رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ميسون أبو حمدة

* مدربة معتمدة في التنمية الذاتية

مساحة إعلانية

مقالات

477

ميسون أبو حمدة

حين يصبح الذنب قيدًا من حرير

15 أغسطس 2025 , 02:39ص

أكثر الجمل التي تؤلمك… ليست تلك التي تُقال بغضب، بل التي تأتيك بهدوء، في لحظة غير متوقعة، وبنبرة تُشبه العتب:

«أنت تغيّرت.»

جملة قصيرة، عابرة، لكنك تسمعها كأنها اتهامٌ … فتبدأ بمراجعة نفسك:

هل كنت قاسيًا؟

هل جرحت مشاعره؟

هل أسأت من حيث لا أدري؟

وفجأة، تجد نفسك تعتذر. لا لأنك متأكد من خطئك، بل لأن الشعور بالذنب بدأ يتسلل إليك… 

نحن لا نتنازل في العلاقات القريبة لأننا ضعفاء، نتنازل لأننا نُحب، ثم نستمر لأننا نخاف، ثم نصمت… لأننا لا نعرف كيف نقول «لا» دون أن نبدو أنانيين، نتنازل خشية من كلمات بسيطة تُقال بحزن:

«ما عدت تهتم.»

«صرت تفكر في نفسك أكثر منّا.»

كلمات لا تُقال بنبرة عالية، لكنها توجعك، وتُربكك وأنت تحاول أن تثبت لهم أنك كما كنت… وربما أكثر.

وهكذا، دون أن تشعر، تدخل في لعبة خفية لا تُرى، ولا تُسمّى، لكنها تستنزفك من الداخل، تلك اللعبة اسمها: الابتزاز العاطفي.

أحيانًا لا يكون ما تعيشه واضحًا… لا إساءة واضحة، ولا خطأ يُمكن تسميته، فقط ضباب يُربكك، ويُشوّش عليك صوتك الداخلي، ويجعل قراراتك رمادية، تشعر بالخوف من ردّ فعلهم، وبالواجب أن تُرضيهم دائمًا، وبالذنب لأنك لم تكن كما يريدون — حتى لو لم تُخطئ.

تسميه سوزان فورورد «الضباب العاطفي» ذاك الشعور المُربك الذي لا تفهمه تمامًا، لكنه يُثقلك بمزيج من الخوف، والواجب، والذنب…

ثلاثة مشاعر تختلط فيك حتى تفقد البوصلة، وتبدأ في قول «نعم»، بينما داخلك يهمس: «لا».

والمؤلم أن هذا الضباب لا يأتيك من غريب، بل من أقرب الناس إليك؛ من وجوه تحبها، وتخشى أن تجرحها بكلمة أو رفض، قد يكون شريك حياتك، أحد والديك، أو حتى ابنك.

ومع كل محاولة لاختيار ما يُناسبك، يتبدّل شكل العلاقة …لا صراخ، لا لوم مباشر، بل شيء في النظرات… في النبرة… في المسافة التي باتت تُبعدك عنه.

في بعض المرات، لا يقول لك «افعل»، بل يربط محبته بطاعتك:

«إذا هيك رح تعمل… انساني.»

وكأنك إن اخترت نفسك، فإنك تخسرهم، وكأن محبتهم مكافأة مشروطة.

وفي مرات أخرى، لا يصرخون… بل ينهارون، ينخفض الرأس، يتنهّد أحدهم، ويقول بصوت مكسور:

«براحتك… بس أنا فعلًا ما بقدر أتحمّل.»

فتجد نفسك تُذعن، لا عن اقتناع، بل لأنك تخشى أن تكون السبب في ألمه.

وأحيانًا، لا يُقال لك شيء صريح، لكن العتاب يأتيك بنظرة، أو بجملة تُقال بخفوت:

«كنت مفكّرك غير عن الكل… حتى إنت؟»

فتغرق في الشعور بالذنب… فقط لأنك لم تفعل ما يُرضيهم.

وإن حاولت الصمود، يأتيك الوعد:

«ساعدني هالمرة… وبعدها كل شي بيتغيّر.»

فتمنحهم فرصة جديدة، ثم تعود إلى النقطة ذاتها… بخيبة أعمق، وصوت داخلي أكثر إنهاكًا.

لا أحد منهم يصرخ، لا أحد يُجبرك صراحة، لكن كل ما فيك يبدأ بالإذعان...حتى يبدو التنازل هو الخيار الوحيد.

لكن كيف تخرج من هذا دون أن تصبح قاسيًا؟

الخلاص لا يأتي من المواجهة الحادة، بل يبدأ حين تفتح عينيك على الحقيقة:

أن راحتك… ليست أنانية، وأن احترامك لنفسك… ليس قسوة، وأنك لست مسؤولًا عن شعور كل من حولك،

بل فقط عن توازنك… وسلامك الداخلي.

لكن معرفة الحقيقة لا تكفي.

 أن تُدرك شيئًا… لا يعني أنك تعرف كيف تتصرّف حياله، لهذا، حين يُربكك الموقف القادم، حاول أن تبدأ من هنا:

أن تتوقف، ولا تُسارع بالموافقة، قل بهدوء:

«خليني أفكر…»

واجلس مع نفسك ثم اسألها بصوت منخفض:

«هل أنا فعلاً أريد هذا؟

أم أنني فقط خائف؟

أخشى أن يُغضبهم رفضي؟ أخشى أن أبدو أنانيًا؟»

وإن عرفت الجواب… فقل ما تشعر به دون اعتذار زائد، ودون محاولة لإرضاء الجميع، ببساطة ولطف وثقة:

«أنا مقدّر مشاعرك… بس هذا القرار اللي يناسبني.»

كلام بسيط، لكن في داخله إعلان واضح: 

أنك بدأت تعود إلى نفسك، وتمنحها ما تستحق… دون أن تعتذر عن ذلك.

الذنب شعور نبيل… حين يكون ضميرًا يوجّهك، أما حين يتحوّل إلى أداة يُدير بها الآخرون اختياراتك،

فهو قيدٌ ناعم… يخنقك بهدوء.

لا تقبل أن تكون طوال الوقت في امتحان: إما أن تُرضيهم… أو تُتّهم بأنك أناني.

من يُحبك حقًا، لن يُربكك، لن يضعك في امتحان دائم، ولن يجعلك تختار بينه… وبين نفسك.

مساحة إعلانية