رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الهيدروجين (Hydrogen) هو أبسط العناصر وأكثرها وفرة في الكون، لكنه لا يوجد منفردًا في الطبيعة، بل يُنتَج عادةً من الماء أو من الغاز الطبيعي. ما يميّز الهيدروجين أنه ناقل للطاقة لا مصدر لها، إذ يُعدّ مخزنًا للطاقة الكيميائية التي جرى تحويلها مسبقًا من الكهرباء عبر التحليل الكهربائي (Electrolysis)، ثم يُعاد إطلاقها عند الحاجة عن طريق خلية الوقود (Fuel Cell). وعندما يُنتَج باستخدام الكهرباء المولَّدة من مصادر متجددة، يُعرف باسم “الهيدروجين الأخضر” (Green Hydrogen)، إذ لا يُطلق عند استخدامه أي انبعاثات سوى بخار الماء (H2O).
ويعتقد خبراء الطاقة أنه قد يكون وقود المستقبل وأحد ركائز التحول نحو اقتصاد أخضر منخفض الكربون. ولهذا السبب تتجه دول العالم إلى الاستثمار فيه، سواء عبر “الهيدروجين الأخضر” المنتج من الطاقة المتجددة، أو “الأزرق” المعتمد على الغاز مع تقنيات احتجاز الكربون، وأخيرًا “الهيدروجين الأبيض” المستخرج من باطن الأرض.
برأيي الشخصي المتواضع، يرتبط الاهتمام العالمي ـ والأوروبي بالأخص ـ بالهيدروجين بثلاثة دوافع رئيسية:
الأول: تحقيق أهداف المناخ والوصول إلى الحياد الكربوني الكامل (Net Zero) بحلول عام 2050، وهو هدف شبه مستحيل عمليًا.
الثاني: توفير بدائل للقطاعات التي يصعب “كهربنتها” (Electrification)، مثل صناعة الصلب والطيران والنقل البحري، وهي بدائل ما زالت تجد صعوبة في منافسة النفط والغاز.
أما الثالث، وهو الأهم، فيتمثل في تعزيز أمن الطاقة وتنويع مصادرها بعيدًا عن النفط والغاز العربي الخليجي. وهذا ما دفع الدول المنتجة للنفط والغاز في الخليج إلى الدخول في هذا المجال كخطوة مفروضة وإستراتيجية لحماية مكانتها وحصتها في السوق العالمي، مستفيدة من بنيتها التحتية وخبرتها في إنتاج الغاز.
ورغم الطموحات المعلنة، يكشف الواقع أن الهيدروجين لم يتحول بعد إلى لاعب رئيسي في سوق الطاقة؛ فالإنتاج التجاري واسع النطاق لا يزال مكلفًا، والمشروعات الضخمة لم تتجاوز في معظمها المراحل التجريبية. وقد أعلنت عدة دول وشركات عالمية عن تعليق أو تجميد أو إلغاء مشاريعها، خصوصًا في مجال “الهيدروجين الأخضر”، مثل Shell وBP وRepsol وIberdrola، إلى جانب “مصدر” الإماراتية و“فيرتيغلوب” المصرية، ومشاريع أخرى في أستراليا والولايات المتحدة واليابان، وأخيرًا مشروع Scottish Power في المملكة المتحدة.
وذلك إما بسبب ارتفاع التكاليف، وأبرزها الرأسمالية والتشغيلية، أو غياب عقود شراء طويلة الأجل، أو ضعف الطلب، أو لغياب سياسات وإستراتيجيات حكومية واضحة، أو لضعف البنية التحتية، أو لأن الطاقة المتجددة ما زالت تعتمد على السحب من شبكة الربط الكهربائية العامة التي تعمل بالوقود الأحفوري، أو لغياب آلية تسعير واضحة للهيدروجين تجبر السوق على ربط أسعاره بمؤشرات طاقة أخرى كالكهرباء والغاز، أو حتى الحاجة إلى تطوير التقنية لتكييف الأفران (Furnaces) القائمة حاليًا، وأخيرًا ـ وهو الأهم ـ الحاجة إلى تعاون دولي لتقاسم التكاليف المذكورة آنفًا وتطوير الحلول والتقنيات المستدامة المبتكرة.
ولا ننسى أيضًا تحديًا آخر يتمثل في غياب توحيد أو توافق لأنظمة شهادات الهيدروجين (Hydrogen Certification Schemes)، وهو ما قد يشكّل عقبة رئيسية أمام انطلاق تجارة الهيدروجين العالمية، ويهدد فرص التصدير للدول المُصدِّرة الناشئة، خصوصًا إذا استمرت الفجوة بين الأنظمة المحلية والدولية.
إن الصعوبات التي تواجه مشاريع الهيدروجين الأخضر والأزرق قد تؤثر مباشرة حتى على مشاريع إنتاج الأمونيا واليوريا الزرقاء (Blue Urea). وهذا ما حدث بالفعل في أحد المشاريع المشتركة بين شركة BASF الألمانية وشركة Yara النرويجية، الذي كان يهدف إلى إنتاج 1.5 مليون طن سنويًا من الأمونيا الزرقاء.
هذا يعني أن الحديث عن “ثورة هيدروجينية خضراء” (Green Hydrogen Revolution) لا يزال سابقًا لأوانه، وأن النفط والغاز ما زالا المصدر المهيمن للطاقة عالميًا. والمفارقة أن معظم شركات النفط والغاز والطاقة العالمية العملاقة نفسها (Energy Supermajors)، ورغم شعاراتها المليئة بالخطاب الأخضر والصديق للبيئة، ما زالت تستثمر ـ وبقوة وشراهة ـ مئات مليارات الدولارات في مشاريع النفط والغاز، مدركة أن هذه المصادر ستبقى الركيزة الأساسية لأمن الطاقة العالمي وتلبية الاحتياجات الاستهلاكية والإنشائية والخدمية لعقود مقبلة.
ويبقى الخطر الحقيقي أن ينجرف المنتجون الخليجيون خلف خبراء الطاقة ووعود شركات النفط والغاز والطاقة العالمية العملاقة (Energy Supermajors)، ومكاتب الاستشارات والدراسات الدولية، نحو استثمارات ضخمة قد تقوّض دور النفط والغاز الخليجي العربي، وهما العمود الفقري للاقتصاد الخليجي الريعي ومكتسبات الأجيال القادمة، ومصدر هيمنتهم على أسواق الطاقة العالمية حاضرًا ومستقبلًا.
فالحقيقة أن الوقود الأحفوري (النفط والغاز) وبالأخص الغاز سيبقى “سيد الموقف” لسنوات وعقود مقبلة، حتى مع توسع مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين بألوانه المختلفة. وسيظل الهيدروجين، حتى إشعار آخر، مجرد حلم قيد التشكل؛ قد ينجح في منافسة بعض المصادر، لكنه لم يثبت بعد أنه قادر على إزاحة النفط والغاز عن عروشه، وهذا ما تؤكده بالفعل تقارير وكالة الطاقة الدولية التي صدرت حديثًا على أن نمو الطلب على النفط والغاز مستمر للـ 25 سنة القادمة على الأقل.
لكن يظل السؤال مطروحًا: هل تُعدّ الاستثمارات الخليجية الضخمة في بدائل الطاقة الأخرى إستراتيجية صائبة تصب في مصلحة المستهلك الخارجي أكثر مما تفيد المنتج والمصدر العربي الخليجي للنفط والغاز؟ … مجرد سؤال….؟؟؟
أخيرًا… ما هو ثمين يجب أن يُحمى، وما يُحمى يجب أن يُنمّى.
يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض وعلاجها. ومع... اقرأ المزيد
45
| 23 أكتوبر 2025
من الأوقات الصعبة على أيِّ مبدع أن ينتهي من كتابة رواية أو ديوان، وتتوقف الروح لبعض الوقت عن... اقرأ المزيد
57
| 23 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى، وسلامةٌ تُصان، وحياةٌ تُدار بانسيابية ومسؤولية. لا أحد ينكر مدى... اقرأ المزيد
63
| 23 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4803
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3573
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2871
| 16 أكتوبر 2025