رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المرحلة الثانية من وقف الحرب لا تُشبه الهدوء، بل تشبه الصمت الذي يسبق الانفجار. هي مرحلة تتزيّن بالحديث عن السلام وإعادة الإعمار، بينما في عمقها تتصارع القوى على النفوذ، وتُعاد صياغة المشهد السياسي في غزة والمنطقة بأسرها. فمنذ إعلان التهدئة الأولى، ظنّ كثيرون أن الحرب وضعت أوزارها، لكن من يعرف طبيعة الصراع يدرك أن ما بعد المدافع أصعب من أصواتها.
ما يجري اليوم تحت مسمى «المرحلة الثانية» ليس مجرد ترتيبات إنسانية، بل سباق بين مشاريع مختلفة: مشروع يريد غزة منزوعـة السلاح وتحت وصاية دولية، ومشروع آخر يرى أن سلاح المقاومة ضمانة البقاء. وبين هذين الاتجاهين، تدور مفاوضات دقيقة تشارك فيها قوى إقليمية ودولية، لكل منها حسابات ومصالح. الولايات المتحدة تحاول ترسيخ نفوذها في إدارة ما بعد الحرب، فيما تحاول قطر ومصر وتركيا تثبيت دور الوسيط العادل الذي يحفظ الحد الأدنى من السيادة الفلسطينية ويمنع انزلاق الوضع الأمني مجددًا نحو المواجهة.
الرهائن وإعادة الإعمار… ورقتان في ميزان السياسة في المرحلة الثانية، لا يتوقف الحديث عن تبادل الأسرى وإطلاق الرهائن، بل يُستخدم هذا الملف كأداة ضغط سياسي لفرض وقائع جديدة على الأرض. إسرائيل تسعى لاستغلال قضية الرهائن للحصول على تنازلات في ملف السلاح والإدارة، بينما تحاول حماس ربط الإفراج الكامل بفتح المعابر وإعادة الإعمار وتثبيت وقف إطلاق النار الدائم. وبين الطرفين تتأرجح المبادرات في مهبّ المساومات.
أما إعادة الإعمار التي تُطرح في المؤتمرات والبيانات، فهي لا تزال رهينة الخلافات. فكل دولة مانحة تريد أن تُعيد الإعمار بطريقتها ومن خلال شركاتها أو مؤسساتها، ما يجعل الملف الاقتصادي ساحة جديدة للصراع الناعم، لا تقل خطورة عن ساحات الحرب نفسها.
سلاح المقاومة.. جوهر الصراع القادم:الحديث عن «نزع السلاح» هو جوهر المرحلة الثانية، وهو أيضًا العقدة التي يمكن أن تُفجّر الاتفاق برمته. فالمقاومة ترى في سلاحها حقًا مشروعًا للدفاع عن شعبها، بينما تعتبره إسرائيل تهديدًا لأمنها واستمرارًا للحرب بأشكال أخرى. ومن هنا، تحاول بعض الأطراف الغربية تمرير فكرة دمج الفصائل ضمن قوة أمنية فلسطينية «موحدة» بإشراف دولي، لكن التجارب السابقة تُظهر أن مثل هذه الصيغ المؤقتة لا تصمد طويلًا أمام تعقيدات الميدان.
حكم غزة بعد الحرب… دولة أم وصاية؟ السؤال الذي يتهرب منه الجميع: من سيحكم غزة بعد انتهاء العمليات؟ هل ستكون السلطة الفلسطينية بوجهها القديم، أم إدارة دولية مؤقتة برعاية أمريكية، أم صيغة شراكة جديدة بين الفصائل برعاية عربية؟ هذا السؤال لم يُجب عليه أحد حتى الآن، وهو ما يجعل المرحلة الثانية أخطر من سابقتها، لأنها تُحدّد شكل غزة السياسي وربما مستقبل القضية الفلسطينية بأكملها.
إن فرض وصاية أجنبية أو تدخل عسكري خارجي تحت غطاء “إدارة مدنية” سيقود إلى تفجير جديد، لأن الشعب الفلسطيني لن يقبل أن يُحكم إلا من داخله، لا من وراء البحار.
ولا يمكن إغفال الدور المحوري الذي لعبته دولة قطر في تقريب وجهات النظر منذ بداية الحرب، ثم في ترتيبات وقف إطلاق النار. فقد كانت الدوحة دائمًا منصة الحوار وملتقى الوسطاء، تسعى لحل إنساني لا يُقصي أحدًا، وتحافظ على الحد الأدنى من العدالة في توزيع المساعدات وضمان سلامة المدنيين. وفي المرحلة الثانية، يُعوّل كثيرون على استمرار هذا الدور القطري المتوازن لضمان أن لا تتحول التهدئة إلى استسلام، ولا يُستغل الهدوء لفرض حلول أحادية الجانب.
ردود الفعل المتباينة: الفلسطينيون استقبلوا الإعلان عن المرحلة الثانية بمزيج من الأمل والحذر. فالأمل نابع من توقف القصف وتخفيف المعاناة الإنسانية، لكن الحذر مصدره التجارب السابقة التي تحوّل فيها وقف النار إلى استراحة قبل جولة أعنف. في الشارع الغزي، هناك مطالبات بعودة الحياة الطبيعية وفتح المعابر وضمان الإعمار الفوري، بينما تحذر الفصائل من أي مساس بسلاح المقاومة أو محاولة فرض وصاية أجنبية. إسرائيل من جانبها اعتبرت التهدئة «نصرًا مرحليًا» لكنها غير مطمئنة إلى ما بعده. تصريحات بعض مسؤوليها أوضحت أن تل أبيب ترى في المرحلة الثانية فرصة لـ«تفكيك البنية العسكرية لحماس»، لكنها تدرك أن ذلك لن يتحقق دون تصعيد جديد أو تدخل دولي مباشر.كما تتحدث الأوساط الإسرائيلية عن خشية من أن يتحول الهدوء الحالي إلى إعادة ترتيب للمقاومة، مما يجعلها تعارض أي انسحاب كامل دون ضمانات أمنية صارمة.
التوقعات والنتائج المحتملة:استمرار التوتر البارد من المرجح أن تشهد المرحلة الثانية وقفًا هشًا لإطلاق النار مع مناوشات محدودة، خاصة في المناطق الحدودية، تأخر إعادة الإعمار بسبب الخلافات السياسية والبيروقراطية بين الجهات المانحة والفلسطينية، تزايد الدور العربي خصوصًا القطري والمصري، في مراقبة التنفيذ ومنع انهيار الاتفاق، بروز إدارة مدنية مؤقتة قد تُشكَّل بمشاركة شخصيات فلسطينية مستقلة، بدعم عربي ودولي.احتمال عودة التصعيد، إذا فشلت الأطراف في التوصل إلى صيغة تضمن الأمن والكرامة معًا، فقد تعود المواجهة بشكل أوسع خلال أشهر قليلة.
السلام المؤجل: المرحلة الثانية من وقف الحرب تبدو كجسرٍ بين حربٍ لم تنتهِ وسلامٍ لم يبدأ بعد. فالقضية الفلسطينية ما زالت تراوح مكانها بين وعود المؤتمرات وواقع الاحتلال، وما لم يُبنَ هذا الاتفاق على أساس العدالة والاحترام المتبادل، فإن كل تهدئة ستكون مؤقتة، وكل سلام سيكون مؤجلًا. إن السلام الحقيقي لا يصنعه توازن السلاح، بل توازن الحقوق. ولن يتحقق الأمن لإسرائيل ولا الطمأنينة للفلسطينيين ما لم تُعاد الأرض لأهلها ويُرفع الحصار عن غزة وتُضمن حياة كريمة لأبنائها.
لم يعد مشهد الاحتجاجات والحراك الشبابي مفاجئًا لنا وللمراقبين في عالمٍ يتغير بسرعة مذهلة، وحيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية... اقرأ المزيد
234
| 22 أكتوبر 2025
جاء خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في افتتاح دور الانعقاد... اقرأ المزيد
99
| 22 أكتوبر 2025
في آخر مشاهد حياته، ظهر صحفي الجزيرة صالح الجعفراوي في مقطع مصور تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، ممددا على... اقرأ المزيد
165
| 22 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4791
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3486
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2865
| 16 أكتوبر 2025