رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا بد للأمريكيين أن يعيدوا توازن الفهم لما يمكن تعلمه من تاريخ دام قرنين من الزمان خاضت فيهما الولايات المتحدة حملات عسكرية غير تقليدية في الخارج وعليهم أيضا التعامل مع عواقبها داخل أمريكا نفسها خاصة في ظل الحرب الهمجية الوحشية الإسرائيلية على قطاع غزة وفي ظل دعم غربي أطلسي غير مسبوق لإسرائيل بعد أن أخرجها ناتنياهو من دائرة الأخلاق الإنسانية وجعل منها كيانا مارقا.
ولهذه الأسباب يجدر بنا أن نقرأ التاريخ الدموي والحروب القذرة التي خاضها الغرب ضد كثير من شعوب الأرض لنخرج بدروس مهمة منها: كذب دعاوى السلام المرفوع شعارا براقا زاعما الدفاع عن حقوق الإنسان! وكما هزمت جيوش الغرب الجرارة في فيتنام والعراق وأفغانستان فإنها ستهزم هي وإسرائيل في غزة عام 2024.
** وفي هذا المحور استعرض موقع الجزيرة للأخبار آخر الإصدارات وهو كتاب مؤلفه من أبرز الشخصيات الأكاديمية الأمريكية وهو الأستاذ (راسيل كرندال) أستاذ السياسة الدولية والسياسة الخارجية الأمريكية بكلية دافيدسون بولاية نورث كارولينا وقد شغل المؤلف مناصب رفيعة المستوى في مجال السياسة الخارجية بالبيت الأبيض ومجلس الأمن القومي وكتابه أصدرته مطبعة جامعة كامبريدج في أبريل الماضي.
يقول لنا موقع الجزيرة بتحليل أحد كتابه المتميزين إن الكتاب القيم يبحث التجربة الطويلة والمعقدة للتورط الأمريكي في الحروب غير الشرعية بدءا من الثورة الأمريكية في عام 1776 إلى أن انتهت عقيدة (وودرو ويلسن) الذي كان يؤمن أن الولايات المتحدة بجزئيها ما هي إلا قارة جزيرة عملاقة تحيط بها المحيطات من كل جانب وفي 26 يوليو عام 1914 وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى في أوروبا اتخذ ويلسون بدايةً موقفًا سياسيًا حياديًا لكنه غير رأيه وسياساته حينما قامت الحرب العالمية الأولى ووصلت غواصات ألمانية إلى سواحل أمريكا فأيقن (ويلسن) أنه لا بد أن ينخرط في مقاومة ألمانيا المعتدية حفاظا على قيم الغرب ورسالة أمريكا في العالم حيث كان يعتقد بأنه من أجل أن تحارب يجب أن تكون أكثر عنفا ووحشية وهذه الروح العنيفة القاسية سوف تزعزع أعماق الحياة الأخلاقية الأمريكية. ويؤرخ للحروب غير النظامية الكبيرة والصغيرة على مدى القرنين ونصف القرن التاليين وما يتجلى بسهولة فيما سماه الكاتب: «الحروب القذرة» هو أن الفشل فيها ملموس بشكل مؤلم بينما النجاح غالبًا ما يكون غير مضمون وغالبًا ما يستلزم خوض هذه الحروب بنجاح ضرورة تحقيق توازن حاسم بين النصر العسكري والسياسة فوضع أمريكا كدولة ديمقراطية لا يؤدي إلا إلى جعل خوض هذه الحروب غير النظامية وبدرجة أكبر كسبها أكثر صعوبة فمنذ 1776 وحتى الآن انخرطت الولايات المتحدة دون انقطاع في «حروب قذرة».
** ويبحث الكتاب الحالات الرئيسية منها بما في ذلك الحروب التي طال أمدها مثل: فيتنام وأفغانستان والعراق إلى جانب الحملات الأقل شهرة مثل السلفادور في ثمانينيات القرن العشرين واليونان في أواخر أربعينيات القرن العشرين والفلبين في خمسينيات القرن العشرين ثم حرب انفصال كوريا إلى شمالية وجنوبية من 1949 إلى اليوم إذا اعتبرنا حالة المناوشات والتهديدات استمرارا للحرب وهذه الحروب أهملها التاريخ والذاكرة السياسية الأمريكية وعبر هذه الحالات يستكشف الكتاب تقلبات العقيدة الأمريكية بين التعهد بعدم الدخول في المزيد من الحروب القذرة أو مزيد شنها.
ففي بعض الأحيان تعلم المسؤولون والقادة الأمريكيون من الدروس المستفادة من النزاعات السابقة وعلى سبيل المثال ما سببه عدم القدرة على الحسم وكم الخسائر الأمريكية في الحرب ضد حرب العصابات المراوغة والقاتلة في العراق والتي أدت بداية القرن الحادي والعشرين إلى تركيز العقيدة الإستراتيجية الأمريكية على مكافحة أعداء حقيقيين أو مصطنعين (بعد الشيوعية يأتي الإسلام) بمنطق حماية قيم الغرب المستهدف! نجح هذا التركيز إلى حد ما في العراق لكنه فشل وهُزم في أفغانستان مما دفع التدخل الأمريكي إلى تحول تاريخي في إستراتيجيته نحو تقييم أكثر تواضعا لما يمكن أن يحققه هذا الشكل من المشاركة في الحرب غير النظامية. ولو صبرتم معي أيها القراء الأعزاء لقصصت عليكم ما غاب عنكم من فظائع رهيبة ارتكبها الجنس الأبيض في حق السود والصفر والحمر بتعلة أن السيد الأبيض جاءكم من أصقاع أوروبا من أجل «تمدينكم وإلحاقكم بالمدنية الغربية» باعتبار وهم كاذب يدعي أن حضارة الغرب هي الأعلى بينما تلك العقيدة هي التي أنجبت النازية وقبلها بررت جرائم الإبادة الجماعية في أستراليا والأمريكتين وأفريقيا واليوم سنة 2024في غزة وفلسطين جميعا!
تلك هي جينات الإرهاب الكامنة في تكوين العنصريين والمحتلين وقتلة الأطفال..
ويعترف المؤلف بخطورة هاته المذابح التي عانت منها أمم الأرض لكن الغافلين من الغربيين يحاولون أن يجدوا تبريرات لها رغم لا أخلاقيتها وعدم احترامها لأدنى كرامة بني آدم فيقول: هذه المذابح ستظل في الذاكرة التاريخية الجمعية للشعوب الغربية بمثابة تذكير تقشعر له الأبدان بأن الولايات المتحدة من المؤكد أنه سيكون لديها سجل مستمر من التجاوزات في الحروب القذرة لأن طبيعة الحروب القذرة غالبا ما تؤدي إلى البربرية والإفراط في هذا السلوك الوحشي الذي يستنكره جميع المشاركين فيها وعيا منهم بفداحة خسارة قيم الحرية المرفوعة في نيويورك في تمثال (الحرية تضيء العالم).
اليوم ونحن في سنة 2024 يتفاقم خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة حين نرى روسيا القوة النووية تغزوها قوات أوكرانية بأسلحة تقليدية أمريكية وحين نرى أوضاع ما بعد الطوفان نلاحظ بدون عناء أن فلسطين تتحد وتقوى وتؤلف حولها شباب العالم في حين يقترب الكيان الغاصب من نهاية محتومة وهو ما أكده جنرال إسرائيلي متقاعد (إسحاق بريك) قائلا إن دولته ستنهار خلال عام إذا استمرت الحرب لأن قادتها أخطأوا في حساباتهم ولم يقرأوا الفرق النفسي والأخلاقي بين من يدافع عن أرضه وبين من يدافع عن احتلال أرض الغير بالقوة.
قال الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحق بريك، إن «غالانت يبدو أنه بدأ يدرك الحقيقة وأنه إذا اندلعت حرب إقليمية بسبب عدم التوصل إلى اتفاق بشأن غزة ستكون إسرائيل في خطر».
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1248
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
804
| 10 ديسمبر 2025