رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قد أمسى من المسلم به أن الهيمنة الأحادية الأمريكية على العالم تعيش فصلها الأخير وليس الآن بل منذ الأزمة المالية العالمية 2008، وسط اعتراض قلة محدودة من المتخصصين على ذلك. ورغم علم الإدارات الأمريكية السابقة لترامب بذلك علم اليقين؛ ومع ذلك سعت جاهدة للمحافظة على هذه الهيمنة - إذ لا يمكن أن تتخلى قوى مهيمنة عن هيمنتها بسهولة - لكن عبر انتهاج سياسات وتكتيكات مختلفة، على رأسها حشد التحالفات الدولية، والتركيز على التفوق التكنولوجي، والحفاظ على الدور القيمي للولايات المتحدة في العالم من خلال قيادة المبادرة في بعض القضايا خاصة التغير المناخي.
وبالقطع من المستحيل أن تستمر الهيمنة الأمريكية المطلقة عبر هذه السياسات، فالهيمنة الأحادية أو القطبية الأحادية استثنائية الطبع في النظام الدولي، أو وضع غير اعتيادي لن يدوم طويلا هذا من جانب. ومن جانب آخر تعد الأحادية الأمريكية استثناء خاصا برزت في ظل ظروف خاصة استثنائية في النظام الدولي، حيث انهار كل المنافسين في وقت واحد تقريبا. ومن جانب ثالث وهو الأهم، أن النظام الدولي قد أمسى متعدد الأقطاب ولن يعود للوراء بأي حال من الأحوال.
لكن بغض النظر عن تصور الولايات المتحدة بإمكانية استدامة الهيمنة الأمريكية عبر تلك السياسات، وهو تصور خاطئ بالقطع. فإن تلك السياسات من شأنها الحفاظ على القوة الأمريكية إلى أطول مدى زمني ممكن، أو بعبارة أخرى عدم التسريع في إعلان الأفول الرسمي للهيمنة الأمريكية.
ويقدم المقال تقديرا للكيفية التي يعجل بها ترامب من أفول الهيمنة الأمريكية من خلال التركيز على الحرب التجارية وسياسة الهجرة.
رغم إصرار ترامب على شعاره «جعل أمريكا عظيمة مجددا»، لكنه في المجمل العام يتبنى نهجاً في السياسة الخارجية تحديدا يتمحور حول الانعزالية، والانفرادية، ومنطق الصفقات التجارية، وغطرسة القوة المفرطة، منافيا تماما لذلك الشعار. وتعكس الحرب التجارية، وسياسة الهجرة العنيفة ذروة النهج الخاص لترامب وعقيدة الشخصية أيضا.
دشن ترامب مصطلح الحرب التجارية في قاموس السياسة الأمريكية، العالم. بدأت الحرب التجارية لترامب في ولايته الأولى كان المستهدف منها بالأساس الصين، لكنها عكست تصور ترامب العالم للاقتصاد الأمريكي والقوة الأمريكية عامة. إذ يرى ترامب أن الاقتصاد الأمريكي قد تدمر جراء عدم الحمائية التجارية الناجمة بالأساس من الاعتماد التجاري المتبادل والعولمة. وفى ولايته الحالية، قام مؤخراً بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 % على جميع واردات الولايات المتحدة من الحديد والألومنيوم، ولم يستثن دولة واحدة، إضافة إلى فرض رسوم بنسبة 10 % على جميع واردات الصين.
تعكس الحرب التجارية قصر نظر فادحا لترامب وداعمي الحرب التجارية. إذ على المدى القصير لا شك أنها ستجلب مليارات الدولارات للخزانة الأمريكية. لكن التداعيات على المدى المتوسط والطويل شديدة الخطورة على الاقتصاد الأمريكي، والدور الاقتصادي العالمي لواشنطن، ودورها الريادي العالمي أيضا.
ستجلب الرسوم الجمركية مليارات الدولارات للولايات المتحدة، لكنها في المقابل ستؤدى إلى موجة تضخمية عنيفة، وخلق مناخ سلبي طارد لمجتمع الأعمال. وذلك ببساطة لأن الولايات المتحدة تعتمد على الأسواق الخارجية بنسبة تناهز 80 % سواء في المنتجات العادية، أو مستلزمات الإنتاج والتشغيل، خاصة من الدول الثلاث التي كانت بؤرة تركيز الحرب التجارية: الصين، كندا، والمكسيك.
وعلى نحو آخر، تمثل الحرب التجارية العنيفة لترامب عداء صريحا لنظام التجارة العالمي ومن خلفه العولمة الاقتصادية الداعمة له، مما سيقوض الهيمنة الاقتصادية الأمريكية التي لا تزال تحتفظ بها عبر قوة الدولار وتشجيع تحرير الأسواق والتجارة، فالعولمة بالأساس حركة منتجة ومدفوعة بواسطة الولايات المتحدة. ومن المحتم أن يكون نتاج ذلك، تعزيز النظم العالمية الناشئة للاقتصاد خاصة النظام الصيني الأكثر موضوعية وعدالة، ذات التصورات المختلفة للعولمة وتحرير التجارة العالمية، والمتجسد في مجموعة البريكس. وعلى نطاق آخر، ستدمر الحرب التجارية التحالفات الأمريكية خاصة مع حلفائها التاريخيين عبر الأطلسي، فتضرر الحلفاء الشديد من الحرب التجارية في ظل التدهور الاقتصادي لهم، وفى ظل أيضا العداء الترامبى الانعزالي للحلفاء؛ سيدفعهم حتما إلى فك الارتباط التاريخي مع واشنطن نظير الالتفاف نحو الخصوم خاصة الصين. والتصريحات الألمانية الفرنسية منذ تولى ترامب توحي على نحو كبير بذلك.
يعد ضبط سياسة الهجرة حقا سياديا لأي دولة، ونهج ترامب العام للهجرة لا يجانبه الصواب، إذ من غير المعقول أن تكون أمريكا مرتعا سهلا لتدفق عشرات الآلاف من أمريكا الجنوبية سنويا. لكن تكمن خطورة سياسة ترامب في تطرفها الشديد، والتي تنم عن شيفونية متطرفة ضد الأجانب، أكثر من كونها توجها لضبط الهجرة. تعد أمريكا دولة مهاجرين بالأساس، وقدم المهاجرون-غير الأنجلوساكسون- خدمات عظيمة لأمريكا، فأغلب حائزي جائزة نوبل من الأمريكيين مهاجرون من بينهم من أصول صينية وأصول مسلمة. ولا يزال المهاجرون يشكلون قوى مهمة للأمة الأمريكية، وعاملا رئيسيا للتفوق الأمريكي العالمي عبر تشجيع قدوم المهاجرين ذوي الكفاءة العالية من كافة أنحاء العالم.
وهنا تكمن خطورة سياسة ترامب المتطرفة في الهجرة، حيث تنطلق من منطلق إقصائي، ستؤدى بدورها إلى حرمان الولايات المتحدة من أكفأ المهارات العملية والعلمية في العالم التي تستغلها واشنطن لتعزيز تفوقها، خاصة من العالم الإسلامي، وجنوب شرق آسيا.
في منتدى الدوحة 2025 وسط حضور كبير تجاوز ستة آلاف شخص وفي التنوع في الجلسات الحوارية التي ناقشت... اقرأ المزيد
51
| 17 ديسمبر 2025
تحسبونــه هينا وهو عند الله عظيم
وصلت صباحا وكلي همة وتفكير من أين سوف أبدأ، فإذا بي أدخل المكتب وأجد مكتب زميلتي ليس على... اقرأ المزيد
51
| 17 ديسمبر 2025
قطر.. قصة وطن يتألّق في يومه الوطني
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تكون دولة قطر على موعدٍ مع ذاكرتها الوطنية، وتفتح صفحات... اقرأ المزيد
51
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
807
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025