رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جاسم الشمري

مساحة إعلانية

مقالات

1014

جاسم الشمري

لنتقبل الانتقاد!

24 سبتمبر 2024 , 02:00ص

من النادر أن تجد شخصا لا يحاول انتقاد الآخرين في زماننا، وهذا الكلام يشمل غالبية الناس. والانتقاد يعني، وفقا لقواميس العربية، نقد الشّيء، وبيان عيوبه ومحاسنه، ويقال: ‹›لا يُبصر الدينارَ غيرُ الناقدِ»، وبهذا فإن نقد الناس هي محاولة لإظهار عيوبهم ومحاسنهم!

وانتقاد الذات، أو الآخرين، من المواضيع الحيوية والملاصقة للناس في كافة مجالات حياتهم، ولا يتخلف في ذلك الفقراء والأغنياء، والجهلة والمتعلمون، والخفراء والأمراء وغيرهم.

والانتقاد قد يكون إيجابيا، وهو الأقل والأندر، وقد يكون سلبيا وهو الأكثر والأوسع.

والكثير من الناس تتألم نتيجة الانتقادات السلبية لأنها من معاول التقزيم للذات الإنسانية، ومن أدوات القتل المعنوي للناس.

ونلاحظ اليوم أن غالبية الكيانات السياسية والفكرية والشرعية الصافية والملوثة، وكذلك الكثير من الأشخاص الأنقياء والملوثين حريصون على انتقاد الناس، أو الكيانات الأخرى، ولا يتقبلون أي انتقادات لكياناتهم وشخوصهم وكأنهم معصومون من الخطأ، أو هم فوق الشبهات!

والانتقاد البنّاء وسيلة طيبة لمساعدة الآخرين على تجاوز حالة سلبية ولكن بأسلوب مهذب ولسان طيب وأفكار تنويرية، وذلك على خلاف الانتقاد الهَدّام والذي يكون بأسلوب فض، ولسان مرّ، وأفكار ظلامية!

وفي المجالات السياسية الواسعة والضيقة يفترض تثقيف الأتباع على سياسة الانتقاد على اعتبار أنهم مرآة عاكسة لعمل الدولة والكيانات والمؤسسات السياسية والشرعية والمجتمعية.

وبالمقابل فإن المسؤول الحكيم والناجح ينبغي عليه قبول الانتقاد، وأن يتابع مرحلة، أو مراحل، التصحيح دون المساس بالشخص المُنْتَقد لأن ملاحقة المُنتقدين يعني إيقاف عجلة التفحص والمتابعة والبناء والتكوير.

ومن هنا فإن المسؤول الصادق ينبغي عليه تقديم الناصحين وتكريمهم، وابعاد المزورين للحقائق وتقليص دورهم!

إن الاعتراف بالخطأ من الفضائل التي تليق بالفرسان، والمسؤول المعترف بتقصيره، والمتماسك والضابط لنفسه، والمبتعد عن الجدال والرد والتشكيك والطعن بالآخرين يستحق الثناء، حتى وإن أخطأ، لأن العاملين لا شك يقعون في الخطأ، والنائمون قطعا لا يقعون في الخطأ!

ولهذا ينبغي على الإنسان العاقل والدول المتينة والمؤسسات الرصينة أن تراجع نفسها بين حين وآخر، بل وتطلب من رجالاتها الأنقياء تقديم النصح والمشورة والانتقاد للحالات السلبية الخطيرة!

ولا ننسى هنا مسألة النقد الذاتي وأهميته وضرورة أن يكون أولوية كبرى في مراحل العمل وبالذات تلك المليئة بالتحديات الداخلية والخارجية!

إن أبرز صور الفشل العام للدولة والمؤسسات والأفراد تكون بتراكم الأخطاء، وعدم البحث عن الحلول الناجعة وبالنتيجة نكون أمام تلال من المشاكل البعيدة عن التفاهمات والمقاربات!

ولهذا فإن دوام واستمرار ذات الأخطاء والسلوكيات المهلكة تتحمل القيادة مسؤوليته لأنها هي التي ارتضت لنفسها ان تكون في الصدارة، ويتحملها كذلك كل مَن يقدر على التقويم وآثر الصمت لمصالح شخصية وخاصة!

لنتعلم أن الأنقياء على مرّ العصور قبلوا النصيحة والنقد حتى من عموم الناس فضلا عن علية القوم والنخب الثقافية والدينية والمجتمعية، التي يهمها النصح، والخلاص من السلبيات، والتأسيس لمرحلة جديدة قائمة على الثقة المتبادلة، والنصيحة، والعمل الممزوج بالحب والتسامح!

وبذلك فإن الانغماس في المثاليات الفارغة والمفاخر المزيفة، واسقاط اللوم على «المُنْتَقدين» وجعلها شماعة للتخدير، وربما، لتبرير الفشل تُعدّ من أهم أسباب التكابر والتعالي على الانتقاد وعدم قبول الآخر!

صنع القرار الصائب يكون بالحكمة والدراسة والتشاور مع العقلاء، وبخلاف ذلك فستكون الدولة والمؤسسات أمام قرارات ارتجالية همجية يمكن أن تحرق القريب والبعيد والأخضر واليابس!

لا يُمكننا أن نُوقِف الانتقادات، وبالذات الإيجابية والمفصلية منها، وعليه ينبغي أن يُنْظر لها بأنها جزء من منظومة العمل، بل هي فرصة للتقويم والتجديد وليس بالضرورة هي مؤامرة وعدوانية وتخريبية!

مساحة إعلانية