رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

م. حسن الراشد

مساحة إعلانية

مقالات

459

م. حسن الراشد

الهيدروجين بين حلم الطاقة النظيفة وسلطانة الغاز

17 سبتمبر 2025 , 12:00ص

الهيدروجين (Hydrogen) هو أبسط العناصر وأكثرها وفرة في الكون، لكنه لا يوجد منفردًا في الطبيعة، بل يُنتَج عادةً من الماء أو من الغاز الطبيعي. ما يميّز الهيدروجين أنه ناقل للطاقة لا مصدر لها، إذ يُعدّ مخزنًا للطاقة الكيميائية التي جرى تحويلها مسبقًا من الكهرباء عبر التحليل الكهربائي (Electrolysis)، ثم يُعاد إطلاقها عند الحاجة عن طريق خلية الوقود (Fuel Cell). وعندما يُنتَج باستخدام الكهرباء المولَّدة من مصادر متجددة، يُعرف باسم “الهيدروجين الأخضر” (Green Hydrogen)، إذ لا يُطلق عند استخدامه أي انبعاثات سوى بخار الماء (H2O).

ويعتقد خبراء الطاقة أنه قد يكون وقود المستقبل وأحد ركائز التحول نحو اقتصاد أخضر منخفض الكربون. ولهذا السبب تتجه دول العالم إلى الاستثمار فيه، سواء عبر “الهيدروجين الأخضر” المنتج من الطاقة المتجددة، أو “الأزرق” المعتمد على الغاز مع تقنيات احتجاز الكربون، وأخيرًا “الهيدروجين الأبيض” المستخرج من باطن الأرض.

برأيي الشخصي المتواضع، يرتبط الاهتمام العالمي ـ والأوروبي بالأخص ـ بالهيدروجين بثلاثة دوافع رئيسية:

الأول: تحقيق أهداف المناخ والوصول إلى الحياد الكربوني الكامل (Net Zero) بحلول عام 2050، وهو هدف شبه مستحيل عمليًا.

الثاني: توفير بدائل للقطاعات التي يصعب “كهربنتها” (Electrification)، مثل صناعة الصلب والطيران والنقل البحري، وهي بدائل ما زالت تجد صعوبة في منافسة النفط والغاز.

أما الثالث، وهو الأهم، فيتمثل في تعزيز أمن الطاقة وتنويع مصادرها بعيدًا عن النفط والغاز العربي الخليجي. وهذا ما دفع الدول المنتجة للنفط والغاز في الخليج إلى الدخول في هذا المجال كخطوة مفروضة وإستراتيجية لحماية مكانتها وحصتها في السوق العالمي، مستفيدة من بنيتها التحتية وخبرتها في إنتاج الغاز.

ورغم الطموحات المعلنة، يكشف الواقع أن الهيدروجين لم يتحول بعد إلى لاعب رئيسي في سوق الطاقة؛ فالإنتاج التجاري واسع النطاق لا يزال مكلفًا، والمشروعات الضخمة لم تتجاوز في معظمها المراحل التجريبية. وقد أعلنت عدة دول وشركات عالمية عن تعليق أو تجميد أو إلغاء مشاريعها، خصوصًا في مجال “الهيدروجين الأخضر”، مثل Shell وBP وRepsol وIberdrola، إلى جانب “مصدر” الإماراتية و“فيرتيغلوب” المصرية، ومشاريع أخرى في أستراليا والولايات المتحدة واليابان، وأخيرًا مشروع Scottish Power في المملكة المتحدة.

وذلك إما بسبب ارتفاع التكاليف، وأبرزها الرأسمالية والتشغيلية، أو غياب عقود شراء طويلة الأجل، أو ضعف الطلب، أو لغياب سياسات وإستراتيجيات حكومية واضحة، أو لضعف البنية التحتية، أو لأن الطاقة المتجددة ما زالت تعتمد على السحب من شبكة الربط الكهربائية العامة التي تعمل بالوقود الأحفوري، أو لغياب آلية تسعير واضحة للهيدروجين تجبر السوق على ربط أسعاره بمؤشرات طاقة أخرى كالكهرباء والغاز، أو حتى الحاجة إلى تطوير التقنية لتكييف الأفران (Furnaces) القائمة حاليًا، وأخيرًا ـ وهو الأهم ـ الحاجة إلى تعاون دولي لتقاسم التكاليف المذكورة آنفًا وتطوير الحلول والتقنيات المستدامة المبتكرة.

ولا ننسى أيضًا تحديًا آخر يتمثل في غياب توحيد أو توافق لأنظمة شهادات الهيدروجين (Hydrogen Certification Schemes)، وهو ما قد يشكّل عقبة رئيسية أمام انطلاق تجارة الهيدروجين العالمية، ويهدد فرص التصدير للدول المُصدِّرة الناشئة، خصوصًا إذا استمرت الفجوة بين الأنظمة المحلية والدولية.

إن الصعوبات التي تواجه مشاريع الهيدروجين الأخضر والأزرق قد تؤثر مباشرة حتى على مشاريع إنتاج الأمونيا واليوريا الزرقاء (Blue Urea). وهذا ما حدث بالفعل في أحد المشاريع المشتركة بين شركة BASF الألمانية وشركة Yara النرويجية، الذي كان يهدف إلى إنتاج 1.5 مليون طن سنويًا من الأمونيا الزرقاء.

هذا يعني أن الحديث عن “ثورة هيدروجينية خضراء” (Green Hydrogen Revolution) لا يزال سابقًا لأوانه، وأن النفط والغاز ما زالا المصدر المهيمن للطاقة عالميًا. والمفارقة أن معظم شركات النفط والغاز والطاقة العالمية العملاقة نفسها (Energy Supermajors)، ورغم شعاراتها المليئة بالخطاب الأخضر والصديق للبيئة، ما زالت تستثمر ـ وبقوة وشراهة ـ مئات مليارات الدولارات في مشاريع النفط والغاز، مدركة أن هذه المصادر ستبقى الركيزة الأساسية لأمن الطاقة العالمي وتلبية الاحتياجات الاستهلاكية والإنشائية والخدمية لعقود مقبلة.

ويبقى الخطر الحقيقي أن ينجرف المنتجون الخليجيون خلف خبراء الطاقة ووعود شركات النفط والغاز والطاقة العالمية العملاقة (Energy Supermajors)، ومكاتب الاستشارات والدراسات الدولية، نحو استثمارات ضخمة قد تقوّض دور النفط والغاز الخليجي العربي، وهما العمود الفقري للاقتصاد الخليجي الريعي ومكتسبات الأجيال القادمة، ومصدر هيمنتهم على أسواق الطاقة العالمية حاضرًا ومستقبلًا.

فالحقيقة أن الوقود الأحفوري (النفط والغاز) وبالأخص الغاز سيبقى “سيد الموقف” لسنوات وعقود مقبلة، حتى مع توسع مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين بألوانه المختلفة. وسيظل الهيدروجين، حتى إشعار آخر، مجرد حلم قيد التشكل؛ قد ينجح في منافسة بعض المصادر، لكنه لم يثبت بعد أنه قادر على إزاحة النفط والغاز عن عروشه، وهذا ما تؤكده بالفعل تقارير وكالة الطاقة الدولية التي صدرت حديثًا على أن نمو الطلب على النفط والغاز مستمر للـ 25 سنة القادمة على الأقل.

لكن يظل السؤال مطروحًا: هل تُعدّ الاستثمارات الخليجية الضخمة في بدائل الطاقة الأخرى إستراتيجية صائبة تصب في مصلحة المستهلك الخارجي أكثر مما تفيد المنتج والمصدر العربي الخليجي للنفط والغاز؟ … مجرد سؤال….؟؟؟

أخيرًا… ما هو ثمين يجب أن يُحمى، وما يُحمى يجب أن يُنمّى.

اقرأ المزيد

alsharq توطين الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي القطري

يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض وعلاجها. ومع... اقرأ المزيد

45

| 23 أكتوبر 2025

alsharq بين الفكر والروح

من الأوقات الصعبة على أيِّ مبدع أن ينتهي من كتابة رواية أو ديوان، وتتوقف الروح لبعض الوقت عن... اقرأ المزيد

57

| 23 أكتوبر 2025

alsharq النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى، وسلامةٌ تُصان، وحياةٌ تُدار بانسيابية ومسؤولية. لا أحد ينكر مدى... اقرأ المزيد

63

| 23 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية