رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
موقف واشنطن وتوابعها أعطى «نتنياهو» تفويضاً لارتكاب «جرائم حرب»
«الطوفان».. وازدواجية «حقوق الإنسان»
أكتب هذا المقال رافعاً علم فلسطين، ليرفرف عالياً فوق أوراقي، وليضيء بجلاء كل مقالاتي، تعبيراً عن تضامني مع القضية الفلسطينية العادلة بكل تواضع، وبإيمان ثابت لا يتراجع، وعلى نحو راسخ لا يتزعزع، وبيقين صلب لا يتصدع،، معبراً عن تعاطفي العميق، وإحساسي الوثيق مع الشعب الفلسطيني الشقيق، المحاصر في قطاع غزة الذي يتعرض لأبشع المجازر، تحت وطأة القصف الوحشي الإسرائيلي الجائر.
أكتب هذه السطور، ترحماً على أرواح الشهداء، أولئك الضحايا الأبرياء، من الأطفال والنساء، الذين امتلأت بهم القبور، وبكت عليهم العيون والصدور!.
أكتب هذه العبارات بينما تسيل من عيني العبرات، وتنساب على وجهي الدمعات، حزناً على المستضعفين، في مدن وقرى فلسطين، هناك في قطاع غزة الحزين، حيث يواجهون الموت جوعاً أو مرضاً أو قهراً أو فقراً، أو عطشاً.. وحيث لا ماء ولا غذاء، ولا دواء، ولا كهرباء، بل شلال لا ينقطع من الدماء!.
أكتبها إلى الأشقاء الصامدين الصابرين، الذين يعانون من الشقاء، ولا يكفون عن الحزن والبكاء، سلاحهم الأول التوجه إلى الله بالدعاء، هناك في القطاع الفلسطيني، المقطوع، المعزول عن العالم، الذي تفوح من جميع أركانه رائحة الموت.
أكتبها بكل «حماس»، وبكل إحساس إنساني صادق، إلى أصحاب الصمود الأسطوري، من أبطال المقاومة الفلسطينية، الذين يقدمون أروع التضحيات، في الذود عن المقدسات، دفاعاً عن وطنهم السليب، وأرضهم المحتلة، وكرامتهم المهدورة، ومقدساتهم المنتهكة، وحقوقهم المغتصبة.
أكتبها في هذه اللحظة المصيرية المفصلية الدموية، التي تشن فيها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ـ بدعم أمريكي ـ حرباً همجية وحشية، على أهلنا في قطاع غزة، لإبادتهم، بدعوى محاربة «الإرهاب الفلسطيني»!.
.. وبعيداً عن هذا التوصيف الغربي، المنحاز للعدوان الإسرائيلي، وهذا التصنيف الأوروبي، الذي يدين «المقاوم»، وينتصر للمستعمر المجرم!.
لا أضيف جديداً، عندما أقول إن رجال المقاومة الفلسطينية، يمارسون حقهم الوطني المشروع في مقاومة الاستعمار، وهو الحق الذي مارسه الشعب الأمريكي نفسه، ضد المستعمر الإنجليزي، ومارسته كل الشعوب المتطلعة لنيل الحرية والاستقلال، في جميع قارات العالم.
.. وأذكر الرئيس الأمريكي «بايدن»، الذي وصل إلى إسرائيل، الأربعاء، والذي كان ألمح سابقاً - بكل أسف- إلى وقوف الفصائل الفلسطينية وراء القصف الذي تعرض له مستشفى المعمداني، ووزير خارجيته «بلينكن»، وأعضاء الإدارة الأمريكية المنحازة إلى إسرائيل، أن الولايات المتحدة لم تحصل على استقلالها من المستعمر الإنجليزي، إلا بالكفاح المسلح، والنضال، والقتال، حتى نالت الاستقلال عام 1776.
لقد خاض «الوطنيون» الأوائل في أمريكا، حرباً دموية، ولا أقول «إرهابية» ضد بريطانيا الاستعمارية، في ما يعرف بالحرب الثورية الأمريكية عام 1775، حتى تمكنت فصائل المقاومة من الانتصار، وإعلان وثيقة الاستقلال عن التاج البريطاني، في الرابع من يوليو 1776.
ولعل أبرز ما تضمنته هذه الوثيقة، مجموعة من الحقوق، أهمها حق الناس، في الإطاحة بأي حكومة تسلبهم حقوقهم الوطنية.
وبطبيعة الحال، لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن نسمي الدفاع عن هذا الحق «إرهاباً»، وإلا يمكننا اعتبار جميع قادة الاستقلال الأمريكي «إرهابيين»!.
وأقولها بصراحة، بل بمنتهى الصراحة: أين الإدارة الأمريكية، من ممارسات «إرهاب الدولة» التي تقوم بها الحكومة «الإرهابية» الإسرائيلية، ضد الإنسان الفلسطيني؟
أين الولايات المتحدة، من سياسات نتنياهو المتطرفة، التي يواصل خلالها سحق حقوق الفلسطينيين، ويمارس في إطارها العقاب الجماعي، ضد الشعب الفلسطيني؟
أين واشنطن من توسيع مشاريع الاستيطان، في الأراضي المحتلة، التي تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وأين هي من سياسات التهجير القسري، والتشريد القهري؟
أين زعيمة العالم المتحضر، من اعتداءات المستوطنين، الذين استباحوا المقدسات وانتهكوا الحرمات؟
والمؤسف أن الولايات المتحدة، والدول الغربية، أعطت نتنياهو المترنح داخلياً، تفويضاً رسمياً، لارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين، بعدما تسابقت لإعلان تأييدها للعدوان الإسرائيلي، الذي تجاوزت فيه «إسرائيل» ما يسمونه في الغرب «حق الرد»، بشكل يتعارض مع القانون الدولي، ويتقاطع مع القيم الإنسانية.
ويكشف العدوان الإسرائيلي الغاشم، على أهلنا في قطاع غزة، الذي يتواصل بمباركة أمريكية «ازدواجية المعايير» الغربية!
فالولايات المتحدة، التي تقدم نفسها على أنها نصيرة الشعوب المتطلعة للحرية، هرعت لنصرة «المظلوم» في أوكرانيا، لكنها تقف مع الظالم في فلسطين المحتلة!.
والمعيب حقاً أن واشنطن، التي تتشدق في خطابها السياسي، بالدفاع عن الحقوق والحريات الإنسانية، تنتهك في تعاملها مع القضية الفلسطينية، المبدأ الأساسي الراسخ في الفقه القانوني، بأن جميع المعايير المتعلقة بإنفاذ العدالة، ينبغي تطبيقها على الجميع بلا تمييز، وبلا تحيز، وبلا ممارسات انتقائية أو انتقامية.
وما من شك، في أن النهج غير القانوني، الذي تعتمده الإدارة الأمريكية، في تسامحها مع جرائم الكيان الصهيوني، تسبب بتفشي حالة مزمنة، من فقدان الأمل، في إيجاد حل سياسي عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية، خصوصاً مع غياب أي جهد أمريكي حقيقي، لتطبيق مبدأ «حل الدولتين».
ولا أبالغ عندما أقول: إننا سئمنا من الجعجعة الأمريكية المتكررة، عن الحقوق التي لا يتم ترسيخها في فلسطين المحتلة، وعن الحريات التي لا يتم تطبيقها لصالح الإنسان الفلسطيني، وعن السلام المزعوم، الذي لا وجود له في الشرق الأوسط، إلا لتحقيق مصالح إسرائيل!.
وما من شك في أن تطبيق الولايات المتحدة، سياسة الكيل بمكيالين، خلال تعاملها مع القضية الفلسطينية، بات يشكل دعماً للجرائم، التي ترتكبها سلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
.. وبات يشجع حكومة التطرف الإسرائيلي، على تعميق تسلطها على القانون الدولي، من خلال الاستخفاف بقرارات الأمم المتحدة، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وإجهاض أي فرصة، لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط.
.. كما بات يشجع الإرهابي نتنياهو، على تنفيذ مخططاته الإجرامية، وسياساته التوسعية الاستعمارية ضد الفلسطينيين.
ونتيجة لذلك مضى 75 عاماً على نكبة فلسطين، ولا دولة فلسطينية مستقلة تلوح في الأفق!، ولا حقوق للفلسطينيين، واجبة التنفيذ!، ولا احترام في القدس المحتلة للمقدسات!، ولا شيء في جعبة الولايات المتحدة، المنحازة لإسرائيل، سوى ازدواجية المعايير.
ولهذا نجد واشنطن لا تتردد في فرض عقوبات حازمة على روسيا، بسبب عدوانها على أوكرانيا، وفي نفس الوقت، نجدها مع توابعها في لندن وباريس وبرلين، يغضون النظر، عن انتهاكات إسرائيل، وجرائمها الوحشية ضد الفلسطينيين!.
والغريب بل والعجيب المريب، أنهم في الغرب يتحدثون عن «حرية التعبير»، وعن حق المواطن في التظاهر، لكنهم يمنعون الجماهير، من تنظيم المظاهرات دعماً للقضية الفلسطينية!.
يحدث ذلك في فرنسا، صاحبة الثورة، التي أعدمت الملك لويس السادس عشر، بالمقصلة في 21 يناير 1793، بعد إسقاط النظام الملكي، وسفكت الدماء في ساحة الكونكورد!.
يحدث هذا في «فرنسا المكارونية»، نسبة إلى رئيسها الماكر «ماكرون»، المطرود من النيجر، المتباهي بدفاعه عن الحقوق، المتغاضي عن الدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطيني!، المتباكي على سقوط «المدنيين» في إسرائيل، المتناسي استهداف الأبرياء الفلسطينيين، خلال القصف الهمجي الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزة.
.. وأتوقف عند «جريمة الجرائم»، المتمثلة في قصف مستشفى المعمداني، هناك في القطاع المتقطع الأوصال، حيث المذبحة البشرية، التي ارتكبها جيش الاحتلال، في اليوم الحادي عشر، من عدوانه الغاشم على الفلسطينيين، مخلفاً أكثر من 500 شهيد ومئات المصابين، ليتجاوز عدد الشهداء، خلال أيام العدوان، أكثر من 3 آلاف و200 شهيد، أغلبهم أطفال ونساء.
ولو كان «النظام الدولي»، الذي تقوده الولايات المتحدة، ومن يسير في سيرها ويدور في فلكها من دول الغرب الأوروبي، ذلك النظام المنحاز لإسرائيل قولاً وفعلاً وتفاعلاً، نجح في محاسبة «حكومة تل أبيب»، على جرائمها الموثقة ضد الفلسطينيين، مثلما يحاسب روسيا على حربها ضد أوكرانيا، فلربما كان بالإمكان، إنقاذ آلاف الأرواح البريئة، في فلسطين الجريحة، من كلا الجانبين، بدلاً من استمرار سفك الدماء، والمعاناة، وتوسيع رقعة الدمار.
وأستطيع التأكيد، بشكل أكيد، أن حكومة التطرف الإسرائيلي، وحدها، تتحمل مسؤولية اتساع دائرة العنف الدموي، بسبب اعتداءاتها المتكررة على الفلسطينيين، وانتهاكاتها السافرة للمقدسات، بقيادة وزيرها المتطرف «ايتمار بن غفير»، واستفزازات رعاياها من المستوطنين العنصريين، وسياساتها التوسعية، وحركاتها الاستيطانية، في الأراضي المحتلة، مما تسبب في انسداد الأفق السياسي وتصاعد موجات العنف.
.. وقبل التباكي الغربي، على ضحايا «الطوفان الفلسطيني»، ينبغي أن يركز المجتمع الدولي اهتمامه، ويصب كل تركيزه على حقيقة أن قضية فلسطين المحتلة، ما زالت معلقة، ولم يتم إيجاد حل عادل وشامل لها.
وأن الشعب الفلسطيني، لم يحصل على حقوقه المشروعة، غير القابلة للانتقاص، على النحو المنصوص عليه في قرارات الأمم المتحدة، المتمثلة في حقه في الاستقلال الوطني، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس.
وينبغي على «الغرب المتحضر»، أن يتحمل مسؤولياته، ويعمل على وقف العدوان المتواصل، على الشعب الفلسطيني، الذي يطالب بحقوقه المشروعة.
هناك، في القطاع المحاصر، حيث يفقد السكان، مع تواصل العدوان، الخدمات الأساسية، والضرورية اللازمة، لتمكينهم من البقاء على قيد الحياة!
هناك، تستهدف حكومة التطرف الإسرائيلي، السكان المدنيين، وممتلكاتهم، ومنشآت البنية التحتية، والمدارس والمستشفيات والمساجد!
هناك يتواصل الحصار الجائر، ويستمر الدمار الشامل، ويتجاوز العدوان الإسرائيلي على غزة، المفهوم المتعارف، كما يسمونه «الدفاع عن النفس».
هناك تتقطع الأنفاس، حيث تستخدم إسرائيل أفدح، بل أفظع أساليب العدوان الوحشي والأسلوب الهمجي، بمباركة وتشجيع وتأييد، ودعم وإسناد، من الولايات المتحدة وتوابعها.
هناك، يعاني قطاع غزة المحاصر، منذ أكثر من 17عاماً، من حصار خانق، وعدوان حارق، وتسلط إسرائيلي مارق، تسبب في أوضاع كارثية وأحداث مأساوية، وغير إنسانية للفلسطينيين.
ومن البديهي، بل من الطبيعي، أن ينتج عن كل هذا الاحتقان، شيء لم يكن في الحسبان، يسمونه «الطوفان»!.
الأبعاد العميقة.. بواقعية!
من أصعب ما نواجه هذه الأيام الاعتراف بالإشكاليات، حيث ندرك الصعوبات ونتجاهل الحلول لها. ونستيقن الأوضاع غير المرغوبة... اقرأ المزيد
147
| 09 ديسمبر 2025
نقلة جديدة في مسيرة الشراكة القطرية السعودية
شكلت زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى المملكة العربية السعودية،... اقرأ المزيد
75
| 09 ديسمبر 2025
عالم مائع.. مع سبق التخريب والتصهيُن!
أكثر ما يخيف في متابعة الشأن الدولي المعاصر هي حالة الغفلة العجيبة التي يعيشها الناس شرقا وغربا عما... اقرأ المزيد
102
| 09 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4227
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1866
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1770
| 04 ديسمبر 2025