رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أ.د عبد الهادي العجمي

• أستاذ التاريخ – جامعة الكويت

مساحة إعلانية

مقالات

1518

أ.د عبد الهادي العجمي

من سيحيي السنوار؟

23 أكتوبر 2024 , 02:00ص

لا أشك، أن جميعنا توقف طويلا أمام هذا المشهد الاستثنائي للقائد الفلسطيني الشهيد يحيى السنوار، والذي عَبَر من خلاله الحدود الفاصلة وتجاوز حالة الغياب التاريخي الحالي للأبطال المقاومين والمناضلين، ليحييهم من جديد في مقطع حقيقي غير متخيل لم يتجاوز عدة دقائق بُث وشاهده العالم أجمع مصوراً.

وبتصوري أن السنوار، هذا القائد الذي أشغل العالم لمدة عام كامل ومع كل المحاولات المستمرة لاستهدافه وتشويه صورتة إعلامياً، جاء مقطعه الختامي ليمثل مشهداً رمزيًا أسطورياً بامتياز، حيث استدعت لحظة استشهاد السنوار المأساوية بعدا أعمق لتجربة المناضل والمقاوم وكيف هي رغبته الجامحة في تحرير نفسه ووطنه من آلامه وقيوده، وإصراره على المقاومة ولو في أحلك اللحظات، وبأبسط ما يملك من أدوات حتى وإن كانت عصا يواجه بها طائرة. المثير أن من صاغ هذا المشهد ووظفه بهذا الشكل الاسطوري كان العدو نفسه !

وبعيداً عن كل ما خلقته التعليقات والتحليلات واختلاف الآراء وما بين المناسب واللامناسب، والأخلاقى واللا أخلاقي، حول هذا المشهد وما تضمنه الحدث من تصورات خيالية لصراع الخير مع الشر أو الحق مع الباطل، إلا أن التساؤل المطروح بتصوري يبقى رهين مقطعين رئيسيين هما: ما الذي بعثته هذه اللحظات الأخيرة في عُمر السنوار للمقاومة والمقاومين وللفلسطينيين ؟ وكيف يمكن لمشهد استشهادي أن يبعث ومن جديد كل هذه الفاعلية في جسد أمة منهكة غائبة الحضور ؟

إن محاولة الاجابة على هذا التساؤل ربما تدفعنا هي الأخرى نحو الغوص في أعماق التاريخ واستحضار شخصيات مماثلة قدمت حياتها للدفاع عن أوطانها وقيمها، رحلت هذه الاشخاص لكن استمرت معتقداتها وأفكارها في التأثير بعد رحيلها. متخطية حدود المكان والزمان.

إن هذه الثغرة التاريخية التي نفذ منها السنوار كشخصية بطولية كاريزمية تكون دائمًا محورًا لإثارة النقاش لدى المؤرخين، إذ يحاولون فهم كوامن القوة والقدرات التي تجعل هذه الشخصيات ذات تأثير عميق في المجتمعات. من بين أنقاض لحظات انهيار أمة وضعفها، تبرز هذه الشخصيات لتقوم بأفعال قد تبدو في لحظتها لكثير من الناس بسيطة أو مكررة. لكن مع مرور الوقت، ومع الإصرار وكمال العزيمة، تظهر آثار متعاقبة ومتسلسلة، تؤدي في النهاية إلى تغييرات جذرية في المشهد.

نعلم جميعا أن الحضارة الإسلامية مرت ولا تزال بتجارب عديدة صعبة لكنها كانت في الغالب تمتلك أمام هذه التحديات والصعوبات (رموزا وقيادات وأشخاصا استثنائيين استطاعوا تغيير مسار الأحداث كـنور الدين زنكي، صلاح الدين، قطز، عمر المختار، أحمد ياسين، وغيرهم كثيرون.....

المثير كذلك أن أغلب لحظات الضعف ومشاهد اليأس والانكسار التي مرت بها الأمة ودخولها منحنى التراخى والانحدار، ومع بدايات الفعل التقويمي لهذا الانحدار كانت تتزايد الأصوات المشككة، التي تصر على أنه ( لا جديد يمكن أن يحدث)، بل ربما تتجاوز هذه الأصوات في بعض الأحيان حد التشكيك إلى التخوين، مما يضيف تعقيدات وتحديات أكبر أمام مساعي التغيير لكن ورغم تعاطف وانبهار وقبول البعض بهذه الاصوات المشككة تظهر القيادات الاستثنائية والبطولات والرموز لتغير الواقع وتخلق الانتصارات لأوطانها وشعوبها.

إن السنوار ورغم رحيله المتوقع ومع كل ما قام به من خلط و بعثرة لأوراق السياسة والجغرافيا - بل والاقتصاد - لقوى كبرى، إلا أنه استطاع أيضا تحريك عجلة التاريخ والمقاومة في آن واحد ومع ظروف استثنائية وشديدة الصعوبة، بل بتصوري أن رؤية السنوار وإدارته للأحداث لم تكن مجرد ردود فعل على ما يقوم به العدو، بل كان إدراك لواقع شديد التعقيد في الداخل والخارج، استطاع معه السنوار أن يجعل من تلك المقاومة قوة فاعلة ومؤثرة حتما ستنعكس آثارها لاحقاً وبمراحل متعددة على تاريخ الصراعات الإسلامية مستقبلاً.

 يبقى القول إن إدراك واستجلاء تأثيرات هذا المشهد (البطولي لاستشهاد السنوار ) وآثاره سيتطلب منا الكثير من الصبر والمتابعة حتى نستطيع أن نحيط بما سيتشكل بعده من تغيرات حتمية في المستقبل، وكيف استطاع السنوار تقديم نفسه في مرحلة انتقالية شديدة الحساسية كبديل وكشخصية استثنائية تاريخية في عالم يسوده التناقض وخلط الاوراق، واحتمالات سقوط قوى وتشكل وخلق قوى جديدة.

 

مساحة إعلانية