قدرة على احتمال هذا العالم الغريب. فالكتب لا تصنعنا من جديد، بل تُعيدنا إلينا.

اقرأ المزيد

alsharq كأس العرب... حدث يوحد العرب وقطر تمنحه بريقاً عالمياً

تُعد بطولة كأس العرب لكرة القدم إحدى أبرز البطولات الإقليمية التي تجمع المنتخبات العربية تحت راية واحدة، في... اقرأ المزيد

108

| 09 ديسمبر 2025

alsharq الأبعاد العميقة.. بواقعية!

من أصعب ما نواجه هذه الأيام الاعتراف بالإشكاليات، حيث ندرك الصعوبات ونتجاهل الحلول لها. ونستيقن الأوضاع غير المرغوبة... اقرأ المزيد

201

| 09 ديسمبر 2025

alsharq نقلة جديدة في مسيرة الشراكة القطرية السعودية

شكلت زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى المملكة العربية السعودية،... اقرأ المزيد

87

| 09 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية